السيسي والسقوط في اختبار غزة

في كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، تتجه أنظار الفلسطينيينصوب أمتهم العربية والإسلامية عامة، ونحو مصر بشكل أخص، ليس لأنها بلد عربي مركزي ومؤثرفحسب، بل لأنها أيضاً البلد العربي الوحيد الذي يجاور قطاع غزة مباشرة، ويوفر له الطريقنحو العالم الخارجي في ظل الطوق المحيط بالقطاع من الجانب الآخر.
لكن السؤال المطروح الآن، أين مصر الرسمية من العدوان الأخيرعلى القطاع؟ وهل ينتظر الفلسطينيون من مصر العظيمة دور الوسيط أم دور الشقيق؟
جزء من المشكلة
دون أدنى شك، يلعب موقف القيادة المصرية الرسمية -أي قيادة-دوراً مهما في تطورات الأحداث في قطاع غزة، وفي عموم الساحة الإقليمية، وما يتعلق منهابالصراع مع الاحتلال “الإسرائيلي”، وحتى بمسارات العملية السياسية التفاوضيةبين الطرفين الرسمي الفلسطيني و”الإسرائيلي”، وهي العملية المُحتضرة أو الغائبةفي سبات عميق بأحسن الأحوال.
ففي التعامل مع الحرب الدائرة على قطاع غزة والشعب الفلسطيني،لا يُجادل أحد في دور مصر الكبير والمُفترض وعلى كل مستوياته، لكن الطامة الكبرى أنمصر الرسمية أصبحت جزءا من المشكلة، بدل أن تكون عامل إسناد سياسي ومعنوي على الأقلبالنسبة للفلسطينيين.
النظام المصري ومنذ عهد الرئيس أنور السادات، وتحديدا منذاتفاقية كامب ديفد الموقعة عام 1978، أحدثَ تراجعات مستمرة في السياسة الخارجية المصريةحيال الموضوع الفلسطيني، لتصبح العلاقة الجغرافية هي الخيط الوحيد الذي يربط مصر الرسميةبالقضية الفلسطينية.
كما بات يلعب عملياً دور “الوسيط غير المحايد”في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خصوصاً في الجانب المتعلق بقطاع غزة وحياة الناسومعبر رفح الوحيد المفتوح نحو العالم الخارجي.
وربما يصح القول بأن دور الطرف الرسمي المصري -ومن حينها-كان وما زال دور الرسول وناقل الرسائل الشفهية، وناقل رسائل التهديد والوعيد”الإسرائيلية” إلى الفلسطينيين، وعامل ضغط عليهم، من أجل تمرير ما يَعتقدبأنه الأفضل لهم. هذا الموقع اختاره الرئيس الأسبق أنور السادات من لحظات توقيعه معاهدةكامب ديفد، وهو موقع كان وما زال موقعاً مؤذياً للفلسطينيين ولجهودهم الوطنية في سياقكفاحهم الوطني ضد الاحتلال “الإسرائيلي”.
الحصار القاسي
المؤسف هنا، أن حصار قطاع غزة بات في عهد الرئيس عبد الفتاحالسيسي يختلف حتى عن عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من حيث قسوته وصرامته، إذ لا يقفعند حدود إغلاق معبر رفح -المعبر الوحيد لقطاع غزة نحو العالم الخارجي- أو تدمير الأنفاق،بل تعداهما باتجاه العداء السياسي للعديد من القوى الفلسطينية كحركتي حماس والجهادالإسلامي، وحتى لبعض القوى اليسارية التي باتت علاقاتها الرسمية مع القاهرة تعتريهاحالة من الفتور والبرودة، فضلا عن اعتباره حركة حماس حركة إرهابية، وهو أمر معيب ومُخجلبكل المقاييس، ولا يقبله عقل ولا منطق.
وهنا، سقط نظام السيسي في امتحان غزة الأخير، من خلال استمرارهعلى الوتيرة والنغمة ذاتها. كما أخطأ في مواقفه الأخيرة من العدوان “الإسرائيلي”على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، حين نأى بنفسه عن مناصرة المقاومة، تارة باسم الإرثالذي تحمله مصر نتيجة المعاهدة مع “إسرائيل”، وتارة باسم حسابات المصلحةالتي يجهلها الفلسطينيون.
ففي العدوان البربري الأخير الذي تَكَشّفت به حدود الهمجيةالصهيونية من قتل وتدمير شامل ممنهج لم تصل إليه النازية في صعودها، كان الصوت الرسميالمصري -وما زال- ينتظر حصاد الدمار ولا يرى حصاداً غيره، ليقول للفلسطينيين: ألم نقللكم؟ ألم نحذركم من طريق المقاومة المسلحة؟
تصدير أزمة
كما انطلق نظام السيسي -للأسف- في مواقفه من العدوان الحاليعلى قطاع غزة، من حالة العداء الشديد لحركة حماس، ومن حالة البرودة السائدة، أو حالةالفتور في أحسن الأحوال، مع عموم الفصائل الفلسطينية وليس مع حماس فقط، وهو موقف كيديله علاقة بتصدير أزمة داخلية، وبتصفية حسابات مصرية داخلية، وليس له علاقة بموقف ناضجيَضع الأولويات الحقيقية التي تضمن مصالح الفلسطينيين ومصالح مصر القومية وأمنها القومي.
لقد أخطأ نظام السيسي حين خاصم حركة حماس وألحقها بمعركتهالداخلية في مصر، وانتقل العداء لها ليصبح عاماً مع مجموع القوى الفلسطينية التي تقاتلعلى الأرض في قطاع غزة.
ولأن حماس والجهاد والجبهة الشعبية.. هي الأطراف الأساسيةفي المعادلة بغزة، فقد تخلت مصر الرسمية حتى عن دورها كوسيط مُعلن، حيث بدا أنها تقفإلى جانب طرف دون آخر، وهو ما تبدى في المبادرة التي قدمتها لوقف العدوان على القطاع.
كما أخطأ نظام السيسي حين ساعد أو تغاضى عن موجات وحملاتتزييف الوعي الإعلامية التي يقودها إعلاميون مصريون محسوبون على النظام، وخَلَقَ حالةمناهضة للمقاومة في غزة، وحالة مُتشفية بأهلها في أوساط الرأي العام المصري، وهذه الحالةالناقمة على المقاومة وأهل غزة، أو غير المبالية تجاههم، لم تكن موجودة بهذا الحجمفي عهد مبارك، وإن بقيت حالة التضامن الشعبية مع قطاع غزة ومع القضية الفلسطينية بشكلعام، موجودة ومتأصلة في الشارع المصري، وهي حالة لن يستطيع إلغاءها أي طرف أو نظامأو فرد من حياة مصر وشعبها.
لقد سمح نظام السيسي، أو غض النظر عن تصرفات مجموعات غوغائيةفي الإعلام المصري، وهي المجموعات التي نشرت عنصريتها المقيتة ضد الفلسطينيين، وأطلقتسمومها الإعلامية بشكل فج وفاضح ووقح، في موقف لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن موقفالشارع المصري ونبضه المُتقدم إلى جانب أهل غزة وعموم الشعب الفلسطيني.
لم يحسب النظام أن تلك المجموعات الغوغائية تأخذ مصر إلىالتيه، بنزعاتها الدائرة بين شرنقة الكيانية المقيتة ودعوات الفرعونية التي يغذيهاالبعض في مصر، فتتكبد فلسطين وشعبها -من لحمها ودمها- الثمن الكبير لغياب دور مصر الرسميةالمُرتجى إلى جانب فلسطين وشعبها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...