الثلاثاء 13/مايو/2025

شركاء في الكيد والهلوسة

شركاء في الكيد والهلوسة

حتى بعض المحترمين من الإعلاميين المصريين لم يتخلصوا منالغل والكيد لحماس رغم الصراع الشرس الذي تخوضه الآن في غزة. وهم في ذلك أبدوااستعداداً مدهشاً لتبنى المزاعم الإسرائيلية وترديدها. وبدا واضحاً أن آذانهم أكثراستعداداً للتجاوب مع نتنياهو منها لاستقبال ما يقوله المتحدثون باسم الحركة فيغزة. كنت قد أشرت إلى ذلك في مقام سابق، إلا أن ما حدث خلال الأسبوع الأخير سلطمزيداً من الضوء على تلك المفارقة المحزنة. وتلك قصة تستحق أن تروى.

ما دعاني للعودة إلى الموضوع أن القناة الألمانيةالثانية «زد. دي. إف» بثت يوم الاثنين الماضي 21/7 حلقة في برنامج «المجلةالدولية» ــ أوسلاندر جورنال ــ كان موضوعها قصة المستوطنين الإسرائيليين الثلاثةالذين اختطفوا وقتلوا في شهر يونيو الماضي. أعد الحلقة صحفي محقق اسمه كريستيانسيجرس. ولأجل ذلك سافر الرجل إلى “إسرائيل” وتتبع خيوط الحدث وملابساته،وعاد من هناك بتقرير موثق أثبت فيه أن الجريمة لم تكن سياسية. وقد أقدم عليها أحدالأشخاص لأسباب مادية بحتة. ولكن جهاز الأمن الداخلي شين بيت ما أن علم بأمرها منجهاز الشرطة حتى تحفظ على كل ما له علاقة بالقصة. وكان من بين تلك المتعلقات تسجيللاتصال هاتفي أجراه أحد الشبان المختطفين مع الشرطة، وهو لم يسجل المكالمة فحسب،ولكنه سجل أيضاً صوت إطلاق الرصاص من جانب المختطف على ضحاياه.

ذكر التقرير أن جهاز الشين بيت فرض حظراً تاماً علىالمعلومات الخاصة بالموضوع. ومنع الشرطة من الإدلاء بأي تصريحات بخصوصه. ثم سلمالملف كله إلى الجيش بهدف استثمار الحدث في ضرب التوافق الفلسطيني الذي تم بين فتحوحماس، من خلال خطط كانت معدة سابقاً وتنتظر الأمر بالتنفيذ. كانت الخلاصة التيخرج بها الصحفي الألماني الذي حقق في الأمر. عبارة عن اتهام واضح للحكومةالإسرائيلية بالتلاعب بالأدلة والتآمر على المدنيين الفلسطينيين.

يوم الجمعة الماضي 25/7 نشرت الخبر صحيفة «التحرير»المصرية قائلة إن قناة زد. دي. إف الألمانية كشفت عن أن قتل المستوطنين الثلاثةكان جريمة مدنية قام بها رجل إسرائيلي بدافع أطماع مادية بحتة، لافتة إلى أن الرجلقتل الشبان الثلاثة بعد يوم من اختطافهم وحرق السيارة التي وجدت جثتهم بداخلها…إلخ.

ما حدث بعد ذلك معروف. ذلك أنه رغم أن الحادث وقع فيالضفة الغربية الخاضعة للسلطة الوطنية وليس حماس، ورغم أن “إسرائيل” لمتقدم أي دليل يؤكد حقيقة الفاعلين، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سارع إلى اتهامحركة حماس بالضلوع في العملية وأعلن حربه عليها التي تطورت إلى المحرقة التينشاهدها الآن.

الآلة الإعلامية في مصر التي شيطنت حماس رحبت بكلامنتنياهو، الذي برر به حربه على غزة، وظلت تردد أنها هي التي أشعلت الحريق واستفزتالإسرائيليين الذين «اضطروا» إلى الرد حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. لمأستغرب ذلك من بعض شرائح الشباب الذين انضموا إلى مواكب الصائحين والمهللين، الذينباتوا يكرهون حماس بأكثر مما يكرهون الإسرائيليين، حتى صارت إبادتها عندهم «القضيةالمركزية» وليس استعادة فلسطين وتحريرها.

لم أنزعج مما يقوله هؤلاء بقدر ما شعرت بالرثاء لهم، لكنما أزعجني هو انخراط بعض المحترمين والمخضرمين في العملية. فقد قرأت لأحدهم يومالخميس 24/7 أن حماس «شاركت في خطف وقتل 3 مراهقين إسرائيليين، ثم بدأت بإطلاقصواريخها باتجاه المدن الإسرائيلية». (لاحظ أنه وهو الباحث الاستراتيجي ــ قلبالصورة واعتبر حماس هي المعتدية التي وجهت صواريخها نحو المدنيين في إسرائيل!)،كما أنه اعتبر بسالة المقاومة في غزة «مقاومة عشوائية». يوم أمس 26/7 قرأت تعليقاًلصحفي مخضرم آخر دعا فيه إلى إصدار قرار من مجلس الأمن يحمل حماس و”إسرائيل”بالمسؤولية المشتركة عن عملية الإبادة في القطاع وقبل ذلك كان صاحبنا قد ذكر أنحماس قامت بمغامرات خاسرة آخرها خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم (نسب ذلك إلى أبومازن). مضيفاً أنها تمسكت بإطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين (هي المعتديةأيضاً) وجاء تعليقه حافلاً بالمغالطات، التي منها أن عناصر حماس في سعيهم لإفشالالوحدة الوطنية قاموا باعتداء وحشي على وزير الصحة الفلسطيني الذي جاء من رام اللهليتابع أوضاع الجرحى. ولم يكن صاحبنا يعلم أن حماس هي التي رشحت ذلك الوزير،الدكتور جواد عواد للاشتراك في الوزارة. وأن أهل غزة هاجموه معبرين عن غضبهم علىالسلطة لأنه جاء إلى القطاع بعد 11 يوماً من المحرقة الإسرائيلية، وقد حماه منالغاضبين وكيل وزارة الصحة الحمساوي في غزة الدكتور يوسف أبوالريش، الذي انتقدسلوك الغاضبين ورد للوزير اعتباره. من تلك الأغاليط أيضاً أن ثمة اتفاقاً بين “إسرائيل”وحماس (صدق أو لا تصدق) لفصل القطاع وإقامة دولة فلسطينية تحكمها حماس بشروطإسرائيلية أمريكية تم الاتفاق عليها مع جماعة الإخوان إبان حكمهم لمصر. مثل هذاالكلام الذي يختلط فيه البغض بالهلاوس والتخاريف حين يصدر عن الصحفيين المحترمينفإنه لا يصيبنا بالدهشة فحسب. ولكنه يملؤنا بالتشاؤم والخوف من المستقبل، خصوصاًأنه يصدر وغزة تتحول إلى بركة من الدماء ولم ير فيها هؤلاء سوى مراراتهم حساباتهمالخاصة.

صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات