هل بات العدوان الإسرائيلي الواسع على غزة وشيكاً؟

تصاعدت في الآونة الأخيرة الاعتداءات على قطاع غزة، وأدّت إلى استشهاد مقاومين ومدنيين. وردّت المقاومة بقصف استهدف مستعمرات الاحتلال، وكذلك هاجمت المقاومة آليات الاحتلال وجنوده عند حدود القطاع مع المناطق المحتلة عام 1948. ويبدو العدوان على  طاع غزة هدفاً لن تحيد عنه حكومة نتنياهو، أو أي حكومة صهيونية أخرى، مهما كانت اتجاهاتها الفكرية والأيديولوجية، وذلك عائد لكثير من العوامل أبرزها:

*أولاً: *إن حكومة الاحتلال لم تنس بعد تجرّؤ (حماس) على قصف تل أبيب عام 2012 بشكل لم يعهده الاحتلال طيلة أكثر من ستين عاماً في صراعه مع المقاومة. ويرى الاحتلال أن هذه السابقة لا يمكن أن تمرّ دون عقاب زاجر يجعل من المستحيل تكرار ذلك العمل.

*ثانياً: *إن الاحتلال لا يمكن أن يسمح بأن تكون غزة أرضاً صلبة للمقاومة، تطلق منها صواريخها، وتجهّز فيها عشرات آلاف المقاتلين، وتطوّر أسلحتها، وخصوصاً القدرة التدميرية لصواريخ  M75  بعيدة المدى، كما ذكرت الصحف العبرية، وكان لهذه الصواريخ الأثر  لبعيد خلال عدوان 2012. يُضاف إلى ذلك أن المقاومة تعطي دفعاً، معنوياً على الأقل، للحراك المقاوم في الضفة الغربية، والذي بدا في العام الأخير وكأنه في طريقه لاستعاده أمجاده، متخطياً ما أصابه نتيجة الاغتيالات والاعتقالات من قبل سلطات الاحتلال، والتنسيق  لأمني بين الأخيرة والأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية. وقد أشارت مصادر أمنية إسرائيلية مؤخراً أن العام الماضي شهد تنفيذ 62 عملية فلسطينية فردية ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، مقابل 35 عملية في عام 2012.

*ثالثاً:* إن الاضطرابات في المنطقة العربية من الخليج إلى مصر وسورية، تسمح للاحتلال بشن عدوان واسع دون التفات كبير من الدول العربية المشغولة بأوضاعها الداخلية المهترئة، بل إن بعض الدول العربية قد يكون مباركاً لمثل هكذا عدوان. فاستهداف حماس والمقاومة أصبح هدفاً معلناً لدول عربية كبيرة، كمصر مثلاً، التي كشف مسؤولوها الأمنيون عن وجود خطة أعدّوها “لإضعاف حركة حماس في قطاع غزة، كجزء من عملية واسعة للقضاء نهائياً على تهديد جماعة “الإخوان المسلمين”..”، كما زعموا. وهذه الخطة يلزمها، بطبيعة الحال، تنسيق مسبق مع الاحتلال.

وإذا التفتنا إلى الخليج نرى وزيراً صهيونياً، من أشد الوزراء تطرفاً، يزور دولة الإمارات العربية المتحدة، ويلقي خطاباً هناك. وما يزيد الأمر ريبة هو أنه خلال إلقاء وزير الجيش الصهيوني سيلفان شالوم خطابه لم ينسحب أي وفد عربي، باستثناء وفد الكويت الذي قاطع الجلسة، أما الوفد الإيراني فآثر التراجع إلى المقاعد الخلفية. يُضاف إلى ذلك الاتصالات السرّية، التي ما عادت سريّة لكثرة التسريبات واللقاءات، وشجعت نتنياهو على التصريح بأن “الكثير من الدول العربية تنظر إلى “إسرائيل” كدولة صديقة وليس كعدو”. منوهاً إلى أن الكثير من العرب يقولون ذلك سواء سرّاً أو علانية. هذه الأجواء تجعل الكيان الصهيوني يشن عدوانه وهو مطمئن إلى ردّات الفعل العربية الرسمية.

اختيار التوقيت
الأسباب السابقة ترجّح حدوث عدوان واسع على قطاع غزة، على نحو شبه مؤكد، لكن السؤال ما هو التوقيت الأنسب لتنفيذه، ومن المرجّح أن لا يكون العدوان الواسع وشيكاً، وذلك للأسباب التالية:

*أولاً:* عملية التسوية بين قيادة السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، فالولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بشن عدوان واسع في الوقت الحالي، إلا في حالة التأكد تماماً من فشل عملية التسوية. كما أن الكيان الصهيوني حريص على هذه التسوية، بالصيغة التي يُروّج لها، مهما علت صيحات يمينية رافضة. فخطة كيري الجديدة تنسف تماماً الأسس التي قامت عليها المفاوضات، ومنها التفاوض على أساس حدود عام 67، وتتحدث عن عاصمة في القدس، وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال تهجيرهم إلى كندا وأستراليا بشكل خاص.

يُضاف أن الدول العربية، وغير العربية، التي فتحت علاقات سرية مع الاحتلال، قد تجد في الاتفاق بين السلطة والكيان “محلّلا” لفتح علاقات اقتصادية وتطبيع دبلوماسي علني بين هذه الدول والكيان. فالاتفاق يخدم الاحتلال، وهو حريص على أن لا يجازف بإسقاطه من خلال عملية عسكرية واسعة، قد تكون نتائجها غير متوقعة.
ومن هنا فإن تحذيرات نتياهو للمقاومة حاولت الحفاظ على الإيقاع القائم، وذلك بقوله “إن السياسة الأمنية المتبعة تجاه غزة تتمثل في عمليات لإحباط الهجمات قبل تنفيذها، وفي الرد بشدة على أي محاولة للمساس بنا”.

*ثانياً: *إن الحكم في مصر لم يستقر تماماً لصالح العسكر الذي لا يخفي عداءه لحماس، ويعمل على إضعافها من خلال حصار خانق، وتدمير حوالى ثلثي الأنفاق. والكيان الصهيوني حريص على أن لا يقوم بعملية عسكرية قد تعرِّض موقع العسكر في الحكم لاهتزاز، أو تعرقل مساعي وزير الدفاع الحالي عبد الفتاح السيسي للاستئثار بكرسي الرئاسة. ومعلوم كم شغلت الجبهة الجنوبية بال الحكم والباحثين في “إسرائيل” خلال عام من حكم مرسي، نظراً لأهمية مصر، إن أحسنت استثمار موقعها ومواردها.

*ثالثاً:* بالنسبة للمقاومة فهي معنية حالياً بالردّ على الخروقات الإسرائيلية، ولن تسعى إلى التصعيد، آخذة بعين الاعتبار الوضع الإقليمي، والوضع المعيشي لسكان القطاع، لكن في حال شنّ الاحتلال هجوماً واسعاً على القطاع، فإن “المقاومة الفلسطينية على أتمّ الجاهزية للرّد”، كما قال القيادي في حماس صلاح البردويل، مضيفاً “نحن سنقاوم إلى آخر روح لدينا، ولا يمكن لأحد أن يكسر إرادتنا، ونحن لدينا ثقة بالله أولا ثم ثقتنا كبيرة في حقنا وفي مقاتلينا، وبالتالي تهديدنا وتخويفنا بالقوة حينا وبالحديث عن اتفاقيات إطار يتم التنازل فيها عن حقوقنا لن نقبل بذلك، ولن نسمح بتمريره”.

من خلال ما تقدّم، يُرجّح أن يكون شنّ العدوان على قطاع غزة حتمياً، لكن التوقيت الحالي لا يخدم مصالح الاحتلال وحلفائه في المنطقة، فيتم تأجيله إلى مرحلة لاحقة حين يجري ترتيب بعض الملفات، وأهمهما ملفا مصر والتسوية، مع استمرار الحصار الخانق للقطاع، وتوجيه ضربات عسكرية لا تقود لإسقاط التهدئة تماماً.