إسرائيل تنكل بالمعتقلين الإداريين

التنكيل بالأسرى الفلسطينيين سياسة”إسرائيلية” ثابتة تحركها دوافع عدوانية عنصرية، تحيلها إلى سياسة فاشيةمكتملة الأركان، عندما يقرر هؤلاء الأسرى، أو بعض منهم، خوْض معارك نضالية دفاعيةسلمية الأشكال، في مقدمتها الإضراب المفتوح، أو الجزئي، عن الطعام. لكن التنكيلبنحو 200 معتقل إداري مضربين عن الطعام منذ 24 إبريل/نيسان الماضي، تخطى كل حدودالمعتاد أو المألوف في القمع “الإسرائيلي” لإضرابات الأسرى السابقة.كيف؟
بالعادة، وبشكل عام، تتريث “إدارة مصلحة السجونالعامة”، الذراع التنفيذية لسياسة القمع “الإسرائيلية”، قبل أنتلجأ إلى الاجراءات الأشد قسوة لكسر إرادة الأسرى المضربين، لكنها لم تفعل ذلك معإضراب المعتقلين الإداريين الجاري، حيث نقلتهم منذ اليوم الأول للإضراب إلى أقسامالعزل في أكثر من سجن. وعلى عكس المعتاد أيضاً، لم يجرِ الحوار مع قيادة الإضرابإلا بعد نحو شهر من إعلانه. بل، وهنا الأهم، لم يكن الوفد المحاور من “إدارةمصلحة السجون” بل من جهاز المخابرات “الإسرائيلية”، (الشاباك)،الذي لم يبدأ الحوار، كما جرت العادة، بدعوة الأسرى إلى فك إضرابهم مع وعد بفحصمطالبهم، بل بالقول حرفياً: “مطلبكم بإنهاء اعتقالكم الإداري غير قابل للنقاشبأي حال من الأحوال… وإنكم أنتم، (أي أعضاء قيادة الإضراب)، من يتحمل مسؤوليةموت أي زميل من زملائكم”. وأكثر من ذلك، فقد كرر الوفد المخابراتي في اللقاءالثاني الإجابة -التهديد- ذاتها، حتى بعد أن أعلن 20 مريضاً من المضربين الامتناععن تناول الدواء، ما يعني أن احتمال استشهاد بعضهم- على الأقل- صار مرجحاً. والأشدوحشية هو إقدام إدارات أقسام العزل على سحب عبوات المياه المعدنية من زنازينالمضربين عن الطعام لإجبارهم على شرب المياه من صنابير المغاسل والمراحيض، ما أدىإلى تردي صحة كثير منهم، ونقلهم إلى المستشفيات، حيث أثبتت الفحوص المخبرية أنتناول المياه الملوثة هو السبب. علماً أن تناول الماء والملح هو ما يمنع تعفنأمعاء المضرب عن الطعام وموته.
وفي خطوة أكثر وحشية قدمت لجنة وزارية بإيعاز من نتنياهورئيس حكومة المستوطنين، مشروع قانون يتيح ل”إدارة مصلحة السجون”، تغذيةالأسرى المضربين قسراً، أي من خلال إدخال “بربيش بلاستيكي” في فم المضرببعد “تربيط” أطرافه وضبط حركة بطنه وصدره، أو في فتحة أنفه، إن هو أغلقفمه. وللعلم فإن ما يسمى “محكمة العدل العليا” في “إسرائيل”،كانت اتخذت في عام 1980 قراراً يقضي بأن تناول الأسير المضرب عن الطعام لكوب حليبممزوج بالملح لا يعني كسر إضرابه. وذلك بهدف تجنب اللجوء إلى “التغذيةالقسرية” التي تسببت في استشهاد أربعة من الأسرى الفلسطينيين، هم: أول شهداءالإضرابات عن الطعام، القائد عبد القادر أبو الفحم، (في إضراب أسرى سجن عسقلان،1970)، والقادة: راسم حلاوة، وعلي الجعفري، وإسحق مراغة، (في إضراب أسرى سجن نفحةالصحراوي، 1980). والسؤال: لماذا تلجأ حكومة “إسرائيل” وجهاز مخابراتهاوإدارة سجونها، إلى كل هذه الإجراءات الفاشية غير المسبوقة لكسر إضراب المعتقلينالإداريين المطالبين بإنهاء اعتقالهم التعسفي، رغم أن من شأنها، (الإجراءات)، أنتودي بحياة بعضهم؟!
من تجربتي أسيراً سابقاً أمضى-على دفعات- 14 عاماً فيالاعتقال الإداري، يمكنني القول: يعلم جهاز المخابرات “الإسرائيلي” أنالاعتقال الإداري هو أكثر حلقات السياسة الأمنية “الإسرائيلية” قابليةللكسر. ليس لأن هذا النوع من الاعتقال أصبح من مخلفات الماضي فقط، على الأقل، منذنشوء أنظمة “الديمقراطية الغربية” قبل قرون. بل أيضاً، وهنا الأهم، لأن”إسرائيل” المصنفة زوراً بأنها “واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرقالمستبد”، تمارس الاعتقال الإداري، سياسةً ثابتةً، وفقاً ل”قانونالطوارئ” البريطاني في عهد الانتداب، بل وتتمادى في ممارسته بصورة تفوقتطبيقاته في جنوب إفريقيا في مرحلة نظام الفصل العنصري البائد، حيث لم يكن متاحاًاللجوء إلى الاعتقال الإداري بصورة واسعة، ولا تمديد مدته تلقائياً، فيما يتمتمديده في “إسرائيل” أوتوماتكيا لسنوات، وبحق المئات من الفلسطينيين، بلالآلاف كما حصل، (مثلاً)، في فترة الانتفاضة الأولى، (1987-1993)، والانتفاضةالثانية، (2000-2004). وأكثر من ذلك، فإن إصدار أمر الاعتقال الإداري يقع ضمن صلاحياتضابط المخابرات المسؤول عن قرية أو مخيم أو حي مديني، أما التهمة فجاهزة لكل معتقلإداري، هي: “يشكل خطراً على أمن الجمهور والمنطقة”، بناء على “ملفأمني سري”، لا يحق للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليه. ما يعني سيطرة السلطاتالتنفيذية للاحتلال وأذرعها الأمنية، خصوصاً، على “القضاء”، وهو العسكريأصلاً، بصورة تفوق، أو تساوي على الأقل، ممارسات سلطات الطغم العسكرية الفاشية فيبلدان أمريكا اللاتينية في زمانها، ما يفسر لماذا ترفع جهات سياسية وإعلاميةومنظمات حقوقية ومجتمعية “إسرائيلية”، صوتها ضد تطبيقات سياسة الاعتقالالإداري في “إسرائيل”. ماذا يعني هذا الكلام؟
إن حكومة “إسرائيل” وأجهزتها الأمنية تخشى هذهالمعركة البطولية التي يخوضها المعتقلون الإداريون، وتعمل على كسرها بكل وسيلة،لعلمها أنه يمكن لهؤلاء المعتقلين أن ينتصروا، ويحققوا جوهر مطالبهم، في حال طرحتالسلطة الفلسطينية قضيتهم على مؤسسات هيئة الأمم وطالبتها بتطبيق اتفاقية جنيفالرابعة. ولست أدري لماذا التقاعس هنا، بينما حياة هؤلاء المعتقلين في خطر حقيقي،عدا أنهم جزء من أسرى، (دولة نالت عضوية هيئة الأمم)، تجشموا، ولا يزالون، مشاقالرباط في الخنادق الأولى للنضال الوطني الفلسطيني، وصنعوا، جيلاً بعد جيل، ملحمةنضالية وطنية قل نظيرها في تاريخ حركات التحرر الوطني. بل ملحمة إنسانية نادرةتمتزج فيها صور البطولة والمعاناة، وظلوا، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، صامدينمقاومين كجبال راسخة ملأتها حقول العطاء، يشقون غبار معارك ممتدة ويومية، كفرسانما ترجلوا تعباً أو هزيمة، بل ظلت عيونهم المتوقدة ترنو إلى العلا وآفاق انبلاجفجر الحرية لهم ولشعبهم ما انفكوا يرفدونه بأفواج متلاحقة من المناضلين والقادةالأشداء غير المظهريين الذين تسبق أفعالهم أقوالهم، ويصمدون أمام الإغراءات مهما تعاظمت،وأمام المحن مهما اشتدت، فصاروا، بعد الشهداء، ضمير الشعب الذي لا يصدأ، وملحالأرض الذي لا يفسد، وينبوع الثورة الذي لا ينضب، وحارس قيم المقاومة وثقافتهاوبنيتها الذي لا يخلي خندقه. وبكلمات: ثمة واجب وطني وقومي وإنساني لنصرة هؤلاءالأبطال وعمل كل ما يمكن عمله لإنقاذهم، فيما أرواحهم معلقة بخيط رفيع بين الحياةوالموت.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...