ليلة انهيار الباشا

(وين بدنا نروح في نص الليل)، (حسبي الله ونعم الوكيل عليهم)، (إيش بدهم في البرج)، على هذه الأصوات فزع سكان محيط برج الباشا بعد أن تلقى المواطن يوسف أبو شعبان مكالمة هاتفية الساعة الثالثة والنصف فجراً من جيش الاحتلال الصهيوني.

خلال هذه المكالمة، ألزم ضابط مخابرات صهيوني المواطن أبو شعبان بتحذير من هم داخل البرج والسكان في محيطه بالابتعاد ضمن دائرة قطرها 300 متر مربع.

عدوان لم يسلم منه الحجر ولا الشجر، ولم يرحم طفلاً ولا شيخاً، وبعد أن أجمع المحلّلون على أن من سيخرج منتصرا في النهاية هو من ينجح في رفع والحفاظ على معنويات جبهته الداخلية، لم تجد قوات الجيش بداً من زعزعة الجبهة الداخلية التي تحتضن المقاومة في غزة.

واعتمد الاحتلال سياسة تدمير الأبراج السكنية في الأسبوع الأخير من العدوان، والتي تعدّ بمثابة ضرب 60 أو 70 منزلاً في صاروخ واحد وما يتبع ذلك من تشريد  لمئات العائلات، مدّعين استخدامها من قبل المقاومة للتخطيط للعمليات العسكرية.

وين نروح ؟!!
برج الباشا يتكون من 14 طابقاً، فهو وإن كان برجاً تجاريًا مؤسّساتياً إلا أن تبعاته الاقتصادية السلبية لا تختلف كثيراُ عن من دُمّر منزله أو حُرم مصدر رزقه الوحيد.

6 صواريخ
3 صواريخ من طائرة استطلاع أحدثت انفجارات هزت مدينة غزة، لتكون بذلك صواريخ “تحذيرية” لسكان البرج ومحيطه، زادت من حالة من الارتباك التي سادت أجواء شارع الثلاثيني المكتظ بالسكان.

سارع السكان بإخلاء منازلهم الملاصقة للبرج المهدّد، ثم خيّم الهدوء على المنطقة وساد الترقب الحذِر، ليكسره صوت مرعبٌ لثلاثة صواريخ من الطائرة الحربية الـ F16، فترصده كاميرات وسائل الإعلام وهو يتهاوى كـ “البسكويت”، كما يصف المواطنون.

انهار البرج، وانهارت معه أحلام أكثر من 100 موظّف وعائلاتهم حُرِموا مصدر رزقهم الوحيد، ومنهم المواطن أحمد الفيومي (29 عاماً)، والذي يعمل كحارس للبرج ويُعيل زوجته وثلاثة من أبناءه.

يقول الفيومي لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: “أنا لما سمعت خبر تهديد البرج لم أستطع النوم وخفت على رزقتي، وكنت أتساءل ليش بدهم يقصفوه، ما في مراكز لحماس ولا غيرها”.

لكنه استدرك: “الحمد لله وبعوّض الله عليا، واللي بشوف مصايب الناس بتهون عليه مصيبته، وأنا مش أحسن من الناس اللي فقدت أولادها وقدمت الكثير”.

ولم تقف معاناة أحمد عند فقدانه مصدر رزقه، فهو ومنذ بدء العملية البرية شرق التفاح بادر إلى إخلاء منزله ليقطن في منزل والده الكائن في حي النصر، فلاحقته وعائلته الغارات المتلاحقة على أهداف قريبة ومدنية في معظمها.

أضرار بالغة
القدرة التدميرية لتلك الصواريخ لم تقف عند تدمير برج الباشا، بل تجاوزته لتلحق أضراراً بالغة بالمنازل والمحال التجارية المحيطة به، فمنزلاً لعائلة اللوح وآخر لآل للقصاص تبدو آثار الخراب عليها واضحةً للعيان، فالنوافذ تساقطت والجداران تشقّقت.

يوسف أبو شعبان واحدٌ ممن تضرّر منزله ولحقت الأضرار محل والده للأدوات الكهربائية حيث يقع مقابل برج الباشا مباشرة.

يقول لمراسلنا: “دمار كبير في بيتنا، ولا شباك ولا باب بقي سليم، والجدران تشقّقت، ومحلنا كله زجاج متكسر بعدما تساقطت الرفوف، وجزء كبير من الشظايا والحجارة دخلت بقوة بعد خلع الباب الخارجي”.

ويتخوّف يوسف من التأثير بعيد المدى لتلك الغارات والتي يقول بأنها قد تُقصّر من العمر الافتراضي للمباني السكنية المجاورة، بعد الأخذ بالاعتبار القوة الكبيرة والهزات الأرضية المزلزلة لتلك الصواريخ.