الإثنين 12/مايو/2025

وداعاً.. حكومة إسماعيل هنية

وداعاً.. حكومة إسماعيل هنية

أياً يكن الاسم الذي يحبذ الباحثون أو السياسيون أوالناس إطلاقه على الحكومة التي أدارت قطاع غزة في السنوات السبع الماضية(2007-2014) مثل حكومة تسيير الأعمال، أو الحكومة المقالة، أو حكومة حماس، أوحكومة إسماعيل هنية، فإنها حكومة تستحق وقفة تقدير وعرفان، كما تستحق وقفة نقدوتقييم.

لا يبدو تقييم أداء الحكومة التي قادتها حماس في القطاعأمراً سهلاً في الوقت الذي تشهد فيه الساحة العربية حالة استقطاب سياسي حاد في ضوءالهجمة المرتدة ضد الثورات وحركات التغيير العربية، وفي ضوء الحملة الإعلامية غيرالمسبوقة ضد ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”، وفي ضوء تراجع أداء العملالمقاوم.

غير أن إشكالية التقييم لا تبدو فقط في وجود الأجواءالموبوءة، وإنما في الأسس التي يمكن الاستناد إليها في عملية التقييم، إذ يحلوللكثيرين وضع التحسن الاقتصادي والرفاه المعيشي معياراً أساسياً للتقييم، حيث إنهالمعيار الأكثر شيوعاً عالمياً، بينما يضيف آخرون معايير الاستقرار السياسيوالاجتماعي والأمني والحريات.. وغيرها.

ولكن هل من المعقول لنظام هو عملياً تحت الاحتلال وتحتالحصار الخانق براً وبحراً وجواً، ويقود شعباً يتبنى برنامجاً وطنياً في المقاومةوالعودة والتحرير أن تتم محاسبته كما يحاسب نظام الحكم في سويسرا أو سنغافورة أواليابان؟ وهل ما يجب أن يحاسب عليه هذا النظام أساساً متعلق بتوافر السلعالاستهلاكية ووسائل الرفاه والمتعة، أم بتوافر عناصر القوة والحماية والصمود، وهلمن العدل محاسبة الثورات كما تحاسب الدول؟

هذا لا يعني بالطبع السكوت على أن تتخذ أي جهة من الثورةأو من الأوضاع الاستثنائية مبرراً للوقوع في الفساد بأشكاله أو التعدي على الحرياتأو انتهاك الحقوق، ولكن المطلوب أن يتم تقييم ما إذا كانت الجهة قد أعطت أفضل مالديها وفق الإمكانات المتاحة لتحقيق الأهداف المرجوة.

ابتداء، لم تكن “حكومة حماس” التي قادهاإسماعيل هنية مجرد “طرف انقسام”، بل حكومة “قبضت على الجمر”وهي تعبر عن تيار فلسطيني وعربي وإسلامي واسع يحافظ على الثوابت ويرفض مسارالتسوية، ونجحت في فرض احترام الخط المقاوم في كل مكان، وكانت حكومة شرعية تحظىوما زالت بأغلبية مطلقة داعمة في المجلس التشريعي الفلسطيني الذي عطله الرئيس عباسوقيادة السلطة في رام الله، وهي حكومة جرت محاولة الانقلاب عليها من خلال الفلتانالأمني.

وحسب النظام الأساسي الفلسطيني (الدستور)، تتحول حكومةإسماعيل هنية التي أقالها الرئيس عباس إلى حكومة تسيير أعمال، وهو ما لم يفعلهعباس، إنما شكل حكومة طوارئ ولم يرجع إطلاقا لأخذ الثقة من المؤسسة التشريعيةالفلسطينية للسلطة. وكانت حماس في وضع مريح في المجلس التشريعي طوال السنواتالماضية يمكنها من حجب الثقة عن حكومة عباس ومنح الثقة لأي حكومة تشكلها حماس.وبالتالي، فإن محاولة تصوير أن حماس عادت إلى “الحضن” الفلسطيني وإلى”الشرعية” الفلسطينية وأنها أنهت “انقلابها” في القطاع غيرصحيحة.

لم تكن حكومة إسماعيل هنية مجرد حالة تنافسية مع حكومةرام الله، إذ إن هناك فرقاً هائلاً بين خط يتبنى برنامج المقاومة ويدفع أثمانهاالباهظة، وبين خط يتبنى برنامج التسوية ويذوق “عُسيلتها”.

وهناك فرق هائل بين خط يتعرض للحصار الإقليمي والدولي،وتتم محاولات إفشاله وإسقاطه، ويدير وضعا يكاد يكون مستحيلاً (أو أقرب إلى كرةلهب) في قطاع غزة، وبين خط يحظى بالرضا الإقليمي والدولي، ويُفرش له “السجادالأحمر” في أوروبا وأميركا، ويتلقى مساعدات مالية بمئات الملايين منالدولارات سنوياً من هذه الدول، بينما يتابع تنسيقه الأمني مع الطرف الإسرائيلي،ويعده “مقدساً”، ويواصل مطاردة قوى المقاومة وخلاياها.

ومن جهة ثانية، فإن حكومة هنية حققت في إدارتها قطاع غزةنجاحات بارزة لخط المقاومة، وعبرت عن عزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، ووصلت الليلبالنهار في تطوير البنى التحتية للمقاومة وفي تدريب المجاهدين، ورعت قوى المقاومةالأخرى وسمحت لها بالتجهيز والتدريب والعمل.

لقد شعر كل فلسطيني وعربي ومسلم بالعزة والفخار وهو يرىأبناء قطاع غزة يلتحمون مع قوى المقاومة ومع حكومة هنية في دحر العدوان الإسرائيليالشرس، والذي خرج يجر أذيال الخيبة بعد 23 يوماً من المعارك في ما عرف بعمليةالرصاص المصبوب أو ما سمته المقاومة حرب الفرقان (27/12/2008-18/1/2009)، وهوالشعور ذاته عندما لقَن قطاع غزة بقيادة “حكومة حماس” الإسرائيليين درساًكبيراً في صد العدوان على القطاع في الفترة من 14-22/11/2012 في ما عرف بعمليةعمود السحاب، أو ما سمته المقاومة حرب حجارة السجيل.

إذ لم يعد قطاع غزة مجرد أرض وسماء مستباحة لسفك الدمالفلسطيني بعد أن تمكنت قوى المقاومة من الرد بصواريخ وصلت في مداها إلى تل أبيبوالقدس، وهددت نحو 60% من سكان الكيان الإسرائيلي، لتشكل نوعاً من توازن الردعأجبر القيادة الإسرائيلية على الهدنة، وعلى الاندحار والموافقة على فك الحصار عنالقطاع.

هذا الإنجاز لقوى المقاومة يمكن أن يقارنه الإنسانبالاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في يوم واحد سنة 1956، وكذلك احتلاله في يوم واحدسنة 1967 في مواجهة الجيش المصري في كلتا الحالتين.

ويحسب لحكومة هنية في القطاع تحقيق إحدى أفضل صفقاتتبادل الأسرى في تاريخ المقاومة الفلسطينية بعد أن تمكنت في ظروف قاسية جداً منالاحتفاظ بالأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط لأكثر من خمس سنوات إلى أن تم إطلاق سراحأكثر من ألف من الأسرى الفلسطينيين من مختلف فصائل المقاومة، من بينهم 320 أسيراًوأسيرة محكومين بالمؤبد.

هناك من يحاول أن يقارن بطريقة “غير بريئة”فيدعي أن الهدنة في قطاع غزة مع “إسرائيل” مشابهة لالتزامات السلطة فيرام الله تجاه “إسرائيل” أيضاً، بل ويضيف أن حماس تقومبـ”حماية” الحدود الإسرائيلية، والمقارنة الظالمة هنا تتجلى في أن هناكفرقاً هائلاً بين سلطة في غزة تدير برنامج المقاومة وتضبط إيقاعه، وبين سلطة فيرام الله تدير برنامج استئصال المقاومة، وأن هناك فرقاً هائلاً بين حكومة في غزةتدرب عشرات الآلاف من المقاومين وتطور الصواريخ والأسلحة الدفاعية، وبين حكومة فيرام الله منشغلة في قمع تيارات المقاومة ومؤيديها وتفكيك خلاياها، وهناك فرق هائلبين هدنة عسكرية معمَّدة بالدم في القطاع، وبين اتفاقية تسوية سلمية جعلت السلطةفي رام الله سلطة وظيفية تخدم أمن الاحتلال.

من جهة ثالثة، قد يظن كثيرون أن إدارة حكومة هنيةللاقتصاد في قطاع غزة كانت (من الناحية المهنية) أسوأ من نظيرتها في رام الله، كماقد يتوقع باحثون أنه في ظل الحصار الخانق والاعتداءات الإسرائيلية المدمرة فإنه منالطبيعي أن يكون الأداء الاقتصادي للقطاع أضعف من نظيره في الضفة.

غير أن الحقائق والأرقام الرسمية للسلطة في را

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات