الأحد 11/مايو/2025

من التقاسم إلى التقسيم

من التقاسم إلى التقسيم

من التقاسم إلى التقسيم

هاشم عبدالعزيز

“يجب أن يجري على كل ما نعرفه عن الشرق الأوسطتفكير من جديد”، الدعوة هذه أطلقتها صحيفة “يديعوت أحرونوت”الصهيونية إثر التداعيات التي شهدها العراق بسقوط مدينة الموصل بيد جماعة”الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، المبرر للدعوة أن كياناًجديداً أخذ ينشأ في الشرق الأوسط، على حد وصف الصحيفة.

ولكن السؤال هنا: ما الذي نعرفه أصلاً عن الشرق الأوسطحتى يجري التفكير حوله من جديد؟

بالطبع الأمر هنا لا يتعلق بالمسائل والقضايا المرتبطةبالجغرافيا والتاريخ وإنما بالمشروعات التي استهدفت هذه المنطقة بأهميتها الحيويةوالاستراتيجية التي أثرت على نحو حاسم في مجمل أوضاعها، ويمكن إجمال هذه المشروعاتبمعادلة ال”تقاسم” وال”تقسيم”.

معلوم أن عملية التقاسم بدأت في العقد الثاني من القرنالعشرين وجاءت بطموح وأطماع وحماقات بريطانية وفرنسية أدت إلى تشكيل وضع هذهالمنطقة، وقد تجسدت فيما بات يعرف ب “اتفاقية سايكس – بيكو”، التي أبرمتبين البلدين الاستعماريين آنذاك وقامت الاتفاقية على إعادة تقسيم مناطق الحكمالعثماني منذ بدايات القرن السادس عشر إلى دول جديدة في هذه المنطقة ومن ثم جرىوضع الكيانات السياسية الوليدة عن هذا التقسيم تحت نطاقين من النفوذ أحدهما تحتسيطرة النفوذ البريطاني وشمل العراق وشرق الأردن وفلسطين والآخر تحت سيطرة النفوذالفرنسي في سوريا ولبنان وامتدت السيطرة البريطانية إلى مصر والفرنسيين في المغرب.

ومع أن مبادئ تلك الاتفاقية مازالت تؤثر في هذه المنطقةحتى يومنا هذا على نحو متناقض وخدمت البريطانيين والفرنسيين في كثير من سياساتهم،إلا أن تأثيرها في سكان المنطقة كان مختلاً ومختلفاً.

وبسبب إبرام الاتفاقية سراً من دون معرفة العرب كانالبريطانيون يبررون وعدهم بأنه في حال ثار العرب ضد الحكم العثماني سينالوناستقلالهم وأدى هذا إلى دورة طويلة من الصراع ضد الاستعمار بما ترتب عليه من تصحرفي عملية التحولات والتطورات التاريخية بل وانقطعت في بلدان عدة عملية بناءالأنظمة الدستورية، الأمر الذي قاد إلى الانفجارات الاجتماعية والصراعات السياسية المتداعيةفي المنطقة العربية.

ما هو جدير الإشارة إليه هنا أن اتفاقية “سايكس -بيكو” هدفت إلى تقسيم المشرق العربي على أساس طائفي، إلا أن ما كان يُرمىإليه لم يتحقق وهو ما يشير إليه محللون إلى أن الحدود الجديدة التي جرى تحديدها لمتنسجم مع التمييز الطائفي والقبلي والعرقي على الأرض، والأهم من ذلك أن العرب بوجهعام نحّوا تلك الخلافات جانباً وتمكنوا من قيام دولة متعددة الأديان في لبنانودولة متعددة الأجناس في العراق وهذه المسألة أدت إلى ما يجري الآن من إعادة إنتاج”سايكس – بيكو” تحت مسميات عديدة.

قد يكون مفيداً هنا الإشارة إلى أنه في عهد الرئيسالأمريكي ترومان ساد اعتقاد بأن قيام دولة متعددة الأديان في لبنان ودولة متعددةالأجناس في العراق يشجع على إقامة دولة فيدرالية متعددة الأديان والأجناس فيفلسطين، “غير أن ترومان سرعان ما تراجع عن هذا الحماس تحت ضغط اللوبي اليهوديالأمريكي الذي كان يريد كل فلسطين دولة لليهود، ويعود تراجعه إلى حاجته إلى المالاليهودي لتمويل حملته الانتخابية التي خاضها ضد منافسه في عام 1948 توماس ديوي وقدفاز ترومان بالرئاسة واللوبي اليهودي في “إسرائيل”.

وفي هذا السياق يمكن القول إن ما يجري في المنطقة بوجهعام يقوم على تدوير عملية “سايكس – بيكو” من تقاسم مناطق حيوية ومواقعاستراتيجية إلى تقسيم المجتمع وتمزيقه وتركيعه، وهذا يتم بإعادة إحياء النزاعاتالطائفية والمذهبية والقبلية العشائرية وغيرها من الموروثات الإحباطية للنهوضالوطني لبناء الحياة الجديدة والجديرة للإنسان في هذه المنطقة الحيويةوالاستراتيجية.

هنا المشكلة، ف”إسرائيل” تطالب برؤية جديدةللشرق الأوسط، لا هي تخلت ولا حلفاؤها كفوا عن سياستهم الاستعمارية الصهيونيةالقديمة التي تتصادم مع الحق والعدل والقيم الإنسانية وهي وحدها قادت إلى هذاالوضع المأساوي والكارثي بالنتيجة.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....