عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الضفة تنتفض.. وغزة تقاوم

هشام منور
بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنه لا يدع مجالاً للشك بأن ممارساته واعتداءات مستوطنيه في القدس المحتلة والضفة تدفع إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، لا ترغب فيها السلطة وزبانيتها.

تظاهرات شعفاط (شمال شرقي مدينة القدس) والمواجهات مع قوات الاحتلال، بعد قتل الفتى الفلسطيني، محمد حسين أبو خضير، عززت من احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة؛ التي تشكل كابوساً لإسرائيل وفق أسوأ السيناريوهات، لاسيما أن الغضب الشعبي الفلسطيني جاء في المناطق غير الخاضعة للسلطة الفلسطينية، مما حرّر المتظاهرين من مخاوف الاشتباك مع قوى أمن السلطة الفلسطينية، واضطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مطالبة حكومة نتنياهو باستنكار جريمة قتل أبو خضير، مثلما استنكر أبو مازن مقتل المستوطنين الثلاثة.

محللون إسرائيليون سرعان ما رأوا أن تظاهرات الغضب التي انفجرت في شعفاط، تنذر بانطلاق انتفاضة ثالثة تقيّد مجال مناورات حكومة الاحتلال بعدما استنفد العدوان ضدّ الضفة الغربية أهدافه. فقد اعتبر المحلل العسكري في موقع “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، أنّ الغضب الذي تفجّر في شعفاط يهدّد بتحقق السيناريوهات التي وضعها الجيش وأجهزة الأمن، لاحتمالات فتح أكثر من جبهة ضدّ “إسرائيل”، منذ اندلاع الربيع العربي، ما قد يقود في نهاية المطاف إلى حرب تخوضها “إسرائيل” على جبهتين في آن واحد. وهي حرب تصبح فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية الميدان الأساسي تماماً كما حدث مع الجبهتين الداخليتين في قطاع غزة ولبنان، وستتلقى هذه الجبهة كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف.

استشهاد أبو خضير وما رافقه من عملية تحريض دموي على الفلسطينيين وانفلات الدعوات الإسرائيلية إلى الانتقام وترديد هتافات “الموت للعرب” ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، سوف يؤدي إلى سحب أي شرعية دولية من تحت أقدام “إسرائيل” والتي توفرت لها قبل 48 ساعة، وكان بمقدورها استغلالها لشنّ حملة عسكرية في قطاع غزّة. لكن حملة كهذه، بحسب بن يشاي، بعد مقتل أبو خضير ستشعل دون شك الأجواء ليس فقط في الضفة الغربية المحتلة، وإنما أيضاً في الأردن ومصر، بل قد يسرّ اللبنانيين أن ينسوا خلافاتهم الداخلية، وينضموا إلى العمليات ضدّ “إسرائيل” سواء كانت عمليات سياسية أو أعمال عنف.

في المقابل، اعتبرت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها، أنّ التقارير الواردة عن جلسات “الكابينت” قد تخلق للوهلة الأولى انطباعاّ بأن نتنياهو في خضم عملية متزنة لاتخاذ القرارات بشكل عقلاني، غير أن هناك فرقاً كبيراً بين قرارات عقلانية وبين فقدان السيطرة على الأمور. وبحسب الصحيفة، فإنّ انفلات التحريض الدموي والاعتداءات العنصرية ضدّ العرب، التي أعقبت تشييع المستوطنين الثلاثة، ومقتل الطفل الفلسطيني أبو خضير، هي في واقع الحال دليل على فقدان السيطرة على الأمور، وهو ما يثير قلقاً كبيراً من أن تحدد هذه العصابات التي احتكر أفرادها “عمليات معاقبة العرب”، الروح المعنوية داخل الحكومة وتدفعها نحو اتخاذ خطوات متطرفة واستعراضية لإرضاء مطالب ثأرية، وعندها سيكون الطريق قصيراً نحو التدهور الأمني وصولاً إلى فقدان السيطرة بشكل تام.

أما المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، يقرّ بأنّ خيارات شنّ هجوم برّي على قطاع غزّة محكوم بالمخاوف والتداعيات التي قد تترتب عليه، وفي مقدّمة ذلك، الخوف من تأثر الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إضافة إلى انعكاس مثل هذا العدوان على الصعيد الدولي، عدا الثمن العسكري الذي تدفعه “إسرائيل” مقابل شنّ حملة برّية واسعة في قطاع غزة.

القناة العبرية السابعة أكدت من جهتها قيام الجيش الإسرائيلي بنقل كثير من قواته العسكرية التي كانت تعمل في البحث عن المستوطنين المختطفين في الخليل إلى حدود غزة، وذكرت القناة أن قوات مدرعة من اللواء 401 والتي كانت تساعد في عمليات البحث في الخليل حضرت إلى الحدود مع قطاع غزة وتم نشرها هناك بشكل مكثف .وقالت إن الكثير من الجنود الذين أنهوا عمليات البحث في الخليل مؤخراً توجهوا للحدود مع القطاع، وتقوم قيادة قوات الجيش في المنطقة الجنوبية بتعزيز كبير للقوات على حدود غزة، بشكل يشبه التعزيزات التي شهدتها مناطق الضفة بعد عملية الخطف.

يعترف الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأخيرة الماضية بسقوط 150 صاروخاً من قطاع غزة على مستوطنات ومناطق يسيطر عليها. وهي قضية أخذت حيزاً في مناقشات الاجتماعات الأمنية الإسرائيلية على مدار الأيام الماضية. ويبدو أن الأمور تسير بشكل متسارع بحيث تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في خضم مواجهة لن تكون عواقبها كما السابق بسبب ترهل الجبهة الداخلية الإسرائيلية وانتفاض الضفة الغربية برمتها ومقاومة غزة التي لم تنحنِ يوماً أمام أي غازٍ أو معتدٍ.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات