الإثنين 12/مايو/2025

حرب الإبادة على غزة: أربع ظواهر خطيرة تستحق الدراسة واستخلاص الدروس

حرب الإبادة على غزة: أربع ظواهر خطيرة تستحق الدراسة واستخلاص الدروس

ما زال غبار محرقة غزة لم يهدأ بعد، وأشلاء الضحايا ما زالتتنتشل من تحت الأنقاض ومئات آلاف المشردين ما زالوا يسكنون المدارس والمساجد والمستشفياتوالخيم والعراء، وإمكانية العودة للميدان ما زالت قائمة، فالإصبع على الزناد وإذا ماانفضت جلسات القاهرة بدون اتفاق تعود الأمور إلى مربع المواجهة التي قد تطول أكثر هذهالمرة، وتكون أكثر دموية وتدميراً وشمولية. ورغم هذا المشهد نود أن نستعرض مجموعة منالظواهر التي أفرزتها هذه المحرقة، لعل أحداً يتابع دراستها ويستخلص دروسها ويخطط علىأساسها.

هذه الملاحظات في معظمها ثقافة عامة لدى الفلسطينيين والعرب،وقد سمعت كثيرا منها أثناء وجودي في فلسطين المحتلة زائراً ومتنقلاً في كافة مدنهاوقراها من القدس وبيت لحم جنوباً وصولاً إلى الناصرة ومنطقة الجليل شمالاً. لقد شاركتمستمعاً أو محاوراً أو معلقاً في العديد من الأنشطة المتعلقة بحرب الإبادة، وسرت فيالجنازات ودخلت العديد من بيوت العزاء وقمت بزيارة الجرحى والتقيت بالعديد من المسؤولينوالناشطين والكتاب والإعلاميين والطلاب والناس البسطاء، في المقاهي والمساجد والمضافاتوالنوادي. وسأسجل حصيلة هذه الملاحظات في ظواهر أربع بلورتها الحرب على المستويات الأساسيةالثلاثة الإسرائيلية والفلسطينية والعربية.

1. التطرف في المجتمع الإسرائيلي أصبح شاملاً

عكس الحروب السابقة تكاد القوى المعارضة للحرب في “إسرائيل”تنتهي، حيث اصطف أكثر من 90٪ من الإسرائيليين اليهود خلف الحرب، مبررين ومؤيدين ومغمضينعيونهم عما يرتكبه الجيش من مجازر، واعترض نحو 4٪ فقط على الاستخدام المفرط للقوة،حسب استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يوم 29 تموز/يوليو الماضي.وقد كان التأييد للحرب يوم 14 يوليو ويومي 16 و17 أقرب إلى الإجماع. وقال نحو 50٪ منالذي شملهم الاستطلاع، إن القوة المستخدمة من جيش الدفاع مناسبة للأهداف، بينما اعتبر33٪ أن القوة المستخدمة غير كافية. واعترض 80٪ على وقف أحادي الجانب لإطلاق النار،بينما وافق نحو 60٪ على وقف إطلاق النار بشرط التوصل إلى اتفاقية تضمن الهدوء في البلداتالمجاورة لغزة.

حتى المظاهرات الصغيرة التي قام بها أنصار السلام من العربواليهود، خاصة مظاهرة تل أبيب يوم 12 يوليو ومظاهرة حيفا يوم 21 يوليو، تعرضت للعنفمن قبل أنصار الحرب، لدرجة أن نائب بلدية حيفا سهيل أسد وابنه تعرضا للضرب، ثم هاجمالمتطرفون المظاهرة وجرحوا نحو 30 شخصاً، من بينهم امرأتان أدخلتا المستشفى، كما هاجمالمتطرفون مظاهرة تل أبيب بعد أن انسحبت الشرطة بحجة إطلاق صفارة الإنذار وأشبعوا المتظاهرينضرباً، نقل بعضهم إلى المستشفى. كان المتطرفون يحملون يافطات كتب عليها «الموت للعرب»ويتهمون المتظاهرين بالخيانة، وكتب مغرد يميني على الفيسبوك «إبعثوا بالمصوتين في الانتخاباتمن اليساريين إلى غرف الغاز ونظفوا هذا البلد منهم». هذه حقيقة المجتمع الإسرائيليالآن. أنصار السلام في “إسرائيل” ذابوا ولم يبق منهم إلا أفراد وجماعات يساريةصغيرة لا وزن لها، حتى حركة ميرتس اصطفت خلف هذه الحرب، وعلى الفلسطينيين والعرب المعنيينأن يأخذوا هذه الظاهرة في الحسبان.

2. الإيغال في استهداف الأطفال والنساء والمسنين عن عمد وسبقإصرار

عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب البيت اليهودي، أياليت شاكيد،قالت لا بد من قتل جميع الأمهات الفلسطينيات «لأنهن يلدن الثعابين»، وقالت إن النساءالفلسطينيات «يجب أن يمتن وتهدم منازلهن حتى لا يتمكـنّ من إنجاب المزيد من الإرهابيين».هذا نموذج عن ولع المجتمع الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين الذين هم في نظرهم مجموعة منالإرهابيين فقط ولا يستثنى من ذلك أحد. فكل من تابع حرب الإبادة على غزة تعجب من كميةالحقد والرغبة العالية للتدمير وقتل المدنيين بدون أدنى تردد أو إظهار أي نوع من الشعورالإنساني نحو الضحايا، بل الاحتفال بالقتل والمطالبة بالمزيد. فكم من صهيوني تمنى علىوسائل التواصل الاجتماعي لو كان الصبية الأربعة الذين أعدموا على الشاطئ بقذائف موجهةكانوا أربعين وآخر تمنى لو كانوا 400 طفل، ويبدو أن أمنية الأخير تحققت، حيث بلغ عددضحايا محرقة غزة من الأطفال 429. لقد بدت همجية الكيان في أبشع صورها، ولكنها في أصدقمظاهرها أيضاً، فالكيان الصهيوني منذ أُنشئ إلى هذه اللحظة استخدم المذابح سلاحاً حاداًفي تنفيذ مخططاته، وهو لا يتورع ولا يتردد في قتل العجزة والمسنين وبقر بطون النساءوتهشيم رؤوس الأطفال. هذه الحرب عادت لتؤكد هذه السمة الأساسية والعضوية والجينية التييتشربها أبناء ذاك الكيان عن آبائهم وأجدادهم فيتغذون على المذابح ويتلذذون بقتل الأغيارمن العرب عامة والفلسطينيين خاصة. هذه الظاهرة بدت للعيان بشكل مهول لم تظهر بمثلهفي السابق حتى في مذابح بشعة مثل دير ياسين أو الطنطورة أو قبية أو الدوايمة أو كفرقاسم أو صبرا وشاتيلا أو مخيم جنين أو حي الزيتون أو قانا الأولى أو قانا الثانية أوبحر البقر.

لقد كانت عملية خطف الصغير محمد أبو خضير يوم 2 يوليو منشعفاط وحرقه من قبل المستوطنين وبالطريقة الهمجية التي أحرق بها، دليلا على الحل الذيتتمناه وتحاول تنفيذه القوى الحاكمة في “إسرائيل”، التي أنشأت ورعت وغذتوسمنت حركة الاستيطان داخل قرى ومدن وأراضي القدس والضفة الغربية كآلة ضرب وحشية متقدمةلتمنع وإلى الأبد قيام دولة فلسطينية.

مقابل هذه الصورة تصرفت حركات المقاومة بشكل حضاري نادر الرقي،عندما استهدفت العسكريين فقط، وكانت كل صواريخها الموجهة للمدن والمراكز السكنية تهدفإلى تسجيل نقاط سياسية وأمنية وتوجيه ضربة لمعنويات المجتمع الإسرائيلي واقتصاده وسياحته،لكنها بالكاد قتلت أحدا وما قيل عن مقتل إسرائيليين اثنين وعامل أجنبي إنما كان ذلكناتجاً عن صدمة خوف أو انهيار عصب أو توقف قلب من شدة الرعب.

3. عبثية المفاوضات أم عبثية الصواريخ؟

لم أسمع كلمة إطراء واحدة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربيةوغزة، خلال الأسابيع الأولى للعدوان. الجميع كان يشعر بحالة من الانتشاء والفخر وهويرون المجتمع الإسرائيلي يتذوق شيئاً من خوف وهلع ويهرعون إلى الملاجئ عندما تدوي صفارةالإنذار المرعبة، بينما كان الفلسطينيون يعتلون ظهور البنايات العالية ويصفقون ويكبرونعندما يُسمع صوت الانفجار، مع علمهم بأنه لم يقتل أحداً. لقد طفق كل من تحدثت معه يقارنبين مسار المقاومة الذي ركع “إسرائيل” على قدميها وزرع الرعب في قلوب مستوطنيها،وبين المفاوضات التي أدت إلى ضياع الأرض واستفحال ظاهرة الاستيطان وتهويد القدس وهدمالبيوت وتشريد سكانها واقتلاع الشجر و»كنتنة» الضفة الغربية خلف جدار عنصري تم تشييدهلابتلاع مزيد من الأرض واحتضان الكتل الاستيطانية، وليس كما يدعون لمنع العمليات الانتحارية.

لقد أثبتت هذه الحرب أن “إسرائيل” تريد أن تنهيالوجود الفلسطيني الرافض للاستسلام، وأن الفلسطيني المسموح له أن يعيش داخل المعازلهو الذي لا يتمرد على شروط قتله، فإن تمرد فهو إرهابي ملعون وإبادته تصبح واجباً شرعياً.لقد أساء تباكي القيادة على خطف المستوطنين الثلاثة بشكل غير مسبوق كثيراً، فحاولترموز السلطة بعد احتدام المذبحة، وابتداء من يوم 21 يوليو أن تركب موجة المواجهة وتتبنىتقريبا بالكامل مطالب المقاومة لتثبت لنفسها قبل غيرها أن المفاوضات هي العبثية وليستالمقاومة، والجهة التي أوصلت الشعب الفلسطيني حافة الهاوية هي قيادة أوسلو وما نتجعنها من خراب من الصعب تصحيحه إلا بالمقاومة الشاملة والمتواصلة. المقاومة هي التيستصحح مسيرة المفاوضات إن وقعت، أما المفاوضات العبثية فهي التي ستبعثر النتائج التيحصدتها مقذوفات المقاومة. إن ظاهرة وحدة الموقف الفلسطيني ميدانياً ومن خلال الوفدالمشترك لمفاوضات التهدئة أمر في غاية الأهمية ويجب الحفاظ على هذه الوحدة إستراتيجياًوليس تكتيكياً، وعلى أرضية مقاومة المشروع الصهيوني بكافة الوسائل لا التكيف معه ومعشروطه.

4. الاصطفاف العلني لبعض الأنظمة العربية مع “إسرا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات