غزة بين عدواني 2012 و2014

لا يشبه حال قطاع غزة تحت نير العدوان الإسرائيلي اليوم،نظيره في تشرين الثاني/نوفمبر2012، خلا أهداف منقحة بنواتج مشابهة حكماً لمسارفرضها وحيثيات شنها، وذلك إزاء ساحة محتلة صامدة وملتفة حول المقاومة الفلسطينية، وبيئاتعربية إقليمية ودولية انفصل تضامن شعوبها عن مواقف بعض أنظمتها «الباهت».
وإذا كانت عملية «الجرف الصامد» الحالية، تحاكي مثيلتها«عامود السحاب» السابقة، أهدافاً وتنفيذاً وجرائم إنسانية، إلا أن الاحتلال يستعجلمبارحة مأزق ردعي جديد، نتيجة سوء تقدير حساب اجترار ما أخفق تحقيقه خلال عدوان2012، و«المفاجأة» من رد فعل المقاومة، حجماً ونوعية، والاصطدام «بتململ» داخليوخلافات سياسية وعسكرية بينية.
فبعد ثلاثة أسابيع تقريباً على حادثة «اختفاء»المستوطنين الثلاثة، في 12 حزيران/ يونيو الماضي، ومن ثم العثور على جثثهم فيالضفة الغربية المحتلة، شن الاحتلال غارة ضد غزة قبيل اتخاذ قرار ضربها، في 7تموز/يوليو الجاري، غداة جلسات متوالية «للكابينت» شهدت تجاذباً سياسياً وعسكرياًحوله، إلا أن القرار، الذي لم يكن سهلاً، حُسم تحت وطأة مزايدات داخلية بين أحزابوقوى تتنافس، بمختلف توجهاتها اليمينية واليسارية والدينية، حول منسوب العداءللفلسطينيين العرب.
وقد جاء القفز على حادثة المخطوفين بقرار سياسي؛ لتنفيذمخطط تجاوز ذريعة البحث عنهم، ومن ثم عن «قتلتهم»، وفق المفهــــومالإسرائــــيلي، صوب الالتفاف حول عزلة دولية أصابت الكيان المحتل في مقتل، نتيجةمواقفه المتعنتة من العملية السياسية والاستيطان، وذلك عبر مصادرة أزمته الداخليةنحو الحلقة الأضعف في جبهات التهديد ضده، التي يتوسع فرجارها ليجب الملف الإيرانيوالأزمة السورية والتيار الإسلامي، وفوق ذلك «النزاع مع الفلسطينيين الذي يشكل، (وفق«هآرتس» 7/7/2014)، التهديد المركزي على أمنه القومي».
ولأن عدوان الاحتلال على غزة يتجاوز مسوغ صواريخالمقاومة نحو تحقيق ما فشلت العمليات العسكرية المتوالية في إحرازه، فقد استهدف،أساساً، كسر إرادة الشعب الفلسطيني والقضاء على المقــــاومة، وضرب البنية التحتية«لحماس»، وتأجيج نقمة سكان غزة المضادة لها، وتخريب المصالحة، وتعطيل عمل حكومةالوفاق الوطني، التي تشكلت بعد مخاض عسير في 2 حزيران/يونيو الماضي.
إذ ثمة ما يستتر وراء مصدر القلق الإسرائيلي من وحدةوطنية من شأنها كسر الأمر الواقع الحالي وعرقلة مشروعه في الضفة الغربية، التييريدها مقسمة الأوصال، بين «دولة» زهاء 631 ألف مستوطن اليوم، يسعى إلى زيادتهمللمليون مستعمر خلال الأعوام القليلة القادمة، ضمن نحو 62٪ من مساحة الضفة فيالمنــــشاطق المسماة «ج» الغنية بالإمكانيات الاستثمارية والاقتصادية والزراعية،إلى جانب حكم ذاتي فلسطيني، باسم «سلطة» أو حتى «دولة»، ضمن الأجزاء المقطعةالخارجة عن يد الاحتلال، معني بالشؤون المدنية والحياتية للسكان خلا السيادةوالأمن الموكولتين للاحتلال، مقابل غزة معزولة بدولة ونظام مستقلين، غداة قضمالمساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وإخراجالقدس من مطلب التقسيم.
ويكمن توقيت الحرب ضد غزة في بواطن مرحلة «ما بعد» مناخحراك التغيير، إزاء انشغال الدول العربية بقضاياها الداخلية، والالتفات الإقليميالدولي نحو الأزمة السورية، ومؤخراً الأزمة العراقية، والتعبئة التحريضية ضدالتيار الإسلامي، الذي فوت فرصة «الاعتدال» والتصالح مع مفهوم الديمقراطيةوالتعددية، مقابل حضور السلفية الجهادية في المشهد الراهن.
بيد أن مسار عدوان غزة، حتى اللحظة، كشف عن معاكسةمجريات الأحداث لأهداف الاحتلال وتقاريره الأمنية والاستخبارية، التي أخطأت فيحساب رد فعل المقاومة ووزن مقدراتها الدفاعية ومستوى صمود الشعب الفلسطيني، ولكنهانجحت في تقدير الموقف العربي الإسلامي، خاصة المصري منه، ورد الفعل الدولي.
فقد جاء العدوان وسط حالة غليان شعبي فلسطيني امتدت علىمدى مساحة فلسطين المحتلة، ولوحت بمؤشرات انتفاضة جديدة، إثر تصعيد الاحتلاللاعتداءاته وانتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني، عقب حادثة المخطوفين، والتي لم يتبنهاأي فصيل فلسطيني، ما أوجد ثورة غضب عارم والتفافا جمعيا انعكس في حالة تضامن،قولاً وفعلاً، مع مصاب أهل غزة، مما توج أجواء المصالحة التي لم تكن قد تحققتأثناء عدوان 2012.
أما ميدانياً؛ فقد خالف رد المقاومة توقعات إسرائيلية،كانت تعتقد بنضوب مخزون سلاحها، نظير انقطاع الدعم الإيراني، أو على الأقل تراجعه،وتخلخل الظهير الاستراتيجي المصري نتيجة توتر العلاقة مع «حماس»، وما جرته منتدمير الأنفاق التي شكلت خط الإمداد التسليحي والمادي بالنسبة إليها، إلا أنالمقاومة فاجأت الاحتلال بصواريخ تصنيع محلية وأخرى عمدت إلى تخزينها خلال عامي2011 و2013، تحضيراً لمعركة قادمة.
هذا المعطى غير المحسوب سلفاً؛ الذي أوصل صواريخالمقاومة إلى قلب الكيان المحتل امتداداً لشماله وجنوبه، بإصابة حيفا، لأول مرة،وتل الربيع «تل أبيب» والقدس والنقب، للمرة الثانية، أوجد خطاباً داخلياً متشككاًفي مصداقية النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إزاء تناقض إفادتها عن سيرالمعركة مع حيثياتها، في ظل مواصلة إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على مواقع مركزيةفي الكيان المحتل، وإيقاع إصابات بين صفوف جنود الاحتلال، وعدم قدرة منظومة القبةالحديدية، ذات الصناعة الأمريكية والكلفة المادية الباهظة، على إيقافها، والإخفاقفي تصفية قياديين من حماس.
وإذا كانت العقلانية قد غابت عن قرار خوض العملية، فقدتغيب أيضاً، عن خيار الاجتياح البري الذي يستعد له الاحتلال، ما يجعل كافةالاحتمالات مفتوحة.
إلا أن ثمة معطيات يدخلها الاحتلال في حسابه، وفيمقدمتها رد فعل المقاومة، إزاء سجل إسرائيلي مليء بإخفاقات عملياته البرية التيتجعله في مواجهة مباشرة وغير محسوبة النتائج مع قوى المقاومة، في ظل تقديرات أمنيةبامتلاك قوى المقاومة الفلسطينية قدرات دفاعية تلحق خسائر كبيرة بقوات الاحتلالالبرية، قياساً بما كشفت عنه من تطور نوعي وأداء فاعل.
وهناك، أيضاً، منذور تأليب الرأي العام العالمي ضدالاحتلال، ومحذور فتح جبهة السلفية الجهادية المضادة في «سيناء»، ما دفع قياداتعسكرية لرفض الانتقال إلى الخطة «ب»، التي قد تصب لمصلحة «حماس»، وسط تردد القيادةالسياسية والأمنية الإسرائيلية في اتخاذ قرار شن عملية عسكرية برية، خاصة أن عمليةمحدودة النطاق لن تحقق أي أهداف، بينما عملية برية واسعة ستكون محفوفة المخاطر.
ولكن التهدئة لن تكون مجانية، بطبيعة الحال، فللمقاومةشروطها التي لن تتنازل عنها، بعدم العودة إلى تهدئة عام 2012، التي لم يلتزم بهاالاحتلال وأخل ببنودها، وإطلاق سراح المعتقلين، منذ عملية البحث عن المفقودين،ومنهم الأسرى المحررين من صفقة شاليط، التي تمت عبر الوسيط المصري عام 2011،بالإضافة إلى رفع الحصار عن غزة، والنأي عن الوحدة الوطنية، وعدم وضع العراقيلأمام أداء حكومة الوفاق الوطني لمهامها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...