عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

استراتيجية الهدن والمفاوضات

استراتيجية الهدن والمفاوضات

في اجتماع حكومته الأسبوعي يوم الأحد الماضي، شددبنيامين نتنياهو على أن “إسرائيل لا تفاوض تحت النار”، مؤكداً أن عملية”الجرف الصامد” مستمرة حتى تحقق أهدافها وهي “استعادة الهدوء لفترةطويلة”. وفي منتصف ليل اليوم نفسه، أعلنت الخارجية المصرية أن اتفاقاً علىهدنة جديدة لمدة 72 ساعة وافق عليها الفلسطينيون و”الإسرائيليون”، وتبدأمن الساعة الواحدة من صباح الاثنين “للبحث في مطالب الطرفين، وبهدف التوصلإلى وقف لإطلاق النار شامل ودائم”.

اليومان اللذان فصلاً بين سريان الهدنة الجديدة وسقوطالتي قبلها، شهدا سقوط أكثر من خمسة عشر شهيداً فلسطينياً وعدد من الجرحى، إضافةإلى تدمير عدد من البيوت. وقبل التوصل إلى الاتفاق الأخير، كانت أوساط قريبة منالوفد الفلسطيني قد قالت إن فرص التوصل إليه “ضئيلة”، وإنه ما لم يرجعالوفد “الإسرائيلي” إلى القاهرة، فإن الوفد الفلسطيني سيغادرها.

ويمكن القول، الآن، إن ما جرى يشير إلى أمرين: الأول،رغبة الجانب الفلسطيني في إعطاء الوسيط المصري فرصة جديدة، وهي رغبة تكشف عن رغبةأبعد تتعلق بعدم توتير العلاقة مع مصر أكثر مما هي عليه. والأمر الثاني، أنتنازلاً إجرائياً قدمه الوفد الفلسطيني للتوصل إلى الاتفاق، وهو الموافقة علىالهدنة قبل عودة الوفد “الإسرائيلي” إلى القاهرة، كما كان قد أعلن.

ذلك من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فيبدو من اللغةالتي تحدث بها الطرفان، الفلسطيني و”الإسرائيلي”، عن الهدنة، أن هناكتراجعاً عن اللهجة التصعيدية التي سادت أثناء الحرب. فبالنسبة للمقاومةالفلسطينية، قال رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) خالد مشعل: “الهدنة هيإحدى الوسائل والتكتيكات، سواء لغرض توفير مجال مناسب لإنجاح المفاوضات، أو من أجلإدخال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة”، مشيراً إلى أن الهدف الذي نصر عليه هو”تلبية المطالب الفلسطينية، وأن يعيش القطاع دون حصار، وهذا أمر لا رجعةعنه”. أقوال مشعل، هذه موجهة في الأساس للغزيين، لتبرر قبول الهدنة التي سبقللمقاومة أن رفضتها مشترطة رفع الحصار أولاً. لكن مشعل قال أيضاً: إنه “فيحال حصول أي تسويف “إسرائيلي” أو مماطلة، أو استمرار العدوان، فإنالمقاومة مستعدة لاستئناف المعركة ولديها الجاهزية لكل الاحتمالات”.

وقد سبقت الإشارة لما قاله رئيس الوزراء”الإسرائيلي” في اجتماع حكومته الأسبوعي، من أن العملية العسكرية ستستمرحتى يتحقق هدف “الهدوء لفترة طويلة”.

هكذا يتلخص الغرض من الهدنة الجديدة في عنوانين عريضين،هما التفاوض على المطالب الفلسطينية، والتي يظل “رفع الحصار” جوهرها،و”تحقيق الهدوء ل “إسرائيل” لفترة طويلة”. وتحت هذينالعنوانين مرت “التنازلات المتبادلة” التي قدمت ليتحقق الاتفاق علىالهدنة. فبينما كان مطلب “رفع الحصار بشكل كامل وبدون شروط”، هو مطلبالمقاومة الفلسطينية أثناء الحرب، صار قابلاً للتفاوض، ويمكن أن يتضمن”شروطاً وقيوداً” قد تلحق به. من جهة ثانية، لم يعد “نزع سلاحالمقاومة في غزة” هدفاً “إسرائيلياً” معلناً، لكنه قد يكون أحدبنود المفاوضات من أجل أن يتحقق “الهدوء لفترة طويلة”.

وهنا لا بد من سؤال يفرض نفسه: ما الذي يمكن التوصل إليهفي 72 ساعة من أمور هي من التعقيد ما يجعلها تحتاج إلى وقت أطول من ذلك بكثير،خصوصاً عندما يكون الخصم في مكر الصهاينة؟ هذا يعني أن الهدنة على الأرجح، إذا ماأريد التوصل إلى شيء، ستجر إلى هدن أخرى أطول من الهدنة الحالية. وهذا بدوره يعنيالجرجرة التي يكون “التسويف” و”المماطلة” معها تعبيرين مخففينللحقيقة.

ليست لدينا النية للتشكيك في المفاوض الفلسطيني، وقطعاًليست في المقاومة الفلسطينية الباسلة، ونقدر صعوبة الموقف الذي يجد الجميع أنفسهمفيه، وكذلك الوضع الصعب الراهن بالنسبة لأهل غزة بعد كل جرائم الحرب التي اقترفتهاالآلة العسكرية “الإسرائيلية” في القطاع، لكننا فقط ننبه إلى حقيقةنعرفها جميعاً وهي أن الحكومة “الإسرائيلية” قبلت المفاوضات لأنها عجزتعن تحقيق أهدافها من خلال آلتها العسكرية، وهي تريد الآن أن تحقق أكثر ما يمكنمنها عن طريق المفاوضات، أي أن نتنياهو يتطلع ليحصل بالسياسة والمفاوضات على ما لميستطع الحصول عليه بالحرب. ولسنا في حاجة إلى الإشارة أن كل ما خسرناه مع العدوالصهيوني منذ ما قبل 1948 وحتى اليوم من خلال الهدن والمفاوضات، هو أكثر مماخسرناه في الحروب.

إن الحديث يدور عن تأجيل الميناء والمطار، ويقتصر علىفتح المعابر والعودة إلى اتفاقية 2005 بهذا الخصوص. كذلك يدور الحديث عن السماحبدخول مواد البناء، مثلاً، مع وجود مراقبة أوروبية لمادة الإسمنت… وهكذا. بمعنىأن فتح المعابر سيكون مشروطاً ومقيداً، بينما الميناء والمطار مكانهما في”مفاوضات السلام”، كما قالت تسيبي ليفني ومسؤولون”إسرائيليون” آخرون.

وهناك قضية أخرى يبدو أنها ستغيب في خضم المفاوضات، وهيالاحتلال والوضع في الضفة الغربية، وكان أحد المطالب الفلسطينية في الورقة الأصليةالتي تقدمت بها المقاومة الفلسطينية للجهات والأطراف المعنية، والتي هي أصل هذهالمفاوضات. إن أحداً منا لا يريد أن يرى المفاوضات حول غزة تتحول إلى نسخة أخرى منمفاوضات أوسلو… عندها ستقع الطامة الكبرى.

صحيفو الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات