الثلاثاء 13/مايو/2025

نفسي فيه مش قادر أشتريه.. نافذة لإكرام الفقير بغزة

نفسي فيه مش قادر أشتريه.. نافذة لإكرام الفقير بغزة

علاوة على غرابة الاسم وطرافة المعنى، تكمن كثير من قيم الحب ومعاني الخير في حملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه”، والتي تؤكد أن العقل البشري لن يعجز عن ابتكار المزيد من الوسائل تحرّض الناس على الصدقة.
 
طبقت فكرة الحملة بهذه الروح وإن اختلفت المسميات في عدة مجتمعات أوروبية، وقامت على تبرع القادر ببعض السلع العينية -حين يقوم بشرائها- لأخيه الإنسان الفقير المحب لشرائها مع عدم قدرته على دفع ثمنها.
 
يبتاع المشتري نسختين من نفس السلعة، واحدة له وثانية للفقير، يتركها في المحل التجاري عبر صندوق، يحمل شعار الحملة، تشرف عليه هنا “جمعية نور المعرفة الخيرية” التي ترسل مندوبا يجمع السلع نهاية كل يوم ويقوم مع زملائه بتوزيعها على الفقراء المحتاجين لتلك السلعة.

صدى وتجاوب
يبدو رئيس جمعية نور المعرفة الخيرية عبد الجليل غراب فخورا بحملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه”، ويؤكد أن الفكرة على طرافتها وتميزها لاقت صدىً وتجاوبا من قبل كل من سمع بها ورأى صناديقها في المحلات التجارية.
 
يقول غراب إنّ “الفكرة جاءت له بعد تقليص خدمات كثير من المؤسسات الإغاثية خاصة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين ورأت النور بفتح باب المساعدة بسلع عينية بعيداً عن النقود”.
 
ويضيف “راقبت كثيرا من أطفال الفقراء يحبون شراء الفاكهة أو بعض أنواع الخبز وسلع أخرى يحبها الفقراء، وشكلنا طاقما في الجمعية يتفق مع أصحاب محلات الفواكه والمخابز والمحلات التجارية، ويوزع التبرعات نهاية كل يوم”.
 
ويأمل أن تتطور الفكرة لتتخطى السلع والمأكولات لتطال المؤسسات الترفيهية إن استطاعت الفكرة الوصول لرواد تلك المنتجعات عبر تبرعهم بتذاكر دخول لها، وبعد تجميع عدة تذاكر منحها للعاجزين عن دخول تلك المنتجعات.
 
ازدياد الفقر
يوميا تقابل عائشة ربيع مدير مركز أمان لتمكين الأيتام والمحتاجين زوارا جددا للجمعية معظمهم يأتي طلبا للمساعدة ويشرح حالة العجز التي يحياها هو وأسرته.
 
تقول ربيع: “إن الفترة الأخيرة من حصار غزة زادت من معاناة تلك الأسر، حيث بدأت كثير من الأمهات والآباء يزورون الجمعية أملاً في الحصول على الخبز وقوت أبنائهم والقليل من المساعدات”.
 
وتضيف “تضاعف عدد تلك الأسر بعد أن اشتد الحصار في الشهور الماضية وزادت المعاناة، فهناك أطفال يحتاجون للحليب والخبز والتي كنا نوفرها عبر مشاريع خيرية توقفت مؤقتا بسبب مشاكل الحصار في الجمعية”.

وحركت قصص الفقر إدارة الجمعية فاجتهدت في إنجاز حملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه”، ولعل أبرز تلك القصص هي حكاية تلك الأم التي تفضل المبيت هي وأطفالها في بيت جدهم لوجود الطعام، بينما لا يملك الأب في بيته ما يطعم به أبناءه.

وتتابع “استحضرنا ونحن نرتب للحملة مشهد الأطفال الذين يشدون ثوب الأم وهم يشاهدون الفاكهة ويعجزون عن شرائها فتنهرهم أمهم وتمضي في الطريق، فقررنا أن نساعد القادر ليشعر بالمحتاج”.
 
المحلات التجارية
بعد استيفاء كامل التفاصيل اللوجستية والإدارية، انطق محمد أبو مصطفى منسق الحملة بصحبة أربعة متطوعين للاتفاق مع محلات الفواكه والمحال التجارية والمخابز، فوضعوا عندهم صناديق تحمل شعار الحملة.
 
يتلقى محمد اتصالا نهاية كل يوم من المحلات المذكورة تخبره بضرورة استلام ما تم جمعه، فيهرع إلى المحلات بصحبة المتطوعين الأربعة، ثم ينتشرون في أزقة المخيم يوزعون الطعام والسلع حسب كشف معد مسبقا.

ويضيف “عند التاسعة ليلا نذهب للمحلات ونفرغ ما تم جمعه في السلال وننطلق لبيوت الفقراء فنوزع فاكهة وخبز فينو وخضروات، الفقراء كانوا سعيدين جداً ولم يكن المتبرع يعرف أصلاً من هو الفقير المستفيد”.

أطفال وطلاب
تقلّب “أم أحمد” كفيها أمام طلبات أبنائها المتزايدة فلا تجد من ضيق الحال ما تسعف به ثلث ما يحتاجون، فتنهر هذا وتصد هذا وتتجاهل طلب ثالث وهكذا كل يوم.
 
يبلغ عدد أفراد أسرة “أم أحمد” 13 فردا يعيشون في حجرة واحدة ونصف فناء صغير كما تقول ومنهم طلبة مدارس وجامعات، حيث يعجز والدهم المسن عن كسب قوت يومهم.
 
وتشير إلى أنه “رغم بساطة الحملة إلا أنها كانت تدخل السرور على أطفالي فهم يشتهون الخبز الأبيض ويحبونه مع الساندويتشات، فليس باستطاعتي أن أشتريه لهم، حتى جاءت الحملة وبدأنا نأخذ خبز الفينو والخضروات التي ساعدتنا لحد ما”.
 
أما “أبو مصطفى” فلازال يذكر تلك الساعة التي كان مطبخه خال من كافة الخضروات واضطر للنزول إلى السوق واستدانة 37 شيكلا لشراء الخضروات دون أن يشعر به أبناؤه.
 
ويضيف “اتصلوا بي وقالوا لي في كمية من الخضروات لك، شعرت بالسعادة، هذه الحملة تلبي متطلبات من لا يعمل ويعاني الفقر أشعر بالحزن وأنا أقول إنني أملك الصحة والعافية لكنني لا أجد عملاً لأكسب منه قوت أولادي”.
 
وخففت حملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه” قليلا من حالة القلق التي يعانيها “أبو مصطفى” وسبعة من أفراد أسرته، لأن الطارق أصبح يزورهم كل ليلة حاملا قليلا من الخضروات وبعض الطعام.
 
استفسار وتجاوب
حين شرعت وفاء جبر موظفة العلاقات العامة في جمعية نور المعرفة الخيرية في تأسيس صفحة لحملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” لم تتوقع أن تنال الحملة هذا الإعجاب والتفاعل.
 
تقول وفاء إن قسم العلاقات العامة واكب الحملة منذ تأسيسها وقد بدأ بنشر “الملصقات” منذ اليوم الأول للإعلان عن الفكرة، ثم واكب توثيق كافة المراحل والفعاليات عبر جمع السلع العينية والتوزيع.
 
وتؤكد جبر أنها من خلال المتابعة رصدت تفاعلاً وتجاوباً من قبل كثير من الأشخاص وأهل الخير الذين كانوا يجرون اتصالات عديدة بهاتف الجمعية ويكتبون التعليقات على موقع “فيسبوك” يسألون ويستفسرون عن الحملة.
 
وتصف أيام العمل في الحملة بأنها تشبه خلية النحل، ففي حين ينشغل طاقم المتطوعين بتحصيل السلع التي تبرع بها المتبرعون في المحلات التجارية يجتهد آخرون في توثيق مراحل التوزيع والوصول للفقراء.
 
وتأمل جمعية نور المعرفة الخيرية أن تتطور حملة “نفسي فيه مش قادر أشتريه” لتطال شريحة أكبر من المحتاجين وتضم كمية أكبر من السلع العينية التي يتمناها الفقراء وهي في يد غيرهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات