الإثنين 01/يوليو/2024

خلاف دحلان-عباس صناعة خارجية لتشويه القضية وإخضاع السلطة (تحليل)

خلاف دحلان-عباس صناعة خارجية لتشويه القضية وإخضاع السلطة (تحليل)

لم يكن توقيت الخلاف الذي طفى على السطح بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان عشوائيا، بل يرى مراقبون ومحللون أنه جزء من مؤامرة أمريكية صهيونية كبيرة لفرض أمر واقع وحصر السلطة في الزاوية، أثمر فيما أثمر عن تشويه كبير في جسد القضية النضالية الفلسطينية.

وبغض النظر عما إذا كان دحلان خيارا أمريكيا لقيادة السلطة في المرحلة القادمة أو إذا كانت ورقة عباس قد احترقت واقتربت نهائيته، يؤكد المراقبون والمحللون الذين تحدثوا لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ الطرفين خاسران في نظر الشعب الفلسطيني الذي يواجه الحصار والاحتلال بينما ينشغل القادة بمراشقات شخصية.

يشار إلى أن عديد من القيادات السياسية والمحللين الذين حاول “المركز الفلسطيني للإعلام” التواصل معهم بشأن هذه المسألة رفضوا الحديث، ووصفوا هذا الخلاف بالعار والمهزلة التي لحقت بسمعة الشعب الفلسطيني ومسيرة نضاله الطويلة.

وكان دحلان فُصل من حركة فتح في يونيو/ حزيران 2011، وأحيل إلى القضاء بتهم جنائية ومالية، فيما يقول مراقبون وأوساط قريبة من السلطة إن الخلاف لا يعدو كونه خلافا شخصيا بين دحلان وعباس، أضفى عليه الأخير صبغة تنظيمية ووضعه في قالب جنائي.

هجوم وضربة مرتدة
وهاجم عباس بشدة في 13 مارس الجاري دحلان، ولمح لمسؤوليته عن وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وستة قيادات فلسطينية أخرى، مشيرا إلى ضلوعه في المحاولة الأولى لاغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة وقصف مقر جهاز الأمن الوقائي في رام الله عام 2002 وغيرها.

وكشف الرئيس الفلسطيني معلومات حول علاقات دحلان بقيادات صهيونية وتخابره مع الكيان، منها وجود خلية تابعة له تتجسس على حزب الله في الجنوب اللبناني، وأخرى في سيناء للتجسس على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وفي رده على هذه الاتهامات، هاجم دحلان رئيس السلطة بشدة، ووصف خطابه بالهابط، وبأنه كان وصمة عار في تاريخ حركة فتح، وألمح إلى مسؤولية عباس عن وفاة عرفات.

وبدأ دحلان حديثه -في مقابلة مع قناة تلفزيونية مصرية في 17 مارس الجاري ردا على هجوم عباس- بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن خطاب الأخير، واتهمه بأنه دمر حركة فتح والسلطة ومنظمة التحرير، وأنه عمل مخبرا مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ضد دول عربية.

وأضاف أنَّ الشعب الفلسطيني “لم يعد يحتمل كارثة مثل عباس”، مضيفا أنه “وعد بالإصلاح لكنه سرق السلطة ونهبها وهرب أمواله إلى الأردن وغيرها”. واتهم دحلان أبناء عباس باللصوصية.

كسر العظم
وحول تلك المعركة المستعرة، قال النائب عن حركة فتح والمحسوب على تيار دحلان علاء ياغي: “أستطيع أن أؤكد وبكل صراحة أن حركة فتح تعيش الآن وضعا صعبا وحرجا”.

وأكد ياغي في تصريح خاص بـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ “الاتصالات مع قادة الحركة مستمرة لمحاولة تدارك الكوارث التي وردت في خطاب عباس الأخير”.

 يشار إلى أنَّ اتهامات عباس في الخطاب الأخير طالت ياغي إضافة إلى كل من ماجد أبو شمالة وأشرف جمعة، وسفيان أبو زايدة الذي قدم استقالته من المجلس الثوري على إثر الخطاب.

واعتبر أنَّ “أكبر خطأ وقعنا به في فتح، هو أننا سمحنا لأنفسنا أن نتقاتل على وسائل الإعلام، وبشكل علني، منتقدا بشدة بث تلفزيون فلسطين لخطاب عباس التحريضي والمليء بالاتهامات الباطلة”.

أما نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، فرفض الخوض في تفاصيل الأمور، لكنه أكد على أن “المفصول دحلان يريد أن يشق صف فتح، ويحدث انقلابا بداخلها، وهذا ما لن نسمح به أبدا”.

وقلل خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” من تأثير دحلان في الوسط الفتحاوي، وأن فتح ستبقى عصية على الانشقاق، وكل من انشق ذهب لدولة تحميه أو انتهى سياسيا للأبد” كما قال.

وقال بشأن الاتهامات التي وجهها عباس لدحلان: “هذه ليست اتهامات، هذه وقائع وقد أثبتتها لجان التحقيق التي شكلت لهذا الأمر، هناك سلطة واحدة وقيادة واحدة، ولن يجرؤ أحد أن يقفز على الشرعية”.

خلاف يدين الطرفين
أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم قال إن “الطرفين في هذه المعركة خاسران، لأن الادعاءات المتبادلة تثبت أنهما متورطان مع الصهاينة والأمريكان ضد الشعب الفلسطيني”.

وأضاف في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” “عباس كونه صمت على دحلان كل هذه المدة يعني أنه كان يتعاون مع جاسوس، والذي كان يتعاون مع جاسوس ليس أشرف منه”.

“وكذلك الأمر بالنسبة لدحلان، إذا كان يرى عباس جاسوسا قديما فلماذا تعاون معه كل هذه المدة؟ واضح أن الخيانة موجودة عند الطرفين ضد الشعب الفلسطيني” كما قال.

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية عمر جعارة إن “خلافات القادة تصنع كارثة، ولما يصل الأمر لرأس الهرم يكون خطير جدا، هذا الخلاف الدائر الآن خطير وكبير، خاصة وأنه وصل لرأس هرم السلطة، عباس يمثل رأس فتح ورأس المنظمة ورأس السلطة”.

وأضاف “لو راجعنا التاريخ سنجد أن خلافات رأس الهرم خطيرة جدا ويمكن أن تؤثر على مدى أبعد مما يتصوره البعض، والخلاف لم يعد بين شخصين، بل بين دول، كل دولة تريد أن تجذب قضيتنا لها”.

وتابع “دحلان الآن في مظلة السيسي وفي مظلة دبي، والقضية الآن انتقلت للمظلات العربية، وللأسف المظلة العربية الآن مفتتة إلا ما تملي عليها أمريكا، نحن ابتعدنا ابتعادا كبيرا عن تجارب الدول السلمية، وبتنا نتناحر على لاشيء”.

ولن يكون هناك برأيه رابح وخاسر في هذه المعركة من الطرفين، “الطرفان سيفقدا التعاطف الفلسطيني، وسيفقدا ثقة الشعب الذي يناضل من أجل الحرية والانعتاق من الاحتلال”.

التصعيد الميداني
الأستاذ قاسم لم يستبعد أن يتحول الخلاف بين الرجلين إلى تصعيد على الأرض، وقال: “هذا الاحتمال وارد، لأن دحلان له مؤيدون داخل وخارج الأجهزة الأمنية، ولديهم سلاح، ويمكن أن يطلقوا النار بعضهم ضد البعض، خاصة وأنا شهدنا مثل هذه الأعمال في فتح منذ زمن”.

وبرأيه، “إن حدث الخلاف الميداني فالاحتمال الأكبر أن تكون ساحته الضفة الغربية، في غزة يمكن أن تمنع حماس والجهاد مثل هذه الأعمال، لكن في الضفة أشك أن يتحرك الاحتلال لوقف مثل هذا الصدام، والمدن المرشحة للصدام هي جنين ونابلس بدرجة أولى”.

وشهدت غزة -التي تسيطر عليها حركة حماس- في الأشهر الأخيرة أكبر حالة استقطاب داخلي بين تياري عباس ودحلان، كان أبرزها حادثة للتصادم بين الطرفين قبل أيام في جامعة الأزهر التي تديرها حركة فتح، حيث اشتبكت عناصر من التيارين بالأيدي قبل أن تتدخل الشرطة وتفض المختصمين.

تصدير الأزمة لحماس
وعلم مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” من مصادر في فتح أن أوامر عاجلة وصلت لقيادات الحركة لافتعال شجارات وإشكالات مع حركة حماس أو فصائل أخرى من أجل إبعاد الاهتمام في قواعد الحركة عن الخلافات العميقة بين عباس ودحلان.

وقال قيادي في المجلس الثوري لحركة فتح -فضل عدم الكشف عن اسمه- أن أوامر عاجلة تم إيصالها إلى أمناء سر الأقاليم ونواب التشريعي من فتح للشروع بحملة إعلامية ضد حماس، كما تم الإيعاز إلى إمكانية افتعال مشاكل مع الجبهة الشعبية وفصائل يسارية أخرى، من أجل ضمان وحدة الصف الفتحاوي، ونسيان الخلافات الداخلية.

لكن المحلل قاسم أكد أن لديه معلومات مؤكدة تشير إلى أن “هناك جهودا تبذل لحصر هذا الخلاف من قبل بعض الدول العربية مثل الإمارات ومصر وأشخاص في الضفة الغربية تحاول أن تتدخل لوقف هذا التشهير المتبادل”.

وعن احتمال أن تصدر فتح أزمتها إلى حماس عبر هجمة إعلامية مركزة، قال قاسم: “لا أستبعد ذلك، وأنا تابعت أول أمس برنامجا على إحدى الفضائيات وكان ممثل فتح يحاول فيه تصدير الأزمة لحماس”.

لكن جعارة أكد من جهته أن أي خلاف فلسطيني فلسطيني أو فلسطيني عربي هو من أقوى الأسلحة بيد الكيان الصهيوني، وقال: “الآن على القيادات الفلسطينية المقاومة أو المفاوضة أن تبتعد عن تأجيج الوضع”.

وعد أن هذا الصراع موجه من قبل أمريكا ووزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي من أجل إضعاف زيارة عباس الأخيرة إلى واشنطن، وقال: “لو كانت عندنا الإرادة الصادقة يمكن أن نخرج من هذه الهيمنة الأمريكية بإمكانات متواضعة”.

مآلات فتح والعلاقة الوطنية
برأي الكاتب قاسم، فإن “فتح ستبقى، هي تضعف رويدا رويدا لكنها ستبقى، والسبب الأساس الذي سيجعلها تبقى الأموال التي تأتيها من الخارج”.

وزاد “الجميع يعرف الرواتب تأتي لمن في الضفة ؟ لأبناء فتح وليس لنا، الرواتب في النهاية تجمعهم، وهناك مصالح مشتركة تجمعهم، والضرائب التي ندفعها تذهب لأبناء فتح وليس لنا، ندفعها حتى يأخذها أبناء فتح الذين يعترفون بإسرائيل”.

واتفق جعارة مع قاسم في أن “مآلات هذا الخلاف العباسي الدحلاني على فتح ليس كبيرا، لأن فتح الآن هي متآكلة أصلا، وليست ذات أطر تنظيمية متزنة، فقد اختلطت فتح بالسلطة بالمنظمة، فتأثير تأثير الخلاف على فتح ليس ذا شأن، لكن تأثيره على القضية الفلسطينية بشكل عام كبير وخطير”.

أما المفاوضات، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة: إنها “لن تتأثر كثيرا بفعل هذا الخلاف، لكن فتح لا شك ستتأثر، وأنا لن أكتشف القمر حين أقول إن فتح منقسمة، وأن هناك حالة استقطاب كبيرة بين تياري عباس ودحلان ما سيؤدي لمزيد من التشتت في فتح”.

وباعتقاده، فإن “هذا الخلاف وظهوره على السطح سيدفع حماس لعدم التصالح مع فتح بحكم أن فتح منقسمة، الخلاف سيكون له تأثير سلبي على المصالحة، وسيؤثر على تماسك حركة فتح وقدرتها على الوحدة”.

من جانبها، قالت الكاتبة والمحللة لمى خاطر: إنّ “هذا الخلاف لا شك سيسهم في إضعاف الروح المعنوية لدى قاعدة حركة فتح الجماهيرية، حتى وإن لم تبرز تجليات واضحة لذلك”.

لكن ركام الاتهامات الخطيرة التي تبادلها الرجلان حول القضايا نفسها، حسب خاطر، ستترك أثرها البالغ على منسوب الانتماء لحركة فتح التي تقزمت حتى انحصرت خياراتها القيادية بين عباس ودحلان.

وأضافت في تصريح خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “عباس من جهته لن يتوقّف حتى يجتثّ كل جذور وبقايا دحلان داخل حركة فتح ومؤسسات السلطة الأمنية، فيما سيمعن الأخير في عدائه لعباس مستقويا بالأنظمة العربية التي تدعمه، واعتقاده بأنه سيكون خياراً مقبولاً أمريكياً بعد عباس”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة إن تلكم الاتهامات والاتهامات المتبادلة الخطيرة ستؤثر وتضعف حركة فتح، وستقلل من أسهمها في المجتمع الفلسطيني.

قضيتنا الخاسر الأكبر
وحول تأثيرات هذا الخلاف على القضية الفلسطينية بشكل عام، قال قاسم: “القضية الفلسطينية هي المتضرر الأكبر بالفعل، وقد أساء الرجلان للنضال الفلسطيني من أجل مصالحهما الشخصية”.

أما جعارة، فلفت إلى تأثير سلبي للخلاف على القضية الفلسطينية بشكل عام، وقال: “لقد رأيت الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين استقبل عباس قبل أيام بأمريكا، استقبله عابس الوجه، وهذا بالتأكيد وراءه ما وراءه”.

وفصّل قائلا: “أمريكا تريد من عباس أن يعترف أن الأرض الفلسطينية ملك لليهود، ولم نجد من قبل مفاوضات خطيرة بهذه الخطورة، لكن الخلاف مع دحلان أضعف عباس، حين وقف أمام أوباما، كان دحلان وكأنه حاضرا، وأمريكا وكل نظام في الدنيا يمتلك خلايا نائمة وبدائل، ولسان حالها يا بتمشِّي يا بتمشِي”.

وبدوره، قال أبو شمالة في تصريحات لمراسل “المركز الفل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات