الإثنين 01/يوليو/2024

حماس ومصر.. سنوات المد والجزر (تحليل)

حماس ومصر.. سنوات المد والجزر (تحليل)

جاء منطوق الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة “القاهرة للأمور المستعجلة” أمس الثلاثاء (4-3-2014)، بحظر أنشطة حركة “حماس” في مصر والتحفظ على مقراتها، ليدشن مرحلة جديدة في فصول العلاقة بين الحركة ومصر.

تلك العلاقة التي اتسمت خلال الفترات السابقة بمنحنيات ومد وجزر تبعا لتوجه النظام القائم في مصر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، مرورا بفترة حكم الرئيس محمد مرسي، وانتهاء بمرحلة الانقلاب العسكري التي شهدت أخطر القرارات تجاه الحركة والمقاومة الفلسطينية.

ونص الحكم الأخير على “حظر أنشطة منظمة حماس مؤقتا داخل مصر والجمعيات والجماعات والمنظمات والمؤسسات التي تتفرع عنها، أو تتلقى منها دعما ماليا، أو أي نوع من أنواع الدعم؛ لحين الفصل في الدعوى الجنائية المنظورة”.

يشار إلى أن الدعوى الجنائية التي أشار إليها قرار المحكمة هي الدعوى في قضيتي “التخابر” و”اقتحام السجون” إبان ثورة 25 يناير، المتهم فيهما أعضاء من جماعة الإخوان وكذلك من حركة حماس، والتي نفت الحركة تماما المشاركة فيها، وأخبرت السلطات المصرية بتعاونها الكامل معها في التحقيقات للوصول إلى الحقيقة؛ الأمر الذي رفضته السلطات المصرية.

علاقات متأرجحة

العلاقة بين مصر وحماس بدأت في عهد مبارك، متذبذبة وفاترة في غالب الأحوال، وتقل فتوراً في بعض الأوقات طبقا لتوجهات النظام في مصر والذي كان يعاملها بنفس الريبة والشك الذي يعامل به جماعة الإخوان المسلمين بمصر باعتبارها الحركة الأم لها.

وكان ملف حماس آنذاك بيد المخابرات المصرية، إلا أن القلق بدأ يتزايد بعد صعود حماس واتساع شعبيتها وفوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، الأمر غير المرغوب بالنسبة لمصر الرسمية التي صاغت علاقتها منذ تلك الفترة على نحو يتسم بالريبة والشك من مشروع إسلامي في الجوار.

غير أن مقتضيات العمل المصري في الساحة الفلسطينية جعلت نظام الحكم في مصر يتجنب الدخول في أي صراع مكشوف مع حماس، خاصة في ظل رعاية مصر لملف المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب التعامل المباشر مع الحركة وأعضائها.

على العكس تماما، شهدت العلاقة مع مصر تطورا إيجابيا وملحوظا بعد ثورة 25 يناير، وسيما بعد تولي الرئيس مرسي مقاليد الحكم في البلاد.

في تلك الفترة، أصبحت القاعدة الشعبية العريضة للمقاومة في مصر تدعم المضي في الانفتاح على الحركة، وتم استقبال مسئولي حماس في القصر الرئاسي وكذلك التحرك في ملف المصالحة وكسر الحصار المفروض على غزة عبر الفتح شبه الدائم لمعبر رفح.

هذه الانفراجة في العلاقة، سرعان ما تبدلت بعد الانقلاب الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس مرسي.

تدهورت العلاقة مع النظام الذي عينه الجنرال السيسي في مصر، حيث دخلت العلاقة مرحلة تشبه “تكسير العظام” سواء مع جماعة الإخوان في مصر بالداخل بعد اعتقال قياداتها وسفك دم أبنائها في رابعة والنهضة، أو مع “حركة حماس” التي وجدت سيلا من المحاكمات والتهم.

كل تلك التهم، التي تضمنت المشاركة في اقتحام السجون والتخابر وقتل المصريين، جاءت بالتزامن مع حملة إعلامية شرسة تنال من المقاومة وعناصرها بادعاءات لم تثبت صحتها، ومساهمة واضحة مع الكيان الصهيوني في تشديد الحصار على القطاع عبر إغلاق معبر رفح، وتدمير جميع الأنفاق.

وزاد الطين بلة، دخول الطيران العسكري المصري سماء غزة، وإلغاء وزارة الأوقاف بحكومة الانقلاب في 24 فبراير 2014 لجنة القدس التابعة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهي أول لجنة رسمية حكومية تختص بالقضية الفلسطينية.واعتقال أعضائها وإدارتها.

شهادة اعتماد

دوافع عديدة بحسب المراقبين أدت لاتخاذ الانقلابيين القرار الأخير بحظر أنشطة حماس والتحفظ على مقراتها، خاصة أنه جاء من محكمة غير مختصة، وهو ما أكده منطوق الحكم الذي أوحى أنه ليس حكما قضائيا وإنما قرار سياسي له دوافعه.

ووفق المراقبين، فإن أهم هذه الدوافع، تقديم الانقلابيين في مصر أنفسهم إلى أمريكا و”إسرائيل” باعتبارهم الأقدر على حماية مصالحهم، وأنهم بمثابة كنز استراتيجي جديد، وكذلك المساهمة في تشويه المقاومة لدى الشعب المصري الداعم لها باتهامها بالإرهاب وبسلسلة أخرى من الاتهامات.

كما أراد “الانقلابيون” أن يقدموا شهادة اعتماد لتثبيت انقلابهم عالميا ودعم قائد الانقلاب للإمساك بأمور مصر عبر نجاحه في انتخابات الرئاسة، وهو ما ظهر في الدعم الصهيوني غير المحدود للسيسي وقادة الانقلاب.

حاتم عزام -نائب رئيس حزب الوسط وعضو تحالف دعم الشرعية- أكد في تصريح صحفي تعقيبا على القرار: “أن قائد الانقلاب انتقل بعد قرار حظر حماس من مرحلة الكنز الاستراتيجي، إلى مرحلة أن يكون بطلاً قوميًّا للكيان الصهيوني”، حسب وصفه.

وأشار إلى أن السيسي بدأ بتقديم التنازلات للكيان الصهيوني بأسرع وأبعد من المتصور، لينال شفاعتها عند الإدارة الأمريكية كرئيس لمصر التي لا تفضل أن يتولاها هو بشخصه.

من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة “النجاح” الفلسطينية البرفسور عبد الستار قاسم، أن قرار المحكمة يمثل أوراق اعتماد من النظام المصري الجديد لدى “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية.

وقال قاسم إن القرار “تحريض للشارع المصري ضد المقاومة، وهو قرار يعادي الشعب الفلسطيني، ولذلك سنسمع مزيدا من الأصوات تشتم الفلسطينيين، والحصار سيزداد على قطاع غزة، وهذا سيؤدي إلى مزيد من معاناة الشعب الفلسطيني هناك”.

من جانبه، قال الكاتب الأردني حلمي الأسمر في مقال له بصحيفة “الدستور” الأردنية: “إن حماس ليست موجودة في مصر رسميا كي يتم حظرها، ولكنها موجودة في وجدان كل أبنائها الشرفاء، بل إنها ليست موجودة في أي بلد عربي رسميا، فهي حالة وفكرة وخفقة قلب، وليست تنظيما فقط”.

وأكد أن حظر نشاط حماس بحكم قضائي مصري، كان يقتضي أن تكون موجودة أصلا، قائلا: “لكننا نعيش اليوم زمن العجائب والغرائب”.

وشدد على أن هذا القرار ليس له من رائحة القضاء شيء، فهو قرار سياسي بامتياز ويأتي لأغراض داخلية محضة، لا قيمة له على المستوى الدولي، لافتا إلى أن حماس حركة سياسية وقد تعاملت الحكومات المصرية معها في جميع مراحلها، ولها مع مصر تفاهمات حدودية.

أثر قانوني منعدم

وحول الأثر القانوني للحكم، أكد العديد من القانونيين انعدام أثر هذا الحكم وبطلانه باعتباره مخالف لجميع الدساتير المصرية والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعتبر حماس حركة مقاومة وتحرر وطني تمارس حقها الطبيعي في مقاومة الاحتلال، وأن دعمها واجب على دول الجوار وأولها مصر.

وأشار الخبراء إلى أن هذه الحملة الممنهجة تأتي ضمن حرب تشنها سلطات الانقلاب ضد حماس وحركات المقاومة التي تهدد أمن الكيان الصهيوني، إرضاء للوبي الأمريكي الصهيوني، خاصة أن حماس ليس لها أي مقرات أو نشاط واضح في مصر، وهو ما ظهر في بيان الحركة الرافض للقرار.

يقول الدكتور السيد مصطفى أبو الخير -الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي-في تصريح صحفي: “إن الحكم منعدم وباطل لأنه صادر من محكمة غير مختصة تبتّ فقط بظاهر الأوراق وليس الموضوع، وليس من اختصاصها نظر منظمة ما للقول بأنها إرهابية أم لا”.

كما أن القرار، وفق أبو الخير، استند على قرار إداري من “حكومة الانقلاب” في ديسمبر الماضي بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهذا أيضا ليس من اختصاصها”، لافتا إلى أن الحكم “بمثابة ترضية للكيان الصهيوني مقابل دعمه قادة الانقلاب في الخروج من العزلة الدولية”.

وأوضح أبو الخير أن هذا الحكم يخالف كل الدساتير والمواثيق والاتفاقيات الدولية، لأن القانون الدولي يعتبر حركة حماس حركة من حركات المقاومة والنضال المشروعة.

وتابع: الحكم يخالف أيضا دستور 1971 بالمادة 1951 منه والمادة 145 من دستور 2012 وتنص على أن الاتفاقيات الدولية حال التصديق عليها تعتبر جزءا من القانون الوطني لذا الحكم مخالف حتى لقانون المرافعات والإجراءات الجنائية. 

وحول الآثار الناتجة عن الحكم أوضح أبو الخير أن هذا الحكم تحريم وتجريم للمقاومة الفلسطينية، وتجريم لكل من يشارك فيها ويدعمها سواء أفرادا أو مؤسسات، وبما أن حماس “جماعة إرهابية” فإن كل من يدافع عن القضية الفلسطينية هو إرهابي، ويساعد الإرهابيين.

 تجريم المقاومة 

وبين أبو الخير أن الحكم ذكر حظر النشاط والمقار بمصر، ورافع الدعوى يعلم جيدا أنها غير موجودة، وأنه ليس لحماس مقرات بمصر ولكنه يقصد تجريم الحركة كحركة مقاومة ووصمها بالإرهابية، أي تبني وجهة النظر الأمريكية والصهيونية.

من جانبه، دعا أستاذ العلوم السياسية في الجامعات المصرية عبد الله الأشعل الدولة المصرية إلى عدم تنفيذ الحكم الذي اعتبره ثمرة مباشرة لشحن إعلامي.

وشدد على أن تنفيذ القرار سيكون خطأ تاريخيا واستراتيجيا، وقال في تصريح صحفي: “لو نفذت الدولة المصرية هذا الحكم أعتقد أنه سيكون خطأ تاريخي وسيلحق بأي سلطة قامت به إلى قيام الساعة، مصلحة مصر الاستراتيجية أن تكون المقاومة هي الخط الأساسي لأي دعم مصري”.

وأضاف “التفكير هنا في مصر هو أن هناك خلافا مع الإخوان المسلمين، وبالتالي كل من له علاقة بهم سيشمله الأمر، ولكنني أعتقد أن هذه الخطوة لو تمت ستكون ضد الأمن القومي المصري، ولذلك فمصلحة مصر مع دعم المقاومة وتعزيزها، والتركيز مع “إسرائيل” على استرداد الحقوق الفلسطينية”.

ورأى مراقبون أن القرار له تداعيات خطيرة ويزيد الموقف مع القاهرة توترا، وهو ما سيلقى بظلاله على ملف المصالحة الذي يراوح مكانه منذ انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي، وهو ما يعمق الأزمة الداخلية في فلسطين، ويزيد الانقسام الذي يرغب الشعب الفلسطيني في رأب صدعه.

ردود أفعال غاضبة

قرار حظر نشاط حماس قوبل بردود فعل غاضبة من قبل الكثيرين على المستوى العربي والإسلامي والمنظمات الدولية الذين اعتبروا فيه استهدافا مباشرا للمقاومة الفلسطينية، وتجريما لها، ودعما غير محدود لـ”إسرائيل” في جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

كما رأى الكثيرون أن هذا القرار مقدمة لانهيار لملف المصالحة الذي تلعب مصر بجانب حركتي فتح وحماس الدور الأبرز فيه، فالعديد من الحركات والجماعات في مصر أدانت الحكم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات