لأن غزة ستلد أُمة جديدة

سنصير غزاويين، لأن في غزة ما يمكن اعتباره بداية لميلادأمة جديدة، ستنهض من تحت الركام، مختلفة عن تلك التي تبددت وتفرقت رياحُها. غزةخاضت وتخوض معارك مختلفة عن تلك الدائرة رحاها بين العرب والعرب، التي اختلط فيهاالسياسي والديني والطائفي والإقليمي والدولي وتعمقت بين أنفاسها أزمات ربما تحتاجالى تاريخ لتعديل نتائجها.
غزة، المحاصرة الأسيرة المعزولة عن فضاءات الدنيا، أصبحلديها قدرات استراتيجية ذكية مصممة بفاعلية لتحدث اجتياحاً سيكولوجياً وانهياراتمعنوية كبرى داخل المجتمع الاسرائيلي المهاجر.
مسارات في باطن الأرض تنسل منها المجموعات الفدائية إلىما وراء خطوط النار، وتصبح أعتى من وقع جيوش العرب المحاصرة تاريخياً بين أسوارهاالضيقة على ظهر الأرض، والمجهزة إما للحروب البينية أو للترهل المبين.
ولغزة صواريخ متواضعة لكنها أكثر فاعلية من ترسانةالسلاح الجوي العربي، الذي لم يغادر أجواءه، والصاروخي الذي لم يشتم هواءالمسافات.
ولغزة عزائم جندوتجهيزات مخصصة لحروب الشرف، لا تمتلكها دول استنزفت خزائن شرفها لصيانة العروش،ولتكديس ترسانات أصبحت فريسة التقادم الذي يجتر الصفقات واحدة تلو الأخرى، في كلدورة زمنية لتحديث أسلحة لم تستخدم لغير المناورات المشتركة، ولتغذية الجبهاتالساخنة داخل المجتمعات العربية، بين أمراء الطوائف الذين يسعون لحسم التباساتالتاريخ البعيد حول أحقية الخلافة الاسلامية وإمارة المؤمنين.
عندما نقول غزةفإننا نعني بذلك الجزء المقاوم من فلسطين، ولم تكن فلسطين في تاريخها سوى أرضالمقاومة، ولكن غزة باتت اليوم رمزيةً حاضرة كأن لم يكن للحضور بدونها معنى!. وبغضالنظر عن الطبيعة الفكرية والمنهج السياسي للمقاومة، وعن وضعها في سياق المحاوروالمنظومات العابرة للأقطار، إلا أن غزة ومعها كل فلسطين، شعب يجب أن لا يتمالتعامل معه من خلال ذلك، فالمقاومة حين تكون في فلسطين ومن أجل فلسطين تصبح فيأعلى مرتبة أخلاقية وفوق كل الحسابات.
وبغض النظر عن المحيط المتجمد العربي، وصراعات الوساطاتأو المنازلات الاعلامية والأمزجة التي خربتها فوضى التداعيات الكبيرة على الساحةالعربية، إلا أن الثابت سيظل دوماً وابداً فلسطين، وحين تأخذ غزة على عاتقها شرفالمواجهة مع أعتى جيش احتلال عرفه التاريخ، وتظهر رغم كل شيء بصورة أدهشت العالم،قدرات قتالية أحدثت الذعر داخل صفوف الجيش والمجتمع الاسرائيلي، فإن الأفئدةوالعقول تتجه صوبها لتتلمس غداً ربما سيشرق من بين الركام، فكم أمة نهضت من تحتركام معركة فارقة في تاريخها وتفتحت أمامها السبل لتطهير الذات من تواريخالسقوط.
إن السؤال المشروع اليوم هو: هل ستُمهد غزة ولو بعد حينلتغيير شامل في ميزان القوى مع “إسرائيل”، ومنه بداية لنهاية عصر مهينعاشه العرب منذ عقود طويلة؟ وهل ستجبر المجتمع الدولي الفاعل على أن يفكر بجديةتامة لإيجاد حلول عادلة لقضية فلسطين، على اعتبار أن الحل قد أصبح ضرورةً قصوىوملحة، ليس من أجل فلسطين وأهلها ولكن خوفاً على (شعب اسرائيل) من التفكك والتفكير تدريجياً، تحت سلطة الخوفوالرعب، بالهجرة المعاكسة؟ الجواب ربما… فالأمر أصبح مرجحاً الآن إذا اعتبرناهبداية لتراكمات جادة ستحدثها المقاومة عبر السنين القادمة، فمن امتلك اليوم القدرةالواضحة على إرباك العدو وتحطيم معنوياته وإجباره لأن يبحث عن أي منفذ للعبور إلىالتهدئة، سيستطيع بكل تأكيد مستقبلاً أن يطور قدراته ويستخلص من كل خبراتهالمتراكمة ما يمكنه من إحداث تغيير نوعي في الميزان وإجبار العالم أن يفكر منمنطلق جديد للبحث عن طاولة مفاوضات جادة بين طرفين متكافئين.
لا أحد يعتقد بأن “إسرائيل”، ومعها الغرب،تستطيع أن توقف عجلة الزمن وأن تظل إلى ما لا نهاية تتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني،لأن هذا منطق يجافي الحقائق التاريخية، والواقع اليوم يقول بأن الخط البياني لحروب”إسرائيل” على غزة تشير بما لا يدع حيزاً للشك بأن هناك تقدماً هائلاً،فاق كل الحسابات، في قدرة المقاومة على الردع. وهناك مؤشر واضح بأنها تجاوزت فلسفةالصمود من خلال امتصاص الضربات إلى أخذ زمام المبادرة ونقل العمليات إلى داخل صفوفالعدو وعلى تراب الأرض المحتلة.. بينما “إسرائيل” توقفت كل مرة عندتكتيكها الدموي في ارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء، لتحقيق هدف لم تظفر منهبطائل، وهو أمر لم يعد العالم يمتلك إزاءه صفة أدنى من النفاق وبؤس الضمير الذيتمتع بهما في كل مرة لكي يبرر كل هذه الدماء، كما انه سيعظم على “إسرائيل”عارها التاريخي فوق إنجازاتها الفاشية عبر أكثر من ستين عاماً، وهو عبء لم يعدبمقدور الدولة الصهيونية تحمله من دون أثمان باهظة سوف لن تقوى على دفعها.
اذن غزة ستوفر المنعطف المرجو لإخراج الأمة من مأزق الذلوالهوان، من خلال البدء بصيانة معنوياتها المتآكلة وفتح أفق جديد أمام يأسهاالمطبق، فالعرب ليسوا أمة ميتة تماماً، لأن الأمم التي تملك تاريخاً طويلاً، ربماتصاب بالهزال والوهن لكنها تعيد إنتاج خلاياها لتستمر الحياة فيها.
سنكون إذاً غزاويين حين تأخذ غزة بأيدينا الى طريقالخلاص، وكما فرقتنا الهزائم ستوحدنا تباشير النصر القادم من هناك ولو بعد حين،ففلسطين لن تُحرر فلسطين وحسب بل ستحرر العرب من الذات المنكوبة الممزقة.
٭ كاتب يمني
صحيفةالقدس العربي اللندنية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...