الثلاثاء 13/مايو/2025

أطفال غزة والقانون الدولي الإنساني

أطفال غزة والقانون الدولي الإنساني

انشغلتالأوساط الإنسانية في مطلع شهر يوليو/ تموز بمأساة الفتى الفلسطيني محمد خضير الذيأحرقه المستوطنون وهو حي، حتى الموت. كان ذلك مشهداً مُرعباً يرمُز إلى وحشيةٍتُشكل قاعدة ترتكزُ عليها ثقافة القتل عند قادة “إسرائيل”.

صورةخُضير كانت بداية لمُسلسلٍ دموي رسمته آلة الدمار “الإسرائيلية” في غزة،فاق كل تصور، وتجاوز في وحشيته كل حدود. ولعل مشهد بيار كراينبول المفوض العاملوكالة غوث اللاجئين “الأونروا” وهو يبكي أمام جلسة مجلس الأمن، كانتأصدق تعبير عن المأساة الإنسانية التي تعيشها غزة.

لميَكُن كراينبول ليتصور أن الإجرام يُمكن أن يصل إلى هذه الحدود.. جثثُ الأطفالمجبولةٌ مع حجارة الخفان والأسمنت المُكسر، وألعاب الأطفال مُحتجزة بين بقاياحيطان المدارس التي رُسمت عليها أزهار الزنبق والياسمين، وعلبُ الحليب والأدوية مبعثرةحول الركام، شدتها غازات القنابل الفراغية بعيدةً عن متناول أيادي الأطفال الشهداءالمُشلعة.

مايقارب العشرة آلاف بين شهيدٍ وجريح، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، طالتأجسادهم شظايا الموت “الإسرائيلية”، أو ألقت بأجسادهم بين ركام الدمارالرهيب الذي أصاب أماكن الإقامة الآمنة في بيت لاهيا وحي الشجاعية والشاطئ، وفينواحي غزة المُختلفة.

وفيمخيم جباليا كان المشهدُ أكثر إيلاماً، ولا يمكن أن يوصف بكلمات. طائرات العدوتُغير على مدرسة وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، فتحول أطفالها والنساء إلىأشلاء. والأمين العام بان كي مون اعترف أن الأمم المتحدة كانت قد أخطرت السلطات”الإسرائيلية” أكثر من مرة، أن المدرسة تُستخدم كملجأ للأطفال والنساءالعُزل، فكانت الفجيعة عندما اختلطت دماء الأطفال والنساء مع دماء العاملين معوكالة الغوث، في جريمة دولية موصوفة، جمعت ضحايا مدنيين، وضحايا من طاقم الأممالمتحدة في آنٍ واحد.

تجاوُزالفظاعات التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة لكل الحدود، دفع بالأطباء -الشهود الأكثر التصاقاً بالمأساة – إلى امتهان مهامٍ جديدة، وتحول قسمٌ منهم منجراحين ومعالجين ومُنقذي أرواح المُصابين إلى قانونيين ومحامين يستعدون لطرق أبوابالمحاكم، بهدف سوق المُجرمين إلى أقفاص العدالة.

ذلككان موقف الطبيب الفرنسي الجراح كريستوف ابرلين، الذي جمع ملفاً عن الجرائمالإنسانية التي شاهدها في غزة، وحصل على تفويض من السلطات الفلسطينية المُختصة،وتعهد بمتابعة القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، كون ما حصل جرائم ضدالإنسانية جمعاء، ولا يجوز أن يمر من دون عقاب الفاعلين، واللذين يقفون وراءهم.وقد تجند لمساعدته أمام محكمة لاهاي أكثر من 130 أستاذاً متخصصاً في القانونالدولي الإنساني، وفي القانون الجنائي الدولي.

كيفيتعامل القانون الدولي الإنساني مع المدنيين أثناء فترة الحروب، وتحت الاحتلال؟وما هي القواعد التي تُلزم المُتقاتلين، وقوات الاحتلال حماية الأطفال؟

اتفاقياتجنيف التي أبرمتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في العام 1949، عالجتالانتهاكات التي تقع ضد المراكز الصحية والدينية والتربوية، ومنعت التعرض للسلامةالجسدية للأسرى والمرضى والغرقى، وتطرقت بالتفصيل إلى الممارسات الممنوعة أثناءفترة الحروب، لاسيما استخدام الأسلحة المُحرمة وضرب أماكن تواجد المدنيين، وصنفتالاتفاقيات أي انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني على أنه جريمة دولية.والجريمة الدولية تعني بالفقه الجنائي أنها جريمتان في آنٍ واحد. جريمة بحقالمُتضررين، وجريمة بحق المُجتمع الدولي الذي لايقبل بمشهدية الفظائع أثناءالحروب، أياً كانت.

اتفاقيةجنيف الرابعة الموقعة في 12 أغسطس/ آب 1949، خُصِصَت لحماية المدنيين أثناء فترةالنزاعات المًسلحة، والواقعين تحت الاحتلال، وأفردت عدة فقرات حول واجبات قواتالاحتلال تجاه المدنيين، من الحماية الجسدية إلى تأمين وسائل العيش والعنايةالصحية إلى منع كل أشكال الترهيب ضدهم.

والمادة15 من الاتفاقية ألزمت قوات الاحتلال تحييد المدنيين عن ساحات القتال. وفرضتالمادة 24 من الاتفاقية ذاتها على المُحتل رعاية الأطفال دون سن ال15 وايوائهمبمأمن عن أي تأثيرات حربية. كما أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الموقعة فيالعام 1990 أوصت باحترام قواعد القانون الإنساني، لاسيما كل ما ورد في اتفاقياتجنيف في ما يتعلق بالأطفال.

السلطةالفلسطينية الممثلة للدولة التي حصلت على العضوية في الأمم المُتحدة في تشرينالثاني/ نوفمبر 2012، صادقت على اتفاقية جنيف الرابعة بتاريخ 2/4/2014، وأصبحتعضواً كاملاً فيها. ذلك بالتأكيد يسمح لها بمقاضاة مجرمي الحرب”الإسرائيليين” امام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي. فهليقبل المجتمع الدولي المُنحاز إلى جانب “إسرائيل” بمحاكمة المُجرمين،وبالتالي يحمي أطفال فلسطين العُزل من التوحُش “الإسرائيلي”؟

صحيفةالخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات