الإثنين 12/مايو/2025

الاحتلال.. ورُعب الانتفاضةُ الثالثة!

براء ريان

كانت عملية “السور الواقي” سنة 2002 أقوى ضربةٍ تعرّضت لها الضفّة الغربيّة في تاريخ الصراع مع المحتلّ، أراد الاحتلال من خلال اجتياح مدن الضفّة تحقيق أهدافٍ كثيرة، أهمّها: تأمينُ الأراضي المحتلّة من هجمات المقاومة الفلسطينية المتتابعة انطلاقًا من الضفة، وتحطيم الأجنحة العسكرية التي شهدت نهضةً بداية انتفاضة الأقصى، وسرقة الأرض وتوسيع المستوطنات، ووضع السلطة في حالةٍ حرجة لا تسمحُ لعرفات أو من يخلفه بالمناورة ولا المراوغة.
 
إلى حدٍّ كبيرٍ نجح الصهاينة في تحقيق أهدافهم، بالتزامن مع إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية، وتغيير عقيدتها العسكرية، وحرف بوصلة بنادقها نحو شعبها، بعيدًا بعيدًا عن الاحتلال المجرم! فاقم ذلك ما جرى من اقتتالٍ في غزّة، اضطرّت حماسُ على إثره إلى الحسمِ العسكريّ ضدّ الأجهزة الأمنية التي كانت زاخرةً بفرق الموت، راعيةً رسميّة للفلتان الأمني!
 
ما إن تمّ الحسمُ حتى انتهز “الفلسطينيون الجدد” الفرصة وانطلقوا برعاية من الاحتلال وتوجيه منه، للقضاء على حماس ومؤسساتها في الضفة، ثم ملاحقة كل التنظيمات والأفراد الذين يمكن أن يشكلوا يومًا خطرًا على المحتلّ!
 
وبين هجمات الاحتلال المتلاحقة، وضربات السلطة المتواترة، عاشت الضفّة سنواتٍ عجاف، لم تخلُ من تحسّنٍ في المستوى المعيشيّ، وانتشارٍ لرفاهٍ مزيّفٍ مبنيّ على القروض الملغّمة، لكنّ المعاناة لم تغادر الضفة، بالحواجز والاعتقالات ومصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، وتغوّل الاحتلال على أهلها بالأسر والأحكام الإدارية!
 
ولعلّ من أهم ما يميّزُ أهل فلسطين أنهم شعبٌ متمرّدٌ، لا يهدأ إلا قليلًا، يفترُ ويصمتُ تحت الضغط، ثم لا يلبث أن ينفجر في وجه الجميع، كما فعل في انتفاضاته الشهيرة، وطالما كان انفجارُ الضفّة كابوسًا يخشاهُ الاحتلال، والسلطة الفلسطينية بطبيعة الحال! ما جعل الاحتلال بمعاونة الأجهزة الأمنية يمارسُ دومًا علميات “جزّ العُشب” لمنع أي بوادر تصنع بيئةً ملائمةً لنشوب انتفاضةٍ شعبيّة ساحقة!
 
في ظلال هذا، يمكنُ فهم استبسال عناصر الأجهزة الأمنية في ملاحقة الفعاليات المساندة للأسرى في الإضراب الأخير، واعتقال العناصر القائمة عليه، رغم علمه بصدق تحرّكهم، ومناداة كثيرٍ منهم بالوحدة الوطنية، وتفاؤله بالمصالحة، وكذلك تُعرفُ جديّة الرئيس عبّاس في تصريحاته البغيضة حول الانتفاضة والتحذير منها!
 
أجواءُ النضال الشعبيّ، الفعاليات والأنشطة المختلفة، الأعلام والرايات والهتافات، التظاهرات وتطوّرها إلى مواجهات، هي مقدّماتٌ حتميّةٌ لنهايةٍ معروفة كريهةٍ لدى الصهاينة “الانتفاضة”! وبيئةٌ طبيعيةٌ لانطلاق العمل المقاوم، لذلك فإنّ إضراب الأسرى البطوليّ، والفعاليات الصادقة التي رافقته وساندته رغم الاعتقالات والإهانات، لا يمكنُ أن تغيب في حضرة أي تحليل لعملية الخليل الأخيرة!
 
ردّة فعل الاحتلال على أهل الخليل والضفة عمومًا كانت مجنونة ابتداءً، ثم متوازنةً ومحسوبةً بمرور الوقت! إذ أنّ الضّغط المتزايد على الضفّة، إن خرج عن الحسابات العاقلة، سيؤدّي لانفجارٍ لا يمكن إدراك تبعاته، ولعل ذلك يفسّر التراجع عن بعض الإجراءات والعقوبات الجماعية، حتى قبل العثور على جثامين المستوطنين المأسورين.

ما نفهمه هو أنّ حجم تأثير الضفّة الكبير، وإطلالتها الواسعة على فلسطين التاريخية، وتشابكها المعقّد مع أراضينا المحتلّة، والمستوطناتِ التي تنتشرُ في بقاعها، تجعلُ الاحتلال يفكّر كثيرًا في عواقب تعامله معها، وهو الذي جعله يمارسُ أخيرًا الدعاية السخيفة ضدّ حماس، عبر توزيع علب الكبريت المكتوب عليها: “حماس بتولع في الضفة”، أو حلوى الصغار لتخفف من “مرمرة حماس لحياة أهل الضفة”! أو من خلال الصفحات المضحكة على فيسبوك، بطريقةٍ تؤدّي عادةً إلى نتائج عكسيّة، وترفع رصيد حماس وتزيدُ من شعبيتها!

إنّ ما تقومُ به الضفّة منذ زمن، ابتداءً بتناغمها مع العمل المقاوم في غزة، عبر خروج أهل الخليل ليشهدوا سقوط صواريخها على رؤوس المحتلين، وغناء فنانيها لضرب “تل أبيب”، ومرورًا بالمواجهات الشعبية بالحجارة وما تيسّر، والفعاليات المساندة للأسرى والقضايا الوطنية، وليس انتهاءً بعملية الخليل البطولية، هو مقدّماتٌ واضحةٌ لما يخشاه العدوُّ ومعاونوه، وإرهاصاتٌ حقيقيّة للانتفاضة المرتقبة! وما ذلك على الله بعزيز.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات