غزة… أحلام لا تشبه المستحيل

يوميات الألم في غزة لا تنتهي بانتهاء النهار أو انقضاءالليل، فأهل غزة يفيقون على موتهم المنثور كالدخان في سمائهم، وينامون على الموتالمتستر بالليل، حاملين أحلامهم ريشاً في وسادة الألم، في لحظة اختلال الموت بينقذيفتين، أحلامهم عادية جداً، يريدون أن يمضي الوجع كغبار على مكنسة، يريدون أنيأتي يوم لينسوا أوجاعهم ويرتبونها في المتاحف لتصير ربما فرجة للسائحين والصغار،لتصير لون الشيب في حكايات الكبار، لتصير دمع الأمس وغصة الماضي.
يريدون أن يرحل كل هذا الألم المعمر بالهموم إلى غيررجعة، يرقبونه من النافذة كسنديان أو نخيل يقف على الطريق، يطلون على الألم كماتطل السماء على الشجر.
عزيزة أحلامهم كالغيم كالمطر كالماء في بلادنا.. عزيزةلكنها لا تشبه المستحيل، يريدون صباحا ككل صباحات الكون، حيث تفيق الشمس بكسللترتشف النور في فنجان قهوة مع الأهل والأصحاب، يريدون أن يصلّوا كي تغمر البركةالعتبات، لا لكي يموتوا كركعة بين شهادتين في صلاة، ويريدون للمآذن أن تصلي لهمفتصل عتبات السماء من الدعاء، لا تبكي مثلهم ولا تحزن ولا تتكئ وتنحني كانحناءالعجائز على أكتاف البيوت.
يريدون أن يمشي العجائز إلى موتهم بطمأنينة السلاحفوإيمان رجال الدين بدون فجيعة موت الصغار وحمل وزر العمر وذنب الحياة وعبء السنينوالذكريات.
يريدون لصدورهم أن تعيش بلا أقفاص ولا حواجز، إن أرادواركبوا الريح والسحاب، إن أرادوا انزرعوا كالأرض والتراب، إن أرادوا أن يعيشوا كما يشاؤون،فلهم سرمدية الأحلام والأيام.
يبحثون في أيامهم عن حقهم بشفق الصبح بدون دماء، يريدونأن يحملوا شهداءهم بهدوء، يريدون الصلاة عليهم بخشوع الروح ويقرأون عليهم سلامالموتى لا أن يركضوا إلى المقابر في سباق الموت مع قذيفة أخرى وموت جديد.
يريدون للصغار أن يذهبوا إلى المدرسة ليرسموا شمسا فاقعةوبيتا يتظلل بالسكينة، لا أن ينسى الصغار الشمس ويبقى من الحلم ظلال الخيمة،يريدون للصغار أن يكبروا على مهل بدون أن يسرق الرصاص منهم الطفولة فيصيروا رجالاًقبل أن يبلغوا الحلم.
تريد النساء أن يكنسن غبار البيت ويمسحن زجاج البيوت كيتصبح السماء اكثر زرقة، لا أن يصير البيت هو الغبار، والسماء هي العراء، وانكسارالزجاج هو الوجع.
بالخبز المعمر بحب الأمهات وجوع الصغار يحلمون، فهل كثيرعليهم أن يطارد صغارهم الفراش والحمام؟
يريدون من التراب أن يحمل بذور حياة الزنبق والنرجسوالندى، يريدونه ألا يكون سوى تراب كالتراب، اكتمال للدرب نحو الحقل، نحو البيت،نحو البحر، نحو المدرسة والكتاب، نحو الآتي، لا يريدونه حفنة من الضوء تنتثر حفنةوراء حفنة على تلة البلاد والشهداء.
هل كثير على هذا العذاب أن يأخذ استراحة من هذه البلادويرحل، ليترك الصغار كي يراقبوا الغيم حين يركب ظهر الغيم بدون طائرات تعج بالموتالمحمول بين جنباتها؟
يريدون من البحر موجة محملة بالسفن والسمك والصدف والمدىالأزرق والشباك والأغنيات، يريدون من البحر اكتمال الحياة في الحياة.
في زمن المعايير المتأرجحة، والموازين المختلة، وحقوقالإنسان التي لا تشبه شيئا سوى النفاق، يتواطأ العالم ويزرع الاحتلال الموت فيالزوايا، في الطرقات، في حضن الأمهات، ودموع الأخوة، وعيون الآباء، ويطلب فوقالطاولات المستديرة عندما يجف الرصاص ان تتعايش مع هذا الموت ولا تموت!؟ يفاوضونكعلى موت لا يشبه سوى الموت، وعلى حياة ليست سوى قشرة لموت قادم!
في القرن الواحد والعشرين، في زمن السباق نحو رفاهيةالإنسانية، ما معنى أن يفاوض شعب على حقه في أن يتنفس الهواء، على حقه في أن يشربالماء، على حقه في أن يسير على قدميه بلا عكاز ولا كرسي متحرك، لا أن يطلب أنيطير؟! ما معنى أن يفاوض شعب على حق أطفاله بالحليب، وأقلام التلوين، وكراسةالرسم، وأن يتخيل رائحة الياسمين؟! على حقه أن يسافر متتبعاً حلماً على جناح فكرة،ووعودا بغد مشبع بالحب والحنين.. ما معنى أن يفاوض شعب على أن يمتلك أبجدية الحياةوهو من اخترعها، أن يعيش البديهيات في زمن اللامعقول! ما معنى أن تكون الدماءثمناً للهواء، ما معنى أن تهرول نحو الموت كي يعيش الصغار ثم تغتالهم قذيفةوطيار.. ما معنى هذا الموت سوى الحكم على شعب بالموت حتى الموت.
كيف لهذا العالم أن يتحمل كل هذا الوجع ويصمت.. كيف لهأن يراقب وجع طفلة سحبت أصابعها المرتجفة من الأنفاس الأخيرة لأمها، ومن بقايابسمة تجمدت فوق شفتي أخيها ووقفت عارية إلا من خوفها وغبار الدار.. كيف لهذاالعالم ان يُسكت الصرخات المبحوحة على طفل طمأننا أننا بخير ولم يمهله الموت دقائقحتى نرد التحية!
غزة هي تجلي الشجاعة في امتلاك الحلم، والبطولة فيالدفاع عن الحياة، وهي انفجار الأحلام حين حاول العالم قتلها، فلماذا يستكثرالعالم عليها الحياة؟ في غزة يكبر الجرح ليلم جراحنا من كفر قاسم الى دير ياسينوصولاً الى خزاعة والشجاعية ورفح ليرشدنا إلى أن الألم واحد والأمل واحد والرايةيجب أن تكون واحدة كما فلسطين هي واحدة.
٭ كاتبة فلسطينية
صحيفة القدس العربي اللندنية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...