الإثنين 12/مايو/2025

مجزرة بين الأقلمة والاستقطاب

مجزرة بين الأقلمة والاستقطاب

الوقت في غزة الآن من دم وليس من ذهب أو ماس. وكل دقيقةتمرّ تُضيف إلى قائمة الضحايا رقماً جديداً، بحيث يبدو أيّ كلام عن الجولاتالمكوكية بحثاً عن توافُق إقليمي أو عن أي هدف سياسي ضرباً من الرفاهية التي لامكان لها.

وأقلمة الأزمة وهي في ذروة الانفجار تتيح لكل طرف أنيعزف لحنه الخاص على ليلاه.. وذلك بالطبع على حساب مليوني فلسطيني يعيشون فيزنزانة. واللحظة بكل كثافتها التي يَقْطُرُ منها الدم لا تحتمل العودة مجدداً إلىلُعبة الاستقطاب والتجاذب فيما يتواصل القصف الذي يستهدف البشر والحجر والشجر!وإذا كان الناس العاديون الذين لا حول لهم ولا قوّة يعبّرون عن فجيعتهم بالدموعوالصلوات والدعاء، فإن قادة الدول لهم أساليب أخرى في التعبير عن مواقفهم، سواءكانت وطنية أو أخلاقية. فهل يتيح الانفعال لقائد أو زعيم أن يُجرّد الآخرين من الشرعية،ويهجوهم دون أن يقدّم ميدانياً وعلى نحو ملموس ما يُترجم موقفه؟

إن حروب الكلام هي الأسهل على الدوام، لأنها غير ذاتكُلفة وقد أصيب الفلسطينيون من هذه الحروب بالتخمة وعُسر الهضم العاطفي والعقليمعاً، وكان يجب أن تكون لهذا الدّم الذي نزف من أطفال ونساء ومدنيين عزّل هيبةتفرض على من يتدفأون على النار عن بعد ولا تنغرز أصابعهم في جمرها قدراً منالتّوازن والحذر في الإفتاء وتصنيف الآخرين بين خونة وأبطال، وشرعيين وأبناء حرام!

ومنذ العدوان الأول على الفلسطينيين ومحاولة انتهاكمصيرهم كانت هناك نافعة وحيدة بين ضارّات عديدة هي تراكم الخبرة، وبالتالي فرز مايسمعون من كلام، لأنّ منه ما يقبل الصّرف وله مصداقية، ومنه ما هو ممنوع من الصرف،ويبقى في نطاق الدّونكيشوتية، حيث تحلّ طواحين الهواء مكان الأعداء!

ولأن الحرب على غزة والتي وصفها شيخ الأزهر بالإباديةتزامنت مع صراعات إقليمية، وبلوغ أقصى الاستقطاب ببُعدَيه البراغماتيوالأيديولوجي، فإن هذا التّزامن أتاح لأطراف أن تمتطي الأزمة، وثمة من يعلنونالحرب على الدولة العبرية حتى آخر فلسطيني!

وأبسط ما يمكن أن يتساءل به الناس الآن هو ما الذي قدّمهمَن يُعيّر الآخرين بالقُصور؟ وهل من حقه أن ينهى عن خُلُق أو موقف وأن يأتي مثلهأو بما هو أسوأ منه؟

حرامٌ على مَن يُؤقْلمون هذه المذبحة ويعرضونها فيالمزاد السرّي أن يستخفوا بكل هذا الدّم، فالوقت يا سادة من دم وكل دقيقة قادمةتضيف شهيداً أو أكثر!

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات