الأحد 11/مايو/2025

هذه هي غزة

هذه هي غزة

دخلت الحرب العدوانية الإبادية على غزة أسبوعها الرابع.كافة صنوف أسلحة ترسانات الموت الغربية أدلت وتدلي بدلوها في صناعة هذه المحرقةالتي يديرها الصهاينة هناك، والتي بات بنك استهدافاتها يتسع لكافة تفاصيل الحياةالغزاوية، بشرًا وشجرًا وحجرًا. لم يعد من داعٍ لملاحقة إحصائيات كم سقط ويسقطوسيسقط من شهداء غزة من الأطفال والنساء والشيوخ، وكم من البيوت هدمت على رؤوسعائلات بكاملها، لأن القوائم هنا طويلة ومتوالية الزيادة على مدار اللحظة بحيث باتيصعب اللهاث خلف آخر أرقامها. فعل البرابرة الغزاة كل ما بوسعهم.

تفننوا على راحتهم في كيفية إفراغ تليد أحقادهمالمعتَّقة، وتحويل هذا المعتقل الكبير العنيد المشاكس إلى كومة من دمار ورماد،وهذه البقعة المقاومة المستفرد بها إلى بحيرة من الدم المراق المستباح. وإذ لا مايدعو للهاث خلف ما تترى على مدار الساعة، بل دقائقها، من قوائم آلاف الضحاياوالمستهدف بالتدمير الممنهج، فلا ما يدعو أيضًا لمزيد من الشرح أو التوثيق، ذلكلأن المشهد المتوحش باتت فظاعاته تطوف، بالصوت والصورة، أربع جهات الكون دالفةً،عبر وسائل الإعلام، إلى كافة بيوت المعمورة من دون استئذان، ورغم تعاظم مظاهرالتعاطف الشعبي غير المسبوقة في العالم مع ضحاياه، إلا أنه ومع الوقت ربما بات هذاالمشهد لكثرة من ساكنيه حدثًا معتادًا، وحتى مملًّا، وأقله مزعجًا، أو غير المرحببمتابعته، أو من المريح أن تتم الإشاحة عنه.

…لكن للمشهد الغزِّي وجهًا آخر، شهده ويشهده وسيشهده كلهذا العالم، راضيًا كان أم مكرهًا، وبات من الآن، راغبًا أم مجبرًا، الشاهد عليه،وهو أن هذه البقعة الصغيرة جدًّا، وحتى المجهرية بالنسبة لترامي هذا الوطن العربيالكبير الغاط في غيبوبته غير القابلة للإعراب، تسطِّر الآن بدمها المراق أرقىإعجازاتها النضالية، ويحفر صمودها الأسطوري في جدران القهر أجل وأسمى معانيالتضحيات التي عرفتها البشرية، وتذهل مفاجآتها وجديد أشكال ابتكارات مقاومتهاالبطولية عدوها قبل سواه، مسجلةً في مثل راهن المنعطف المصيري بالنسبة لأمةبكاملها ونيابة عنها صفحة جديدة في معادلات قائم صراعها التناحري المديدمع جبهةأعدائها، والذي لا من عنوان له في قاموس العرب الفلسطينيين، والفلسطينيين العرب،بالأمس واليوم وغدًا، إلا: إما فلسطين أو فلسطين… والأهم هو أن هذ المشهد بوجهيههو كافٍ لجلاء بعض ما عششت من أوهام تسووية، وإسقاط ما تهافتت من رهانات متواطئةعلى أريحية أعداء الأمة، وفضح ما كان المستور من ضروب الانحطاط الرسمي العربي… ومعدخان المحارق وإعجازات الدم المقاوم في غزة، تكشَّف ما لا يمكن تجاهله من الحقائق،ومنها:

أولًا: إن كل ما جلبته الغزوة الاستعمارية الصهيونيةمعها وحشدته من بشر في كيانها الغاصب في فلسطين، بطبيعته الاستعمارية الاستيطانيةالإحلالية، هم مستعمرون، وكلهم جيش، وبالتالي كلهم صهاينة، ومن شذ عن هذه القاعدةفهو مجهري وهامشي وبلا لون أو وزن أو تأثير، وموضوعيًّا، ديكوري يوظَّف في محاولاتتمويه قبح مجمَّع لقتلة في ثكنة للموت… بدا هذا جليًّا لمن كان يجهله في العالم فيالأيام الأولى من أسابيع غزة الدموية، وعبَّر عنه واحد منهم هو يؤاف ليمور الكاتبفي صحيفة “إسرائيل اليوم”، الذي كتب يقول:”إسرائيل عادت هذاالأسبوع إلى السبعينيات: كل الشعب جيش. آباء يستدعون للاحتياط، أطفال يجهدونلإعداد رزم للجنود في الجبهة، جنرالات عُدوا أبطال الساعة، الجمهور معهم بأغلبيتهالساحقة، إن هذه ليست معركة على غزة وإنما معركة على إسرائيل، ويتصرف على هذاالأساس: دعم الجيش بلغ السماء”… أجمعت كافة استطلاعات الرأي الأخيرة لديهمبأن أكثر من 80% منهم هم مع استمرارية الحرب على غزة، وإذا ما احتسبنا أن العشرينفي المئة المتبقية إنما هي نسبة الفلسطينيين المتبقين في هذا الكيان الغاصب بعدالنكبة، فهذا يعني أنهم جميعًا مع هذه المحرقة التي يديرونها في غزة، وإن المراهنةعلى قليل الأصوات التي بدأت ترتفع منتقدةً أداء إدارة الحرب هي من السخف بمكان،لأن هذه الأصوات ما ارتفعت، ولسوف تزداد وتزداد ارتفاعا”، إلا نتيجة لفشلكافة استهدافاتهم المعلنة، فلا الأنفاق دُمِّرت، ولا الصواريخ توقفت، ولا غزةاستسلمت، وإنما تتزايد أعداد التوابيت العائدة بجثث جنودهم.

ثانيًا: ورغم الإعلان عن التوصل إلى هدنة الـ72 ساعةالإنسانية مؤخرًا، والتي بالنظر إلى مصير ما سبقها، وبالنسبة لطرفيها، ليست أكثرمن استراحة محارب، فإن كافة المبادرات والوساطات التي طرحت أو ستطرح لإيقاف الحربتحركها أساسًا حاجة هذا العدو لإنجاز ما فشلت في إنجازه آلة حربه الهائجة، ويظلالهدف الأساس منها هو الالتفاف على منجزات الدم الفلسطيني الغزِّي، ذلك لأنها لهامايسترو واحد هو الولايات المتحدة وغربها، أو العدو الأول للأمة العربية، ويكفي أنالبنتاغون يفتح الآن مستودعات احتياطي أسلحته في الكيان لتعويض المعتدين مااستنفدوه من ذخائر خلال محرقتهم في غزة، وإن ستة آلاف من حملة الجنسيات الأوروبيةيقاتلون الآن في جيشهم على جبهتها…

ثالثًا: إنها ليست سوى واحدة من حروبهم الدورية على غزة،وليست سوى حلقة من حلقات استهداف تصفية القضية الفلسطينية إياها، هذه التي بدأتبضرب مرتكزات نهوض الأمة وروافع قيامتها، بدأ بإخراج مصر من الصراع العربي ـالصهيوني، ثم تدمير العراق، وتمزيق ليبيا، وجارٍ الحرب التآمرية المستمرة علىسوريا، إلى جانب نفث سموم الطائفية البغيضة في جسد هذه الأمة بغية إعادة تجزئةالمجزأ منها…. لكنما، هذه هي غزة، التي لن تستسلم، والتي تعيد براهن ملحمتهاالبطولية الجارية مديد هذا الصراع التناحري مع عدوها إلى سابق أساسياته، كل الشعبمع المقاومة، والمقاومون هم كل الشعب، ومعهما كل الأمة، هذه التي لم تعد أنظمتهاتمثلها…

كاتب فلسطيني

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات