الثلاثاء 13/مايو/2025

تشومسكي ومقاطعة منتجات المستوطنات

د. أيمن أبو ناهية
في كل يوم نسمع نداءات غربية _خاصة من قلب أوروبا_ بمقاطعة المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، ذلك أن الاتحاد الأوروبي يعد المستوطنات “غير شرعية وغير قانونية وعقبة أمام السلام”، إلا أنه استمر في التعامل التجاري معها وشراء منتجاتها.

ونظرًا إلى ازدياد التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، وعدم مقدرة الأوروبيين على استخدام أي وسيلة ضاغطة على حكومة الاحتلال؛ وجه 13 بلدًا أوروبيًّا رسائل إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون؛ لتفعيل قانون يفرض وضع إشارة واضحة على المنتجات المستوردة من المستوطنات توضح مصدرها بدقة، بدل الاكتفاء بإشارة “صنع في الضفة الغربية”، أو “صنع في (إسرائيل)”، ولا شك أن هذا أمر متعمد حيال المستهلك الأوروبي الذي من حقه معرفة مصدر البضاعة التي يشتريها، وهو حق يكفله القانون الأوروبي لحماية المستهلكين، لكن هذا لم يغير في الواقع شيئًا ولم يعمل به، ففي العام الماضي _على سبيل المثال_ استورد منها بضائع بقيمة 400 مليار يورو تقريبًا، مقابل 15 مليارًا من الأراضي الفلسطينية، ما يدل على الازدواجية في القرار الأوروبي، وخلل كبير في سياسات الاتحاد الخارجية، إذ إن المستوطنات أراض محتلة بحسب القانون الدولي، وفي نظر الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي نفسه، واتفاقيات جنيف تمنع التعامل التجاري معها.

هذا الاعوجاج الواضح وهذه الازدواجية غير العفوية الأوروبية يتناقضان مع تهديداتهم للكيان العبري بالتلويح بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية إذا ما استمر في الاستيطان، الأمر الذي جعلها حبرًا على ورق، بدليل أن القضاء الفرنسي في عام 2010م أصدر أحكامًا صارمة على ثلاثة ناشطين فرنسيين، قاموا بحملة لمقاطعة منتجات المستوطنات، وفي الأول من كانون الثاني الماضي صدر تعميم من المفوضية الأوروبية ينص على أن الاتفاق الذي يمنح الكيان العبري تعرفات جمركية مخفضة لا يسري على الأراضي المحتلة عام1967 م، حتى بلدية نيويورك ألغت قانونًا كان يعاقب على مقاطعة منتجات الكيان عادًّا إياها عملًا معاديًا للسامية، وهناك فنانون وممثلون وعلماء وجامعيون غربيون كبار ألغوا رحلات إلى أراضي الـ(48) كانوا قد خططوا لها.

وفي الآونة الأخيرة علت أصوات في المجتمع المدني الأوروبي تنادي بمقاطعة منتجات الكيان العبري، وانضمت إليها رسميًّا بعض الحكومات، على خلفية استمرار تعنت الكيان في مفاوضات التسوية، وكان هذا الأمر أكثر وضوحًا في قضية (صودا ستريم)، وهي علامة شركة مقرها في مستوطنة (معاليه أدوميم)، انضمت إلى ممولي مهرجان للرسوم والفنون في مدينة “أنغولام” الفرنسية، واستعدت إلى القيام بحملة دعائية واسعة خلاله، قبل أن تفاجأ بقرار عشرات المنظمات غير الحكومية والفنانين بمقاطعة المهرجان، إذا شاركت فيه، ومن أبرز هذه المنظمات (أوكسفام) التي تخلت عن سفيرتها الممثلة الأمريكية المعروفة سكارليت جوهانسون؛ لأنها شاركت في الدعاية لـ(صودا ستريم).

لاشك أن الحراك لمقاطعة بضائع المستوطنات تصاعد منذ أطلقت نحو 170 منظمة غير حكومية فلسطينية مدعومة من المجتمع المدني في أوروبا حملة “مقاطعة، عدم استثمار، عقوبات” (BDS) في عام 2005م، وإذا كانت هذه الحملة قد بقيت دون فعالية تذكر فإنه أخيرًا بدأت دول عديدة تتجاوب معها، فتقاطع شركات مقرها في المستوطنات، من هذه الدول: النرويج والدنمارك وبريطانيا وهولندا وهنغاريا وفرنسا.

لاشك أن النجاح الذي حققته حملات مقاطعة منتجات وبضائع المستوطنات أقلق رجال الأعمال (الإسرائيليين) الذين اجتمع نحو مئة منهم لمطالبة نتنياهو باستغلال الفرصة الأمريكية للتسوية مع الفلسطينيين، حتى إن نتنياهو وصف المقاطعة الغربية هذه بـ”التهديد الإستراتيجي”، ووزير ماليته يئير لبيد توقع أن يحصل الأسوأ في هذه السنة، فذكرت دراسة لوزارته أنه في حال المقاطعة الجزئية الأوروبية، التي تمثل ثلث تبادلات الكيان العبري مع الخارج؛ ستنخفض صادرات الكيان بقيمة خمسة مليارات دولار سنويًّا على وجه التقريب.

وطالب نتنياهو “اللوبيات” اليهودية المنتشرة في الغرب بشن حملة مضادة تعد هذه المقاطعة شكلًا من أشكال معاداة السامية، لكن اليهود أنفسهم منقسمون بشأن هذا الموضوع، فمنهم كتاب ومثقفون وجمعيات وغيرها يؤيدون الضغوط على نتنياهو في سبيل “التسوية”، ومنهم من يؤيد المقاطعة الشاملة، ومنهم من يكتفي بمقاطعة المستوطنات على غرار نعوم تشومسكي الذي يقول: “إن المقاطعة الشاملة هدية للمتطرفين (الإسرائيليين) ونظرائهم الأمريكيين”.

أما الفلسطينيون الذين يؤيدون المقاطعة الشاملة فيرون أن الاكتفاء بمقاطعة المستوطنات يعني التعرض فقط للنتائج دون السبب، وهي الاحتلال؛ لأنه هو الذي تسبب في وجودها ويدعمها ويوفر لها الأمن والسلامة، ويكفل لها كل سبل الراحة، وطالما نسق مع سلطة تقف معه ضد شعبها، ورفعت معه بندقيتها في وجه المقاومة، ولا تزال على دربه سائرة تبطش وتعتقل كل من يريد أن يتظاهر نصرة للمظلومين الذين شاركت في اعتقالهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لذا نقول: إن حملة المقاطعة بدأت تؤتي ثمارًا، لكن تبقى غير كافية، إذا لم يؤازرها جهد من السلطة، التي هي أدرى بما يحدث على أراضي الضفة الغربية المحتلة الممتلئة بالمستوطنات، ويجب أن يتكاتف مع هذه الحملة مقاطعة عربية واسعة؛ كي يشعر الاحتلال أن المستوطنات أصبحت عبئًا ويجب إزالتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات