الإثنين 12/مايو/2025

أطفال غزة والحرب

أطفال غزة والحرب

بكل براءة الطفولة وصدقها والتي لم تدنسها بعد شوائبالسياسة الرديئة والسلبية، استوقفني طفل يسكن في العمارة نفسها التي أسكن فيها،ولم يتجاوز عمره العشر سنوات وسألني ببراءته وملامح الخوف ترتسم على وجهه: من سيقفإلى جانبنا لو قامت “إسرائيل” بالحرب ثانية على غزة؟ وأضاف: في الحربالأخيرة وقفت مصر ومارست ثقلها وأوقفت الحرب واليوم هل ستقف مصر معنا الموقف نفسه؟والد الطفل الذي كان معه قال لي عن ابنه إنه عندما يسمع صوت أي انفجار أياً كانمصدره يرتعد خوفاً وينزل تحت سريره. هذا هو حال الطفل في غزة. الذي شدني إلى سؤالهالدلالات السياسية العميقة التي تكمن وراء السؤال من سيقف مع غزة لو وقعت حربأخرى؟ وسؤاله الثاني العميق في دلالاته: وهل ستقف مصر مع غزة في أي حرب قادمة؟

هدأت من روعه وقلت له أنت طفل من غزة، وأطفالنا ولدواعلى الخوف وفي الحرب، ولذلك لديهم مناعة ضد الخوف، والحقيقة هي عكس ذلك تماماًلأنني ضد هذا الأسلوب في تربية الأطفال، الذين يحتاجون إلى بيئة آمنه تفجر لديهمطاقات الإبداع والتفكير السليم، ومن حقهم أن يعيشوا في سلام وأمن مثلهم مثل بقيةأطفال العالم، لا أن نربيهم على الخوف والقتال والحرب. هذه جريمة ترتكب في حقأطفالنا.

أعود ثانية للبحث في الدلالات السياسية لهذين السؤالين.في البداية لا بد من التأكيد على أن كل الشعوب والدول العربية والإسلامية وشعوبالعالم تتحرك ضد أي حرب على غزة، ولقد لمسنا الكثير من التظاهرات والتحركاتالإنسانية على مستوى هذه الشعوب للتنديد بأي عدوان يقع على غزة وأطفالها، وثانياًوالأهم المطلوب فلسطينياً أن نحافظ على هؤلاء الأطفال الذين هم رصيد القضيةوالدولة الفلسطينية، ورصيد كل مستقبل ناجح، وليس الجيل الحاضر، ومن الخطأ الاعتقادأو القول إن أطفال غزة مكتوب عليهم الحرب، ولماذا لا نقول ونعمل على أن يعيشوا مندون حرب، هذا الشعار الذي ينبغي رفعه وإبلاغه لكل العالم، وجعله شعاراً للعامالمقبل، وأن يكون مضمون رسالة الدبلوماسية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينيةوالدولية. وأعود ثانية وهل ستقف الدول العربية ومصر إلى جانب غزة في أي حرب بصرفالنظر عن أي نظام حكم؟

على الرغم من تراجع القضية الفلسطينية كقضية أمن قوميعربي، وتراجع مفهوم العدو المشترك، لأنه وللأسف الشديد أوجدنا عدواً جديداً هوالعدو من الداخل أي أنه أصبح ينظر كل واحد منا إلى أنه هو العدو المشترك، وهذاأخطر من أي حرب على غزة وغيرها. أما أن تقف الدول العربية ضد أي حرب على غزة فهذاأمر مؤكد بحكم كل الروابط القومية والعروبية، والأكثر بحكم أن أطفال غزة سيجبرونالكل على الوقوف ضد أي حرب، لكن القضية ليست في الوقوف ضد أي حرب، وإرسالالمساعدات، واستقبال جرحى غزة من الأطفال، المهم كيف نمنع أي حرب على غزة، هذهمسؤولية عربية ودولية، وقبلها فلسطينية، وقبلها أيضاً مسؤولية حركة حماس كحركةمسؤولة في غزة، علينا أن نجعل من غزة مدينة للأطفال، وكيف ذلك؟ بأن نؤسس ونقيم كلالحدائق، ومدن الألعاب، وأن نؤسس لمراكز ثقافية لهم، وأن نهتم برياض ومدارسالأطفال، وبمناهج تعليمهم، وأن نوفر لهم الرعاية الصحية والغذائية السليمة، وأننرفع عنهم الحصار، وأن يتواصلوا مع أطفال العالم، العالم كله الآن يفكر في أطفاله،ويوفر لهم البيئة الصحية والعلمية والتربوية والثقافية، وغير ذلك من الخدمات،ولننظر حولنا ونرى، من حق أطفال فلسطين وغزة أن يشعروا أنها لهم. وأما عن موقف مصروالتصدي لأي حرب على غزة، فهذا الموقف ليس بحاجة للتدليل والتأكيد، ففلسطين وغزةتحديداً مكون أساسي من مكونات الأمن المصري، ومصر قامت بالعديد من الحروب من أجلفلسطين وغزة، وضحت بشبابها وجنودها من أجل فلسطين وغزة، وليس صحيحا تصوير الأمرعلى أن موقف مصر من الحرب يتوقف على طبيعة نظام الحكم القائم، أي حرب على غزة بكلالمقاييس هي حرب على مصر وأي دولة عربية أخرى. لسنا بحاجة للتأكيد على ذلك، لكنبالمقابل علينا نحن ألا نجعل الحرب هدفاً لنا، ولا وسيلة لتوريط الغير، وأن ندركحدود دورنا، ودور غزة في المعادلة الأمنية العربية والمصرية تحديداً، وأن نعيدتقييم رؤيتنا لغزة بكل خصوصيتها، وخصائصها الجغرافية والسكانية والعمرية،والاقتصادية، لم تعد “إسرائيل” موجودة كقوات على الأرض، رغم أن الاحتلالكمفهوم وحقيقة ما زال قائماً، هذه مرحلة بناء وتطوير لغزة، غزة أكبر من أن تكونوظيفتها التصدي لأي حرب، غزة بحاجة للبناء والتنمية، وغزة تنتظرها مشكلات أكبر منمشكلات الحرب، مشكلات تتعلق بالعمل والفقر والبطالة واستيعاب الطفولة، وهل سألناأنفسنا عن صورة غزة بعد خمس سنوات، والتحديات التي تنتظرها؟ من يريد غزة عليه أنيفكر من هذا المنظور.

صحثفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات