الثلاثاء 13/مايو/2025

المعاني في انتخاب ريفلين

المعاني في انتخاب ريفلين

تم قبل أيامٍ قليلة انتخاب الرئيس العاشر لــ «دولةإسرائيل»، مرشح حزب الليكود، الرجل اليميني المتطرف (رؤوبين ريفلين) خلفاً لشيمونبيريز آخر من بقي تقريباً من جيل المؤسسين للدولة العبرية الصهيونية. فشيمون بيريزيُغادر موقعه كرئيس فخري للدولة العبرية بعد سنوات طويلة حافلة في ميدان العملالسياسي والأمني وحتى العسكري في الدولة العبرية منذ أن سلمه ديفيد بن غوريونمنصبه الأول كمدير عام لوزارة الحرب في «إسرائيل» عام 1954، حيث يغادر موقعه الآنتاركاً وراءه تاريخاً شخصياً مُتخماً بالتقلبات السياسية والتحالفية وحتى فيالانتماءات الحزبية بدءاً من حزب العمل، الحزب المؤسس للدولة العبرية الصهيونية،وانتهاء بانشقاقه وخروجه مع كتلة (حزب كاديما) قبل بضع سنوات، حتى لقبه العديد منالمتابعين بــ (جوكر) الأحزاب الصهيونية، فيما أطلق عليه آخرون لقب (ثعلب السياسة)في الدولة العبرية.

رؤوبين ريفلين هو الرئيس العاشر، اليهودي الإشكنازي ذيالأصول الغربية، فترتيب الرؤساء في «إسرائيل» كان وفق التالي: حاييم وايزمن، إسحقبن تسفي، زلمان شازار، أفراييم كاتزير، إسحق نافون، حاييم هرتسوغ، عازر وايزمان،موشيه كتساب، شيمون بيريز. الذين لم يكن منهم من رئيس شرقي من يهود السفارديم سوىموشيه كاتساب (موسى القصاب) اليهودي الإيراني الأصل، والذي استقال من منصبه قبل أنينهي فترته بالرئاسة نتيجة فضيحة أخلاقية مازالت تلاحقه حتى الآن.

منصب الرئاسة في «إسرائيل» منصب صوري فخري، وإلى حد كبيرغير سياسي، بل تكريمي ومعنوي جداً، فسلطات الرئيس محدودة، وليس له حق حضوراجتماعات مجلس الوزراء ولا الاعتراض على التشريعات التي يُصدرها الكنيست، حيثالقوة التنفيذية الحقيقية تقع في يد رئيس الحكومة الإئتلافية وهو في الوقت الراهنبنيامين نتانياهو. لكن قوة الحضور المعنوي للرئيس في «إسرائيل» لها تأثير ولوبشكلٍ غير مباشر في المساهمة بمطبخ القرار السياسي على أعلى مستوياته. حيث يتمانتخاب رئيس الدولة في «إسرائيل» من قبل الكنيست لمدة خمس سنوات قابلة للتجديدلمرة واحدة فقط.

رؤوبين ريفلين، هذا السياسي وعضو الكنيست الحالي والوزيرالسابق المُتطرف، ينتمي الى الجناح الأكثر تشدداً في حزب الليكود اليميني، وقدلَمَعَ نجمه خلال السنوات العشر الأخيرة في ميدان السياسة وصناعة القرار في«إسرائيل» وذلك من خلال اصطفافه الفج والفاقع الى جانب كُتل وتيارات وعتاولة التطرفداخل حزب الليكود وداخل الكنيست، وهو المعروف بعدائه الشديد لفكرة الدولةالفلسطينية المستقلة ومايسمى بــ (حل الدولتين) انطلاقاً من فلسفة اليمين«الإسرائيلي» بشقيه التوراتي والقومي العقائدي والتي تقول بأرض «إسرائيل» الكاملةعلى كامل أرض فلسطين التاريخية.

انتخاب (رؤوبين ريفلين) من قبل الكنيست جاء وسط تنافسشديد مع المرشح الآخر وعضو الكنيست (البرلمان) الحالي من حزب الحركة (مائير شطريت)وهو يهودي شرقي (سفارديم) من أصولٍ مغربية، حيث حصل ريفلين، على (63) صوتاً مقابل(53) صوتاً حصل عليها منافسه النائب مائير شطريت، من حزب الحركة الذي تتزعمه وزيرةالعدل تسيبي ليفني، علماً أن الأخير تقلب أيضاً في انتماءاته الحزبية داخل«إسرئيل» خلال العقود الماضية.

ويشار الى أن المرشح الثاني للرئاسة، مائير شطريت، تربىتاريخياً في مدرسة حزب العمل (حزب المابام)، الحزب التاريخي المؤسس للدولةالعبرية، وهو شخص براغماتي وله باعٌ طويل في التجربة السياسية والحزبية داخل«إسرائيل» وإن كان من الجيل الثاني بعد جيل المؤسسين.

الى ذلك، تُشير معظم المصادر في «إسرئيل» الى أن عمليةانتخاب الرئيس الجديد، ومارافقها من احتكاكات حزبية داخل الأحزاب «الإسرائيلية»الكبرىكانت بمثابة بروفة للمرحلة التالية والمتوقع لها أن تَشَهد اصطفافات جديدة على ضوءالصراعات المُتجددة بين مراكز القوى داخل تلك الأحزاب وعلى رأسها حزب الليكود.فانتخاب عضو الكنيست رؤوفين ريفلين رئيساً للدولة، فتح الباب أمام سباق على قيادةحزب الليكود ومعسكر اليمين والمرشح القادم لرئاسة الحكومة، حيث بانت بشكل واضح قصةسياسية تجرى في هامش الحلبة السياسة «الإسرائيلية» حتى الآن، وهو الصراع علىالقيادة المستقبلية في الدولة العبرية وعلى قيادة الأحزاب الكبرى في الخريطةالسياسية في «إسرائيل» التي ستقرر مسار الأمور في المرحلة التالية.

كما كَشَفَ فوز (رؤوبين ريفلين) عن الحالة الداخليةالمُتهتكة داخل حزب الليكود، وهو الحزب القائد للائتلاف الحكومي، كحزب مُتصارعومُنقسم داخلياً، حيث تراجعت مكانة بنيامين نتانياهو وتراجعت معها سطوته بشكلٍكبير على القرار في «إسرائيل» في ظل ظهور التململ من أدائه من قبل أعضاء الكنيستمن حزب الليكود الذين ضاقوا ذرعاً منه. فإنتخاب رؤوبين ريفلين جاء بالضد من رغبةنتانياهو الذي اضطر للنزول عند رغبة كتلة الحزب في الكنيست فقام بالتصويت لصالحرؤوبين ريفلين، وبعد أن فشلت مساعيه في تمرير مُرشح آخر ومقبول من داخل كتلةالليكود البرلمانية.

وفي الجانب المتعلق بأحزاب الائتلاف الحكومي، فإن فوزرؤوبين ريفلين جاء أيضاً على الضد من رغبة حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الخارجية«الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان، الذي كان في موقفه الضمني معارضاً لترشيح (رؤوبينريفلين) من منطلق سعيه لفوز مرشح آخر من حزبه، لكنه لم يجد الإمكانية والبديللتقديم مرشح من كتلته النيابية (كتلة حزب إسرائيل بيتنا) في ظل قيادة حزب العملللائتلاف الحكومي في الدولة.

وعليه، إن انتخابات الرئاسة «الإسرائيلية» هذه المرة،جاءت مجبولة بمعان ودلالات كبرى تلخص الى حد بعيد مايجرى من تحولات داخل الأحزابالرئيسة في «إسرائيل»، وقد دلت على فوز المعارضة الداخلية في الأحزاب. فضلاً عنتصويت بعض المعارضة للمرشح الليكودي، ومنهم سبعة أعضاء في الكنيست من حزب العمللصالح انتخاب رؤوبين ريفلين على الضد من رغبة حزب العمل التي كانت تتجه للتصويتلصالح المرشح (مائير شطريت) باعتباره الأقرب سياسياً لخط حزب العمل.

وبالنتيجة، إن صعود شخصية مُتطرفة محسوبة على صف اليمينفي «إسرائيل» لموقع رئاسة الدولة، لايبشر بالخير، ويشير للحالة المجتمعية«الإسرائيلية» الداخلية التي باتت تنحاز كل يوم أكثر فأكثر باتجاه سياسات اليمين،في وقت باتت فيه عملية التسوية تائهةٍ في وادٍ سحيق، بعد فشل الخطة الأميركيالأخيرة التي كان قد قدمها وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل نحو عامٍ مضى.وبالتالي فنحن أمام مرحلة قادمة لاتحمل في طياتها سوى المزيد من التدهور في مساراتالحركة السياسية على جبهة الصراع الفلسطيني والعربي مع الاحتلال «الإسرائيلي».

صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات