عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

حماس بعد العاصفة

د. أيمن أبو ناهية
نصبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السرايا بغزة أمس عرسًا وطنياً لإحياء ذكرى استشهاد قادتها العظام، الذين حملوا أمانتها حتى نالوا الشهادة في سبيل الله، فالشيخ المجاهد أحمد ياسين هو المؤسس الأول للحركة في مطلع الثمانينيات بعد أن شعر أن شجرته قد نضجت وأينعت، وآن أوان الانطلاق نحو برنامج مقاومة الاحتلال، فكانت نواة التنظيم المسلح عام 1982م، التي ما لبثت أن وقعت في قبضة الاحتلال، وصولاً إلى أسر الشيخ والحكم عليه بالسجن ثلاثة عشر عاماً، قبل أن يخرج بعد ذلك بثلاث سنوات في عملية تبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية عام 1986م.

أكمل الشيخ مشواره بإتمام بناء الحركة، إلى أن جاءت لحظة الانطلاقة مع اندلاع الانتفاضة الأولى التي خرجت من المساجد في مخيم جباليا، وعلى رأسها رجاله ومريدوه، حدث ذلك والحركة الوطنية الفلسطينية في وضع سيئ بعد الخروج من بيروت، في حين كانت أطر الداخل التابعة لها عاجزة عن مباشرة فعل نضالي مكلف للاحتلال.

بارك الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وباقي قادة الحركة تأسيس الذراع العسكرية للحركة (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، ليبدأ الفعل العسكري في القطاع وصولاً إلى الضفة الغربية، فبرزت حماس في الانتفاضة الأولى رقمًا صعبًا يوازي جميع القوى الوطنية، ومنها حركة فتح، وكانت للحركة بياناتها الخاصة وإضراباتها وفعالياتها، وعلى هذه الخلفية بدأ مسلسل مطاردة الاحتلال للحركة. ومع تنفيذ قرار إبعاد قادتها إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992م بدأت العمليات الاستشهادية الحمساوية في عمق الأراضي المحتلة، ما أكد أنها بالفعل الرقم الأصعب في المعادلة الفلسطينية، لكن الواقع العربي والدولي ظل على انحيازه إلى فتح ومنظمة التحرير، فكان اتفاق أوسلو الذي طارد خلاياها المسلحة، وبنيتها التحتية أيضاً، لكن تجذّر الحركة في الواقع الفلسطيني كان أكبر من قدرة أي حرب على تحجيمها، بل إن شعبيتها كانت في تصاعد تبعاً لمعاناتها من قمع الاحتلال وسلطة أوسلو الفاسدة في آن واحد.

إن تراث أحمد ياسين والرنتيسي هو أمانة بيد قيادة الحركة في الداخل والخارج، وعليهم ألا يحيدوا عنه، مهما كلفهم الأمر؛ فلا أغلى من أرواح الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل إعلاء كلمة التوحيد والدين، فالمحافظة على ذلك التراث العظيم الذي تركه الياسين والرنتيسي وصيام والمقادمة وشحادة، وباقي شهداء الأمة تتحقق بالتمسك بالثوابت الوطنية وخيار المقاومة، بما تيسر، لكن أهم من هذا كله أن يكون الجهاد في سبيل الله أسمى أمانيها، وهذا الذي لم تغادره وتغيره الحركة على الرغم من كل ما أصابها من قريب ومن بعيد، وفي العموم إن مسيرة المقاومة والجهاد تتقدم وتتراجع بحسب الظروف.

المهم أن تبقى الراية مرفوعة، وقد فعلت الحركة ذلك من قبل عندما قاطعت الانتخابات عام 1996م، واستمرت في برنامج المقاومة في الحد الأدنى إلى أن اصطدم أوسلو بالجدار المسدود صيف عام 2000م، ولا يزال في حالة صدام بالجدار المسدود إلى أبعد الحدود.

كلنا ثقة في أن هذا التراث الرائع لن يضيع؛ لأن العمل الإسلامي المقاوم هو وحده القادر على تحرير فلسطين واستعادة الكرامة للأمة، وما يزيدنا ثقة في ذلك هو المصير المحتوم لبرنامج التفاوض المفلس، بل لعموم المشاريع الأميركية (الإسرائيلية) التصفوية في المنطقة.

اليوم تقف حماس أمام مفرق طرق صعب، فهي من جهة تقبض على تراث رائع من البطولة والتضحية جعلها الحركة الأكثر شعبية في العالم الإسلامي، في حين تعيش أزمة بدأت تطرح الكثير من الأسئلة حول دورها وحضورها؛ لأن الجماهير لا تمنح أحداً (شيكاً) على بياض، بل تبايع على أساس خطاب معين، وتسحب بيعتها إذا تغير، وهو ما أرادت الحركة التحقق منه لتجديد البيعة والمبايعة الجماهيرية لها ولقادتها الأحياء قبل الأموات وفي الداخل قبل الخارج، ولعل الأعداد الغفيرة التي نزلت واحتشدت في السرايا لهي دليل قاطع على تجديد المبايعة، وهي رسالة للجميع كي تخرس ألسنة كل من تآمر وتلسن بشيء يسيء إليها وإلى شهدائها العظام، بأنها لا تزال صامدة على الرغم من الحصار والعدوان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات