الإثنين 12/مايو/2025

بؤس عباس وفريقه المفاوض

أسامة أبو ارشيد

لا يفتأ رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، يردد بأن لا خيار آخر أمام الفلسطينيين غير خيار المفاوضات مع إسرائيل، وبأنه لن يسمح أبدا بانتفاضة جديدة أو بتصعيد شعبي فلسطيني مع إسرائيل.

أيضا، لا تتردد سلطته وأجهزتها الأمنية باستكمال مشوار العمالة لقوات الاحتلال الصهيوني، ولم تكن عملية مخيم جنين في الثاني والعشرين من الشهر الماضي والتي قتل فيها جيش الاحتلال المطارد القسامي، حمزة أبو الهيجاء، ومقاوِمَيْنِ آخرين من سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، غير صفحة سوداء جديدة تنضاف إلى صفحات كتاب عار هذه السلطة، خصوصا بعد أن فضحت إسرائيل المستور (المعروف) بأن الجريمة تمت بتنسيق مع سلطة المقاطعة في رام الله.

كان يمكن أن نحاول تفهم خط عباس الفاضح لو أن جولاته التفاوضية مع الكيان الصهيوني تؤتي أكلا، ولكن أن تكون هذه المفاوضات غطاء لمزيد من بلع الأرض الفلسطينية وتهويد القدس وتدمير أي فرصة لقيام دولة فلسطينية متواصلة وذات سيادة وحدود على ما تبقى من الضفة الغربية المحتلة عام 1967 مع قطاع غزة-(لاحظ أننا لا نتحدث هنا عن فلسطين التاريخية-ولا حتى عن عودة اللاجئين)، ثمّ يتحفنا عباس بأن لا بديل غير داء الرمد فإن هذا فيه إسفاف واستحماق لا يعقلان.

الغريب أن عباس وفريقه المفاوض، من أصحاب نظرية أن لا خيار إلا خيار التفاوض مع إسرائيل، هم أنفسهم من يحذرون ويرغون بأن إسرائيل تستخدم المفاوضات كغطاء لتدمير ما تبقى من الحق الفلسطيني… حسنا، فما البديل إذن؟ يقول لك أولئك أن البديل هو التفاوض! ولا تسألني بعد ذلك كيف تحل هذه المعادلة، فحتى أذكى أذكياء الأرض لن يملك لها حلا، لأنها ببساطة من نوع المعادلات المستحيلة.

عباس وفريقه يقولون بأن ما يريدونه هو دولة فلسطينية على أساس من حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مع تبادل محدود للأراضي، وحل “متفق عليه” لقضية اللاجئين. أيضا الأمريكيون والإسرائيليون يقولون قريبا من ذلك.

غير أن الطرح الأمريكي-الإسرائيلي يقوم على التالي: ضم ما نسبته 80% من المستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال بما مجموعه 85-90% من المستوطنين، وإعلان دولة فلسطينية “في القدس”، ولكنها ليست “القدس الشرقية” المحتلة عام 1967، وإنما على أطرافها، كبيت حنينا أو أبو ديس مثلا، في حين تصر إسرائيل على أن يبقى غور الأردن تحت سيطرتها. وبغض النظر عن حقيقة كون غور الأردن هذا يمثل سلة غذاء الضفة وخزان مياهها الجوفية وحدودها مع الأردن، أي منفذ “دولة فلسطين” المستقبلية إلى العالم الخارجي، فإنه أيضا يمثل ما نسبته 27% من مساحة الضفة الغربية.

بمعنى أنه إذا ما أخذنا في الاعتبار ما ابتلعه جدار الفصل من مساحة الضفة، بالإضافة إلى غور الأردن والمساحات التي تحتلها المستوطنات، فإن ما سيحصل عليه الفلسطينيون هي النسبة التي طرحها شارون من قبل: 42% من مساحة الضفة الغربية!

قد يقول البعض وماذا عن تبادل الأراضي؟ وأقول باختصار إن التبادل ليس مطروحا على أساس 1 مقابل 1، وذلك إذا ما أخذنا الحسابات الإسرائيلية أعلاه. أضف إلى ذلك، أن التصور الإسرائيلي يتمحور أكثر على تبادل سكان، بحيث تتخلص إسرائيل من “الفائض” السكاني العربي في المثلث داخل أراضي 1948، وذلك لتعزيز الأغلبية اليهودية. أما في موضوع اللاجئين، فحتى عباس، يقولها وبوضوح أنه لن تكون هناك عودة معتبرة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل دولة الاحتلال.

من خلال العرض الموجز السابق، فإنه حتى مع أخذ قرار عباس، يوم الثلاثاء 1-4، بالاعتبار، والذي وقع بموجبه على الانضمام إلى 15 معاهدة وهيئة دولية ردا على مماطلة إسرائيل بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى حسب اتفاق استئناف المفاوضات الذي رعاه جون كيري في تموز/جولاي الماضي، فإن الموقف الفلسطيني الرسمي لا زال غير مفهوم ولا مبرر، خصوصا مع تأكيد عباس أن هذا لن يعني خروجه من المفاوضات!

صحيح أن عباس وفريقه لا زالوا يعارضون حتى الآن الرضوخ إلى الشرط الإسرائيلي الوقح بالاعتراف بدولة الاحتلال كـ”دولة يهودية”، وذلك في مسعى لنقض حقوق السكان الأصليين ممن يسمون “عرب إسرائيل” ودفن حق العودة وإلغاء الذاكرة الفلسطينية وتشريع رواية السطو الإسرائيلية-اليهودية.. وهذا الموقف يسجل إلى الآن لهذه السلطة، غير أن ذلك غير كاف، تماما كما أن التوجه إلى الأمم المتحدة واتفاقاتها ومنظماتها، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، غير كاف أيضا.

حان الأوان أن يدرك عباس، أن مستقبل فلسطين أكبر من حساباته الشخصية وحسابات قادة سلطته المنتفعين من كونهم وكلاء عن الاحتلال. مسار المفاوضات الهزلية فاشل باعترافهم هم، والولايات المتحدة ليست وسيطا نزيها.. هذا هو بالضبط ما يقولونه هم.

فليس أقل الآن من العودة إلى الحاضنة الشعبية الفلسطينية وإخراج ورقة المصالحة الوطنية من الأدراج الإسرائيلية-الأمريكية والعمل على تطوير برنامج وطني فلسطيني جامع يتوافق على الحدود الدنيا المقبولة فلسطينيا في هذه المرحلة، وخيارات الشعب في حال لم يتحقق هذا البرنامج.

العمالة الأمنية لم تنل تقديرا إسرائيليا للعميل، والمفاوضات الهزلية لم تحقق الدولة، ووضع كل بيضنا في السلة الأمريكية لم يمنع كسرها، فمتى تقدمون فلسطين وقضيتها وشعبها على مصالحكم الشخصية وتضخم الأنا لديكم؟ شخصيا لا أظنكم ستفعلون، ولكن الشعب الفلسطيني صاحب مفاجئات وهو لا شك سيفاجئكم قريبا، كما فاجأكم من قبل، وحينها بإذن الله ستكنسون إلى مزابل التاريخ، فالقضية لن ترهن أبدا لمصالحكم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات