السبت 05/أكتوبر/2024

تحليل: ضربات حماس تزيدها قوةً وانتشاراً

تحليل: ضربات حماس تزيدها قوةً وانتشاراً

بدت حركة حماس رابطة الجأش طوال تاريخها رغم قسوة وصعوبة ما تعرضت له، بل إن المراقبين لتاريخها يرون أن استهدافها زادها في كل المحطات انتشاراً ووسع دائرة التعاطف معها، خاصة بعد تطور أدائها العسكري والأمني.

وتتعرض حركة حماس في الضفة المحتلة منذ 10 أيام لحملة اعتقالات ومداهمات وهدم بيوت، بعد اختفاء 3 جنود قرب مستوطنة “غوش عتصيون” قرب الخليل، وقد زاد عدد المعتقلين عن 300.

ويومياً تنشر وسائل الإعلام صوراً لهجمة الاحتلال على نشطاء وقادة حماس في الضفة، ضمن حملة أسماها الاحتلال “بيت بيت”، يبحث فيها عن 3 جنود يدعي أنهم مأسورون.
 
وبدأ الاحتلال يهضم فاجعة اختفاء الجنود الثلاثة زاعماً أن حماس أسرتهم، لتبدأ بذلك هجمة شرسة على حماس، تعد الأقوى والأوسع منذ مجيء السلطة الفلسطينية لضرب البنية التحتية للحركة.
 
ومرت حماس بسلسلة ضربات متلاحقة منذ نشأتها سنة 1987م، أبرزها ضربات سنة (1988-1989)، ثم الإبعاد لمرج الزهور 1992 بعد أسر الجندي “نسيم توليدانو”، ثم هجمات السلطة (1995-1996)، واغتيالات (2003-2004)، وحصار غزة وحروبها (2008-2012 ).
 
الضربات الأولى
القيادي المؤسس في حماس عيسى النشار -وهو أحد القادة السبعة الذين صاغوا البيان الأول المعلن عن انطلاقة حماس- يقول: إن “حماس كحركة إسلامية نبتت من الإخوان المسلمين، تعرضت لعدوان واعتقال الاحتلال قبل سنة 1987”.
 
ويضيف: “بعد سنة 1987 بدأت الضربات تستهدف قادة حماس، وأشد تلك الحملات كانت الأولى سنة 1988، والثانية 1989، ثم دخلنا مرحلة السجون قادة وشبابا، فكانت محضنا تربويا، وأسسنا جامعة يوسف فخرجنا كوادر كثيرة رغم قسوة السجن”.

ويرى النشّار، أن إبعاد 415 من قادة ونشطاء فلسطينيين معظمهم من حماس سنة 1992 إلى “مرج الزهور” جنوب لبنان، شكل المحطة الثانية في سلسلة الهجمات ضد الحركة، وقد سعى لفصل القيادة عن القاعدة.
 
ويتابع: “استفاد قادة وشباب الحركة من تلك الضربة؛ فسياسياً انتشرت حماس عالمياً، وحركياً التقينا بقادة الحركة في الدول المجاورة والعالم، وعسكرياً تواصلنا مع فصائل مقاومة مثل حزب الله”.
 
ومن موقعه كمراقب للمشهد السياسي والميداني الفلسطيني، يرى المحلل السياسي د.عبد الستار قاسم، أنّ ضربات الاحتلال سنة (88 و89) كانت ضمن هجمات وجهها الاحتلال لكافة الفصائل الوطنية مطلع الانتفاضة، وكان عنوانها “الاعتقال” بالجملة.
 
أما الخبير في شئون الحركات الإسلامية د.خالد صافي، فيؤكد أنَّ الاعتقالات المتلاحقة لم تقف ضد حماس منذ نشأتها، بينما توزّعت الهجمات ضمن ما أسماه “ضربات متفرقة وحملات كبيرة”.
 
ويتابع: “من خلال متابعتي، كان هناك حملات سنة 88 و91، والإبعاد سنة 92 وهي ضمن العمل الأمني الصهيوني، أما الحملات الكبيرة فعادة أتت بعد عمليات مقاومة مهمة، مثل العمليات الاستشهادية لاحقاً”.
 
التسعينيات والسلطة
بعد انتشار حماس ووجود حاضنة شعبية لها كحركة منظمة وأصيلة من الشعب الفلسطيني، وعودتها أقوى وامتصاص كافة الهجمات، دخلت حماس مرحلة جديدة من حياتها لم تخل بالطبع من الحملات الاحتلالية التي نسق فيها مع أجهزة السلطة الفلسطينية.

ويقول القيادي النشّار، إن المحطة الثانية في تاريخ الحملات ضد حماس كان مع تأسيس سلطة “أوسلو”، والصدام مع أجهزة السلطة، وإغلاق مؤسسات حماس، وضرب جهازها العسكري، وقد جرى ذلك بالتعاون بين الاحتلال والسلطة، فتعرضت لضربة قاسية.
 
وعاشت حماس -حسب وصف النشار- فترة صعبة في معظم سنوات التسعينيات، فأسست حزب الخلاص الوطني الإسلامي سنة 1996 للمحافظة على استمرار العمل السياسي في أوج حملات الاعتقال على يد السلطة.
 
أما المحلل السياسي قاسم، فيرى أن أهم هجمة تعرضت لها حماس في تلك الحقبة هي “مجزرة مسجد فلسطين” سنة 1994، حين فتحت أجهزة السلطة النار على المصلين فقتلت 13 وأصابت العشرات.
 
الاحتلال كان يكمل الدور المشترك بالتنسيق الأمني، لكن هجماته الكبرى كانت على حماس -كما يذكرها الخبير صافي- عقب العمليات الاستشهادية الكبيرة سنة (1995 و1996).
 
ويتابع: “كانت حماس بعد العمليات الاستشهادية تتعرض للملاحقة والاعتقال، وكانت الحملات توجه ضربة للبنية التحتية، ما تلبث حماس أن تمتصها، فتضعف لفترة ثم تنهض”.

“أما القيادات الميدانية الأصغر سناً، فكانت تعيد بلورة العمل الحركي فتظهر حماس من جديد”، كما يقول.

الانتفاضة الثانية والحروب
مع اندلاع انتفاضة الأقصى بدا أن العمل المقاوم يميل للشكل العسكري من بدايته، لذا ولجت حماس لبوابة الانتفاضة بسلسلة عمليات، لم تكن تعلن في البداية عنها مباشرة، حتى لا يعرضها ذلك لهجمات جديدة من الاحتلال، فيما كانت قوى أجهزة السلطة تبدأ تخور نسبيا.

ويوضح القيادي النشّار، أن العمل بعد سنة 2000 تزامن مع خروج قيادات شابة كثيرة من السجون أشرفت على العمل العسكري، وبرزت عمليات مميزة استخدمت فيها حماس الأنفاق والصواريخ، ما زاد من عداء الكيان لها، حتى نجحت في انتخابات 2006.
 
ويفسّر النشار الحالة الميدانية، بأنها كانت عبارة عن عدوان للاحتلال يتلوه مقاومة، وأن ضربات الاحتلال مطلع الانتفاضة كان يعقبها مقاومة من حماس، وقد أتبع ذلك اغتيالات لقادة بارزين، مثل أحمد ياسين والرنتيسي والمقادمة وأبو شنب وشحادة، والسلسلة تطول.
 
وبعيداً عن رؤية حماس وفعلها، يلفت المحلل قاسم إلى قدرة حماس على التكيّف في تلك الفترة الصعبة من العمل، مشيراً إلى أنها كانت تصبر وتتحمل وتحافظ على وصول الدعم المالي والعسكري من علاقاتها مع دول وتنظيمات خارج فلسطين.
 
وبعد فوزها في انتخابات 2006 بدأ الحصار، واعتقال النواب، وحملات بالضفة وهجمات استنزاف بالجملة في غزة، كان أبرزها كما يؤكد القيادي النشار حرب الفرقان 2008.
 
عن ذلك يتابع: “بعد حصار شديد عشنا حربا على مدى 22 يوما، قصفوا المقرات والمنازل، فاستشهد 1500، وأصيب الآلاف لإسقاط حماس، فخرجت حماس بانتصار معنوي، وفي حرب السجيل 2012 رضخ الاحتلال للمقاومة فكان نصرا حقيقيا”.
 
أما المحلل قاسم، فتفسيره لحربي سنة (2008 و2012) أنهما كانتا محاولة لإخضاع حماس بالقوة، وإرجاع زمام الأمور لرئاسة السلطة، بعد أن شدد نظام مصر الحصار وضيّق الخناق كثيراً على غزة.
 
الهجمة الحالية
وتعيش حماس منذ 10 أيام مرحلة خاصة من حياتها في الضفة تعلن فيها “إسرائيل” صراحة، أنها بدأت مرحلة جديدة معها لضرب بنيتها التحتية.

وقد شرعت في خيارات عدة بعد عدوانها الميداني وحملة الاعتقالات، مثل إبعاد قادتها لغزة، وسجن محرري صفقة “وفاء الأحرار”.
 
ويقول القيادي النشار، إنّ الهجمة الحالية في الضفة شرسة، تتم بمعاونة أجهزة السلطة، وإن حماس عاشت أجواء مشابهة في حياتها رغم قسوة المرحلة الحالية، مشيراً إلى أن الهدف ليس حماس فقط، بل كل المقاومة بالضفة.
 
ويضيف: “ستثبت حماس قدرتها على الصمود، فرموزها وأبناؤها جسدوا نظافة اليد والفكرة وهدفنا وطني، لم ننجر يوماً لمعارك جانبية، ولم نتدخل في شئون أحد، وسيلتف الناس حول حماس؛ لأن عورات التنسيق الأمني فضحت الكثيرين”.

أما المحلل قاسم، فيلخص ما تتعرض له حماس الآن باعتقالات بالجملة ومداهمات، نافياً أن تتمكن “إسرائيل” من القضاء عليها؛ لأن لها جذورا “دينية-اجتماعية-سياسية”، وأن ما  يجري سيمنح حماس قوة دفع في الضفة، إن ثبت أنها مسئولة عن أسر الجنود.

ويتابع: “السلطة تتوعد الخاطفين وحماس تتعرض لهجمة المعتدين، وهذا يقوي حماس في قلوب الناس، وسيعطي الاحتلال والسلطة نتيجة معاكسة، بينما غزة قد تتعرض لمزيد من الغارات ولن تتعرض لحرب، لأن “إسرائيل” جربت الحرب مرتين وفشلت”.
 
الاحتلال يتحرك الآن -حسب رؤية الخبير صافي- لضرب البنية التحتية لحماس، وتوجيه ضربات استباقية، قبل أن تستفيد حماس من جو المصالحة إن استمرت فتتعرض لضربات أمنية في كل مكان.
 
ويتوقع أن تواصل حماس عملها بقوة قريبة؛ لأن تاريخها أثبت قدرتها على امتصاص الضربات، ولأنها جزء من الشعب الذي يحتضنها، فيما تحتاج حماس لشبكة علاقات خارجية لتأمين دعمها وتعزيز موقفها في المنطقة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات