السبت 10/مايو/2025

الإسرائيليون وجدل الحرب الملعونة

الإسرائيليون وجدل الحرب الملعونة

أظهرت محصلة عدد من استطلاعات الرأي أن حملة حكومة رئيسالوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورهطه على غزة ، لا تحظى سوى بتأييد 57% من سوادالإسرائيليين. هذه نسبة منخفضة تنفي وجود أغلبية كبيرة أو إجماع إسرائيلي وراءالعدوان الذي سموه هناك عملية «الجرف الصامد»، وتشير إلى أن هذا الجرف ليس مدعوماًشعبياً بما يكفي للادعاء باحتمال صموده طويلاً.

يمكن تعليل الانقسام الشعبي الإسرائيلي حول هذه الحملةالعدوانية بغموضها من حيث الأهداف، وفشل النخبة الإسرائيلية الحاكمة في إجراءاتالتعبئة والحشد والتبرير اللازمة لإقناع الرأي العام بها. ويبدو أن الإسرائيليينلم يتزحزحوا عن موقفهم المتلعثم تجاه الهجوم المباغت على غزة، حتى بعد أن لفقنتنياهو هدفاً حسبه مغرياً لجمهوره مفاده «إعادة الهدوء إلى المدن والبلداتالإسرائيلية لفترة طويلة، وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للإرهاب». ومن دواعيالسخرية في هذا الإطار، أن نتنياهو لم يلحظ ما كانت عليه مدنه وبلداته من هدوءودعة، قبل أن يسهم هو ورهطه من المتنمرين في الزج بها تحت نيران مقاومة باسلةشديدة البأس.

ليس أدل على حالة الشد والجذب في الجبهة الداخليةالإسرائيلية من تعرض نتنياهو وحكومته للهجوم والتقريع من الاتجاهات والقوىالسياسية كافة، سواء في ذلك تلك الموصوفة باليمينية أو المصنفة تحت عناوين وشعاراتيسارية. وهناك مؤشر آخر، مفاده التردد مطولاً في اتخاذ قرار الاقتحام البري للمدنالغزية.

تعد وضعية الارتباك هذه ضارة جداً على الصعيد المجتمعيبرمته، حين تجري أثناء المعركة.. فالأصل في التقاليد الإسرائيلية، وغيرالإسرائيلية، أنه حين يندلع القتال فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. لكن ما حدث بينيدي هذه الجولة العدوانية هو أن أصواتاً إسرائيلية كثيرة راحت تنحو باللائمة علىمن شنوا حرباً لا يعرفون لها هدفاً مستقراً، ولا يستطيعون ضبط إيقاعها وردودأفعالها، ولا حتى توقع مستوى مقاومة »العدو« وصلابة إرادته خلالها. وفي هذا السياقكتب يوئيل ماركوس (هآرتس 18/7/2014) أن الأيام التي تباهت فيها “إسرائيل”بالانتصار على سبعة جيوش عربية قد انتهت، «فنحن لدينا صواريخ عابرة للقارات،ولكنها لا تحمينا من صواريخ غزة البدائية».

علينا أن نعترف بأن بعض الإسرائيليين يملكون بصيرة زرقاءاليمامة. ماركوس أحد هؤلاء، فهو يعتقد بأن قوة “إسرائيل” الجبارة التيتستخدمها ضد الفلسطينيين في غزة وغيرها هي التي تولد «الإرهابيين» لاحقاً،فالأطفال الذين يرون بيوتهم مهدمة اليوم «سيكبرون، وسيكون منهم مخربو المستقبل».بفعل هذا التشوف، المنطقي في حقيقة الأمر، ينادي بعض الإسرائيليين بصوت عالباستغلال الميول والتوجهات السلمية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتعزيز جانبهبتقديم «تنازلات» لصالحه. ميزة هذه الأصوات أنها تزعق في وجه زمرة الحربجيةالإسرائيليين بزعامة الثالوث الدموي المنكود؛ رئيس الوزراء ووزيري الدفاعوالخارجية، وتشي بأسلوب لم يغامر الإسرائيليون بسلوكه كثيراً أثناء حروبهم عليالعرب. نحن أمام مشهد يذكرنا مع الفارق النسبي، بالذين غضبوا على مناحم بيجينوأرييل شارون أيام غزو لبنان في صيف 1982.

لا يتحرك أصحاب هذا الاتجاه الناقد لقرار الحرب المفاجئعلى غزة عن نوازع طهرية إنسانية أو عن قناعة بالحقوق الفلسطينية، أو عن رغبة فيالانصياع لإرادة الشرعية الدولية.. إنهم أولاً وأخيراً صهاينة أقحاح؛ لكنهم أكثرنضجاً من أن تخدعهم ذكريات الأيام الخالية، حين كانت “إسرائيل” تستحوذعلي مصادر القوة التي تمكنها من هزيمة سبعة جيوش عربية بسهولة، على نحو ما يشيرالصحافي ماركوس بشيء من التندر والسخرية. ومنهم من يستحث نتنياهو على مخاصمةشياطين معسكر اليمين المتعصب وغلاة المستوطنين، وذلك من باب الحرص على مستقبلهالسياسي لأن «هؤلاء سيكونون أول من يقف على دمائه السياسية، حين تزهق أرواحمقاتلين شبان لا ينبغي أبداً المخاطرة بحياتهم لأجل هدف غير محدد».

بالتوازي والتزامن مع هدير آلة الحرب الإسرائيليةاللعينة، التي راحت تصب حممها بوتائر ومعدلات إجرامية غير مسبوقة على أهلناالصامدين أسطورياً في غزة، كانت الأروقة الصحافية والفكرية والسياسية الإسرائيليةمجالاً للتناظر والاصطكاك بين الرؤى والتقديرات، بشأن أيلولة هذا العدوان في الحالوالاستقبال.

ومع الزعم بأهمية المتابعة الدقيقة لمسارات هذا النقاشومداراته، فمن الأهمية بمكان كبير أيضا ألا يغالي أحد في استشراف تأثيرات إيجابيةعاجلة لرافضي هذا العدوان المسعور. ذلك لأن قرارات الحرب والسلام في “إسرائيل”الدولة ما زالت بيد أهل الحل والعقد من الصهاينة؛ الذين ما زالوا مأخوذين بعنجهيةالقوة، ويرون الحاضر بعيون الماضي، رغم المسافة الشاسعة بين الزمنين على ما نسمعونرى إسرائيلياً وفلسطينياً.

صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات