السبت 10/مايو/2025

ربيع الإسلام والسلام يبدأ من غزة

ربيع الإسلام والسلام يبدأ من غزة

أوحت إلي الحرب المسعورة التي تشنها “إسرائيل”على المدنيين والأطفال والأبرياء في قطاع غزة جملة من الخواطر وظلت تجول بفكريحقيقة تاريخية وهي أن ملوك العرب في حرب 1948 كانوا يرسلون المتطوعين والسلاح إلىفلسطين أما جمهوريات اليوم فإما ترسل الدواء والبطاطين والخيام وإما تكتفيبالبيانات (المنددة!) أو تدعو لاجتماع الجامعة العربية أو مجلس الأمن! سبحان مغيرالعرب من جيل الفداء إلى جيل العزاء!

وتذكرت أن الله سبحانه خلق الفصول الأربعة لتتعاقب منأجل رزق المخلوقات، فالخريف يمهد الأرض للزرع ويسمح بالحرث ويبعث الريح فيه لقاحاًويعقبه الشتاء فيهطل مطر مدرار ينعش الزرع ويخرج السنابل حبلى بالقمح والشعيروالرز ثم يأتي الربيع ليكون الخير باعث أمل ورخاء ويعتني المزارع بأرضه سقياًوعلاجاً وتشذيباً إلى أن يحل الصيف وهو موسم الحصاد مرفوقاً بحمد الله وشكره علىنعمائه… وتلك الأيام نداولها بين الناس.

ولا تختلف الحياة السياسية عن فصول العام فيرى المؤمنفيها ما سماه سبحانه التدافع، لأن الله خلق الشعوب والقبائل وألهم نفوس الناسفجورها وتقواها وجعل دورات القرى، أي الحضارات مثل دورات الفصول فانظر من حولك شعبفلسطين وهو اليوم يمر بمحنة أخرى تحت قنابل الصهاينة في غزة البطلة لتدرك أنه عاشخريف التهجير والشتات سنة 1947 بإرادة جائرة من دول أوروبية سبق أن ذبحت اليهودوأبادتهم وأراد حكامها بعد دحر النازية أن يكفروا عن ذنوب أوروبا المسيحية فأعطواما لا يملكون لمن لا يستحقون وأنشأ الغرب المسيحي كياناً عبرياً مزروعاً في جسدإسلامي ومسيحي قديم لم يتنكر يوماً للطائفة اليهودية ولم يضطهدها، بل حماها كماوقع في التاريخ مرتين، الأولى حين لوحق اليهود والمسلمون معاً في الأندلس على أيدينفس المسيحيين المتطرفين وأحرقوا في محاكم التفتيش والثانية حين أبيد اليهود علىأيدي هتلر النازي فوجد الناجون من اليهود خلال المحنتين ملجأهم الأمين لدىالمسلمين.

كان شتاء أبناء فلسطين قاسيا سنة 1947 و1948 حين حل شعبدخيل مكان شعب أصيل وأتذكر شخصياً أنني حين انتخبت رئيساً لإحدى جلسات المؤتمرالدولي للاتحاد العالمي للبرلمانات في خريف 1982 (نفس خريف العدوان على بيروتوإخراج المناضلين الفلسطينيين منها نحو قبرص ثم نحو تونس) وكان مؤتمرنا منعقداًبمقر البرلمان الإيطالي بروما وكانت الجلسة مخصصة بإلحاح البرلمانيين العرب للنظرفي شؤون الشرق الأوسط ألقيت خطاباً في كل الوفود المشاركة ومنها الوفد الإسرائيليووفد منظمة التحرير بصفة ملاحظ ووفود بريطانيا والولايات المتحدة والدول الأوروبيةوكنت من قبل خطابي توجهت إلى سكرتيرة المؤتمر وأخذت منها السير الذاتية للوفدينالإسرائيلي والفلسطيني (ومن بينهم المناضل خالد الحسن رحمة الله عليه) وبدأت خطابيبالقول للبرلمانيين الحاضرين: “نريدكم أن تفهموا سر الصراع الفلسطينيالإسرائيلي ولكي تفهموا هذا السر سأقول لكم أين ولد أعضاء الوفد الإسرائيلي؟ شالومولد في بروكلين وحاييم ولد في فيانا وديفد ولد في اليمن وإيزاك ولد في ميلانو…كما سأقول لكم أين ولد أعضاء الوفد الفلسطيني، فخالد ولد في حيفا وكمال في الناصرةوناصر في القدس وجمال في نابلس… هذه حقيقة مأساة فلسطين، يهود قادمون من مدنالعالم لا علاقة لهم بفلسطين، وفلسطينيون من أرحام أرض فلسطين ولدوا فيها ونشأوابين زيتونها وكرومها وهجروا منها، فهم اليوم في تونس وعمان وبيروت وباريس ونيويوركسيرجعون بعد المؤتمر إلى مهاجرهم، بينما اليهود الذين جاءوا من أصقاع الأرضواغتصبوا فلسطين سيعودون بعد مؤتمرنا إلى فلسطين. وأقسم لكم اليوم أيها القراءالأعزاء بعد مرور أكثر من ثلث قرن على هذا الخطاب الذي ألهمنيه الله سبحانه لاأزال أتذكر باعتزاز كيف صفق لي وقوفاً جل أعضاء الوفد الأمريكي والألماني والفرنسيوكيف صرخ الإسرائيليون غضباً وتنديداً. وأعتقد مع طول التجربة وكثرة التعايش معالأحداث أن السبب بسيط وهو أن المنطق العقلاني والرؤية التاريخية يستطيعان التأثيرعلى رأي عام عالمي مغشوش عوض استعمال لغة العواطف والحماس والحمية. لذلك آليت فيكل مواقفي السياسية والتعبير عن أفكاري ألا أعتمد إلا على العقل والبصيرة التيأمرنا الله أن ندعو بفضلها إلى سبيله تعالى، مع اعتماد قوة الحجة التاريخية وبرهانالحق الساطع. ولهذا السبب أشد على أيدي المناضل خالد مشعل رئيس المكتب السياسيلحماس على تغيير لغة الخطاب المتوجه للرأي العام الغربي والذي بثته بالمباشرالقناة الرسمية الفرنسية فرانس 24 يوم الأربعاء 23 يوليو وهي قناة الحكومةالفرنسية، فقد قال خالد بأن حماس لم تستهدف سوى جنود العدو المهاجمين، بينما يقتلالصهاينة مئات الأطفال والنساء والشيوخ ويقصفون المستشفيات وبيوت الله وهو ما سماهمشعل (الانتصار الأخلاقي على جيش تساحال) وهو أيضاً ما دعا السيدة (نافي بيلاي)رئيسة مفوضية حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وفي نفس يوم الأربعاء إلىالتصريح بقوة ومن على منبر الأمم المتحدة بأن “إسرائيل” ترتكب جرائم حربفي العدوان المستمر على المدنيين في قطاع غزة. لعل بعض قرائي الأفاضل يردون عليّقائلين: وماذا يفيد غزة من هذه التصريحات ما دامت “إسرائيل” لا تقيموزناً لا للأمم المتحدة ولا بالطبع لخطب العرب ولا تعتمد سوى على منطق القوةوالتفوق منذ… سبعين عاماً؟ هذا صحيح ولكن المقاومة الفلسطينية وخاصة التي اعتمدتعلى قوة العقيدة نجحت في قلب الموازين التقليدية القديمة والعقيمة أولاً بالاعتباروالبصيرة وقراءة أخطاء الماضي في الحراك العسكري والدبلوماسي وثانياً بتطويرتقنيات السلاح الرادع ويكفي أن نذكر فقط إيقاف شركات الطيران الأوروبية والآسيويةوحتى الأمريكية رحلاتها إلى مطارات “إسرائيل” وما ينجر عن ذلك من خسائراقتصادية ومالية وسياسية وأمنية ل”إسرائيل” وهو ما حرك لوبيات إسرائيليةلتعود بمراجعة مواقفها، لا محبة في الفلسطينيين، بل خوفاً على “إسرائيل”،قناعة من هذه اللوبيات بأن سياسات التهور ورفض حل الدولتين لو يتواصل ستصبح دولة “إسرائيل”عبئاً ثقيلاً على الإدارة الأمريكية الحاضنة لهذه الدولة والضامنة لبقائها وتفوقهاولعلمكم يا قارئي العربي، فإن آلاف اليهود شاركوا في مدن أوروبية وأمريكية فيمظاهرات التنديد بالقمع والقتل ومخططات الإبادة الممنهجة التي، كما يقول هؤلاءاليهود، تشكل وصمة عار على جبين الدين اليهودي وتشكل الخطر القادم على أمن الدولةالعبرية وعلى السلام العالمي.

صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات