بعد مصالحة «فتح» و«حماس».. الحاجة إلى «تيار ثالث»

تبارى المحللون في شرح حاجة كل من حركتي «فتح» و«حماس»إلى إنهاء الانقسام والشروع في المصالحة. والواقع أنها كانت ولا تزال حاجة عربيةوإقليمية. ونقول «لا تزال» لأن حكومة التوافق مجرد خطوة واضحة في رمزيتها، ولاتعبّر سوى عن دخول الطرفين «مرحلة انتقالية» سيُصار فيها للعودة إلى صناديقالاقتراع لتجديد الشرعية لرئاسة السلطة الفلسطينية كما للمجلس التشريعي. فهل هناكمخاوف يمكن أن تتجدد فتعطّل مسار «المصالحة» أو تعرقل بعض المحطات المهمة فيبرنامجها؟
كان الانقسامبثّ كثيراً من اليأس في مساعي التقريب بين الحركتين، خصوصاً في أوساط عربية ودوليةواظبت على الاهتمام بالقضية الفلسطينية رغم التطورات المتسارعة، بفعل انتفاضات«الربيع العربي» التي غطّت عليها أو أحالتها إلى مراتب ثانوية. ولعل العبرالرئيسية من تجربة الانقسام أنها: أولاً، وفّرت للاعبين الإقليميين والدوليين حلبةلاستكمال صراعاتهم من دون أن تعود على القضية وشعبها بأي مكسب يمكن أن يبنى عليه.وثانياً، أنها في أفضل الأحوال لم تضف إلى أي طرف امتيازاتٍ تعزز موقعه أو تحسّنموقفه في مواجهة العدو الإسرائيلي المحتلّ. وثالثاً، أن طول الأزمة والمعاناة التيرافقتها زادا من التباعد ومكّنا العدو من تكريس الانفصام الجغرافي باعتباره واقعاًصنعه الفلسطينيون أنفسهم، حتى إن الحديث عن «شعبَين» صار سائداً ومُستَسهَلاً.ورابعاً، أن الواقع الذي نشأ لم ينسف فقط الثقة التي بُنيت سابقاً بالنضالالمشترك، بل أفسدت إمكانات إعادة تأسيسها.
كانت انتخابات 2006 فعلاً ديمقراطياً بامتياز، وما لبثتأن صارت سريعاً «فخّاً» نصبه الفلسطينيون لأنفسهم من دون أن يقصدوا. لا شك أنهااستبقت كل تجارب إيصال تيار الإسلام السياسي إلى السلطة عبر الانتخابات، والجميعيذكر أن «حماس» نفسها فوجئت بالنتيجة ثم تهيبت الموقف الذي دفعها إلى سدّةالمسؤولية. الأرجح أن الناخب أراد إطلاق إنذارات سواء فيما يتعلّق بسير المفاوضاتمع الإسرائيليين، أو بإدارة السلطة بجانبيها السياسي والأمني وما أفرزته من ظواهرفوضى وفساد. تلك اللحظة وضعت «حماس» أمام لزوم التصرّف بموجب «الرسالة» التيأطلقها الناخبون عبر صناديق الاقتراع من جهة، وأمام ضرورة عدم التفريط بما بلغهالشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية من جهة أخرى. وبطبيعة الحال كانت تتطلّب منهاومن «فتح» أقصى الحكمة والحنكة والواقعية، فهناك مَن توجّب عليه الاعتراف بأنه لنيستطيع مواصلة الاستحواذ على السلطة، وفي المقابل مَن توجّب عليه الاعتراف بأنهليس جاهزاً لتسلّم السلطة.
المؤكد أن جناحي المعادلة السياسية، «فتح» و «حماس»، لميدركا دقة تلك اللحظة، وبالتالي لم يناقشا جيداً الواقع الذي طرأ وانعكاساته علىالقضية، بل لم يدرساه في إطار مشروع أو أجندة وطنيين وإنما بدوَا معنيين بماسيترتّب عن توزّع السلطة. وكان على الطرفين، الفائز والخاسر في الاقتراع، أنيعترفا بأن الأمر لا يتعلّق بـ «انقلاب» بل بالتزام تصحيح الأوضاع. في أي حال كانالموقف صعباً وشائكاً، وبمعزل عن أي صيغة للحكم كان يمكن الاتفاق عليها فإن الجانب«العقائدي» عند «حماس» كان ليفيد القضية كمحرّك للرأي العام الفلسطيني ومحفّز علىتصويب السياسات لا على قيادتها، أقلّه بسبب نقص الخبرة والكوادر وكذلك لأن الحركةأدخلت نفسها في استقطابات إقليمية على تناقض تام مع العلاقات التي ارتبطت بهاالسلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، ما عنى وقتئذ زجّ القضية في صراعات كبرى -لا تزالقائمة عملياً- من دون حسابات دقيقة.
أدّى التقليل من شأن تلك الاستقطابات إلى الوقوع فيمطبّات تلك الصراعات. والمؤسف أن تيارات الإسلام السياسي العربية قرأت خطأً تجربة«حماس» وبنت عليها، فارتكبت الأخطاء ذاتها، واستنتجت المنطق «الانقلابي» نفسه.ورغم أن «حماس» مرّت بمعاناة شاملة (حصار وحرب وتجويع..) إلا أنها عادت فقرأتبدورها خطأً صعود التيار الإسلامي هنا وهناك. كان مفهوماً أن خصوصية وضع«اللادولة» الفلسطيني حاسمة في عدم تسهيل «ترف» تسلّم السلطة انسجاماً مع نتائجالانتخابات، إلا أن التقلّبات التي تشهدها دول مثل مصر وتونس فضلاً عن ليبيا أظهرتأيضاً أن تسلّم التيار الإسلامي السلطة إشكالي أكثر مما يحظى بتلقائية القبولالمجتمعي. فالتعاطف الشعبي لا يشكّل تفويضاً سياسياً ولا يمكن أن يترجم بمثابةالتزام عقائدي.
هل أصبحت هذه الاعتبارات وراء «حماس» و «فتح» بعدمصالحتهما؟ لا شيء مؤكد، بل إن الإشكالية قد تتجدّد وتتفاقم مع الانتخاباتالمزمعة، وإذا كان الخيار محصوراً بينهما فما الذي سيمنع الناخبين من تكرار إنتاجالإرباك نفسه طالما أن «فتح» لم تصحح وضعها بشكل مقنع فيما هي تواجه تهميشاًمتعمَّداً من جانب السلطة، وطالما أن «حماس» لا تزال تستخدم الشعبوية اعتماداً علىأن الجمهور الناقم يرتاح إلى خطاب قوي حتى لو كان متواضع الجدوى أو مضللاً. الأكيدأن الساحة الفلسطينية أصبحت بحاجة ماسّة إلى تيار ثالث يضع المشروع الوطنيالفلسطيني في إطار مدني يُخرج «السلطة» من قفص الخيار الأوحد (التفاوض) الذي بانعقمه، ويحرّر الآخرين («حماس» وسواها) من مفهومهم الضيّق للمقاومة الذي ارتفعتكلفته الدموية وتضاءلت جدواه. ثمة أبواب انفتحت أمام الفلسطينيين لممارسة نمط منالمقاومة الشعبية، على أن تواكبها خطوات سياسية صلبة تفعيلاً لوضعية «الدولة» التيأقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وما أتاحته من خيارات، ذاك أن دولة الاحتلالباتت أكثر إدراكاً لإزعاجات تلك الخيارات التي لا تزال «السلطة» متلكئة فياعتمادها.
صحيفة العرب القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...