الأحد 11/مايو/2025

بطولات غزة إذ تعيد فلسطين إلى الصدارة

بطولات غزة إذ تعيد فلسطين إلى الصدارة

لم يتوقع نتنياهو في أسوأ كوابيسه أن يعيد برعونته قضيةفلسطين إلى صدارة المشهد الدولي على هذا النحو الذي تابعناه ونتابعه في طول العالموعرضه.

لا شك أنه كان يعيش أبهى عصوره وعصور كيانه، فالعربمشغولون بقضاياهم الداخلية، وزعيم الفلسطينيين يقدم خطاباً لم يتجرأ عليه أي زعيمفلسطيني في تاريخ القضية، يتنازل عن حق العودة تنازلاً شبه صريح، يعلن رفضه المطلقللمقاومة المسلحة، يسخِّف أروع مرحلة في تاريخ النضال الفلسطيني (انتفاضة الأقصى)،ويعلن أنه لا انتفاضة ثالثة وهو على قيد الحياة.

تحولت سوريا إلى ثقب أسود يستنزف جميع الأعداء في آن معاً،من إيران إلى حزب الله وتركيا وربيع العرب قبل ذلك كله، وبالطبع بوصفه التحول الذيكان يهدد سياج الحماية الذي وفّرته الأنظمة للكيان، فضلاً عن تدمير سوريا والعراق،وفوضى في المنطقة. وجاء حصوله على نظام حليف لم يسبقه مثيل في مصر ليدفعه أكثر نحوإنجاز المهمة/الحلم.

من الواضح أن نتنياهو قد استعجل قطف الثمار، ثمار مايجري، فأراد أن يركّع حماس كحركة متمردة، ومعها قوى المقاومة الأخرى، وقطاع غزةكإقليم متمرد يراكم أسباب القوة على حدود كيانه (أعني نتنياهو)، ثم يدمج بعد ذلكالساحة الفلسطينية (ضفة وقطاع) في مسار التفاوض العبثي الذي لن يعطي الشعب أكثر مندولة في حدود الجدار على حوالي 10% من مساحة فلسطين التاريخية.

استعجل في الاستيطان والتهويد، واستعجل قطاف الثمار،فبدأ هذه الحرب التي نحن بصددها، لكن العتمة لم تكن على قدر يد الحرامي أو اللص،كما يقول المثل، فجاءت النتائج عكس ما توقع.

ما ينبغي قوله ابتداء هو أن الصمود البطولي الذي سجلتهالمقاومة هو الذي أفشل المخطط قبل أي شيء آخر، فشعوب العالم تتعاطف مع الضحايا دونشك، لكنها تتعاطف أكثر بكثير مع المقاومة والبطولة والصمود، ويجب أن نشير هنا إلىأنه في العام 2002، وفي ذروة العمليات الاستشهادية في تجمعات السكان الصهاينة، جاءاستطلاع الاتحاد الأوروبي المفاجئ، والذي أثبت أن 59% من الأوروبيين يرون الكيانالصهيوني الدولة الأخطر على السلام العالمي.

في تلك الأثناء ومن أجل ترميم ما تهدم، خرج شارون بفكرةالحل الانتقالي بعيد المدى، ومن ثم الخروج من غزة من أجل تنفيس الموقف الدولي، وماساعده في ذلك في واقع الحال هو اغتياله لعرفات، ومن ثمَّ المجيء بقيادة فلسطينيةمن نمط لم تعهده القضية، فكان أن حصل على أفضل سنوات في تاريخ الكيان من حيث الأمنوالازدهار، بل إن الأزمة الاقتصادية العالمية التي أصابت العالم أجمع لم تؤثرعليه.

اليوم، يتابع الكيان الصهيوني وقادته ما يجري في طولالعالم وعرضه، ويرون بأم أعينهم كيف تسقط دعايتهم في الوحل، وكل ما يقومون به منأجل إظهار أنفسهم بمظهر المعتدى عليه يبوء بالفشل، وها هي فلسطين تستعيد بهاءها فيطول المنطقة وعرضها، وها هي جماهير الأمة التي اختلفت (نسبيا) في محطات كثيرةأثناء الربيع العربي تُجمع على دعم غزة في نضالها البطولي ضد الاحتلال.

هذا المشهد العربي والدولي يتحول كابوساً لنتنياهو والمجتمعالإسرائيلي المنقسم بدوره على العدوان على غزة، والمنقسم أيضا بشأن آلية التعاملمع القضية برمتها. وحتى لو قيل إن الدول الكبرى ما زالت تردد الكلام البائس إياهعن حق “الكيان” في الدفاع عن نفسه، فإن أحدا لا يمكنه تجاهل بعضالانقسام في الأوساط السياسية الغربية حول ما يجري بشكل عام.

بل إن التحالف العربي الداعم للكيان بقيادة مصر لم يلبثهو الآخر أن دخل مأزقاً أكبر كثيراً من مأزقه بمطاردة ربيع العرب، وهاهي أنظمتهتعيش كابوساً واضحاً بدعم شعوبها لقطاع غزة وفلسطين، ويضطر بعضها إلى إخفاء حقيقةمواقف حكامه بالسماح للناس بالتعبير عن مواقفهم، وبتقديم بعض أشكال الدعمالإنساني، وأقله السماح بتقديمه من قبل الناس.

لا شك أن تحولات الموقف العربي، ونشوء محور عربي هوالأكبر يتحالف مع الكيان الصهيوني ضد حماس وضد الإسلام السياسي، وضد ربيع العربوإرادة الشعوب، كل ذلك يمنح الكيان فرصة غير مسبوقة، لكن ذلك كله سيساهم من زاويةأخرى في عزل الأنظمة إياها من جهة، وسيجدد ربيع العرب من جهة أخرى، مما يعني أنناإزاء مكسب آني رغم أهميته واستثنائيته في تاريخ الصراع.

هكذا كانت نتيجة هذه المواجهة فضيحة للكيان وفضيحةلداعميه والمتواطئين معه من العرب، بما يضعف موقفهم الداخلي، ويزيد في عمق الإدانةالشعبية لمواقفهم، حتى من ربيع العرب، تلك التي صبّت في صالح الكيان بوضوح.

هكذا كانت غزة فاضحة وكاشفة، فضحت الاحتلال والمتعاونينمعه، وأعادت للأمة وحدتها وبهاءها، بل أشعرتها بالكثير من العزة والفخار، وهي ترىثلة من أبنائها يوجعون ألد أعدائها كما لم تفعل كل الأنظمة في تاريخ الصراع.

فسلام على من صنعوا هذه الملحمة الرائعة، لأنهم همالأبطال الذين يستحقون التحية الكبرى، وسلام على كل من وقف معهم وساندهم، ولوبكلمة.

الجزيرة نت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات