الثلاثاء 13/مايو/2025

الشرعية الفلسطينية بين فكي كماشة التغييب القسري والمحاصرة

م. وصفي قبها
لقد عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة في الخامس والعشرين من كانون ثاني من العام 2006 عرساً ديمقراطياً بامتياز، لم تشهده من قبل، ولم يتخلل أو يشوب هذه العملية أية تجاوزات ممكن أن تشكل طعناً يغير من نتيجة هذه العملية مع كثرة التجاوزات التي لم ترتق إلى درجة تقديم الطعون، وما أن أقفلت صناديق الاقتراع حتى بدأت هذه الصناديق تعبر عن إرادة وتوجهات الشعب الفلسطيني بكل حيادية وشفافية، ومع نهاية الفرز نطقت بقرارها الحاسم والمانع الذي لا جدال ولا لُبس فيه ” نعم للتغيير والإصلاح “، نعم لحركة المقاومة الإسلامية ـ حماس ممثلاً للشعب الفلسطيني، وحارساً أميناً لثوابته وقضيته، الأمر الذي أشعل الأضواء الحمراء ودق ناقوس الخطر في كل مراكز وأروقة صنع القرار في العالم والتي تؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية للعرب هي تلك التي لا يصل الإسلاميون فيها للسلطة، ” وهذا ما أكده المفكر الأمريكي ناعوم تشومنسكي عندما تحدث عن مقاييس الديمقراطية المطلوبة أمريكياً وأوروبياً في أعقاب الانقلاب على الشرعية في أرض الكنانة “مصر”، وعليه فقد كان استنفاراً دوت له صفارات الإنذار، فَعُقدت الاجتماعات ووضعت الخطط واتخذت القرارات والهدف ” اغتيال ووأد هذا المولود”، ومن أجل تحقيق ذلك فقد حُشدت الطاقات ووُفرت كافة أشكال وصور الإمكانات، ومن المؤسف أن حركة فتح كانت المحرض الأساس والعنصر الأكثر فعالية، والجهة التنفيذية على أرض الواقع من خلال ما شهدته الساحة الفلسطينية، من محاولات مستميتة لإشاعة ونشر الفوضى ووضع العصي في دواليب عمل الشرعية الفلسطينية الجديدة المتمثلة بحماس.

ولا بد من الإشارة إلى أن إصرار حركة فتح ممثلة برئيسها على مشاركة حماس في تلك الانتخابات وبتأييد إقليمي ودولي، وتوقيع اتفاق إطار لذلك في القاهرة يوم 17/3/2005 لم يكن ذلك نابعاً من قناعات راسخة وإيمان بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحرص على الشراكة السياسية، بل جاءت هذه الرغبة والمطالبة استنادا لدراسات وتوصيات عديدة إحداها صدرت عن مجموعة الأزمات الدولية ( مجموعة غير حكومية متخصصة في حل وتجنب النزاع المسلح ) بدفع وتشجيع حماس للمشاركة بالانتخابات التشريعية وجرها إلى مربع المفاوضات السياسية بعد أن فشلت كل المخططات وإجراءات القوة في استئصال واجتثاث حماس وردعها عن سياساتها التي تُشكل مصدر خطر حقيقيا على أمن الكيان المحتل، واختتمت الدراسة توصيتها بضرورة ردع حماس بالديمقراطية، ظناً منهم أن مشاركتها في الانتخابات سيقيدها بالتزامات رسمتها عقلية المكر والاحتيال ومنها أن ذلك سيلزمها بنهج السلطة التفاوضي وسياساتها وما ستؤول إليه المفاوضات، حيث كان يُتوقع فوزاً ضعيفاً لحماس وبنسبة لا تمكنها من أن تكون حتى معارضة قوية ولها اعتبار، بل كانوا يتوهمون أن المارد الفتحاوي سيجتاح التشريعي ويحصد غالبية مقاعده الأمر الذي يمكنه من الاستفراد بكل شيء وأخذ غطاء بأن حركة فتح وممارساتها واستفرادها واغتصابها للمؤسسات والقرار الفلسطيني كان بقرار جماهيري وتفويض شعبي وإن لم يكن هناك انتخابات، وعليه ستُمرر سياسات السلطة وتأخذ الغطاء والضوء الأخضر من المجلس التشريعي الذي كان يُتوقع أن تحصد فتح غالبية مقاعده وتتصدر القوائم، وتستحوذ مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والمستقلين الغالبية العظمى من المقاعد، لذلك فقد صُدم هذا العالم وصفعته وردعته صناديق الاقتراع التي كان من المخطط لها أن تردع حماس.

لقد أفاق العالم على زلزال وتسونامي حمساوي قلب كل الموازين وجاءت ارتدادات هذا الزلزال محيرة للجميع، وقد ارتد المكر إلى نحور الماكرين فكان لا بد لهم من معاقبة حماس وحصارها وإفشالها عبر سيناريوهات عديدة كانت فتح رأس الحربة لتنفيذ هذه السيناريوهات أو أن يكون لها الدور الأكبر في ذلك، وبعيداً عن ما قامت به فتح والعالم الظالم فإن التركيز وتحت هذه العنوان على ما قام به الكيان الغاصب من تغييب قسري للشرعية من خلال زجها خلف القضبان، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حماس وفور فوزها قد أكدت على احترام خيارات الشعب الفلسطيني، وناشدت المجتمع الدولي وتحديداً أمريكا وأوروبا على احترام خيارات الشعوب ومن ضمنها خيار الشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس، وأن لا يتم وقف المساعدات وقطعها عن هذا الشعب الذي عبر عن إرادته الحرة، في الوقت الذي لخصت حماس أولوياتها في ثلاثة محاور رئيسية، هي إصلاح الواقع الفلسطيني وتغييره إلى الأفضل، وحماية المقاومة وحشد الجماهير حولها، وترتيب مؤسسة القرار الفلسطيني ( مجالس محلية وبلدية، مجلس تشريعي، ومنظمة التحرير الفلسطينية ) على أساس قبول الآخر والتداول السلمي للسلطة في إدارة الشأن الفلسطيني، وتعزيز مبدأ الشراكة السياسية، وفق نظام داخلي يتوافق عليه الكل الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه.

إن حماس بإيمانها وبسياساتها وتربيتها وثقافتها تؤمن بالحوار الوطني لغة وحيدة بين كل مكونات الشعب الفلسطيني، من أجل الوصول إلى الشراكة الوطنية وتحمل المسؤولية بشكل جماعي، وتؤمن بأهمية وضرورة الانفتاح على المجتمع الدولي، وبنفس الوقت فقد رفضت حماس أن تكون المساعدات الدولية سيفاً مسلطاً على الشعب الفلسطيني، وأكدت للقاصي والداني أن هذه المساعدات لن تكون ابتزازاً لشعبنا ومقاومته ولحماس، وهي التي على الدوام تشدد في سياساتها وتنتهج طريقاً ترفض فيه الابتزاز السياسي، وتؤكد بذات الوقت أنها لا تطلب أي قطيعة بينها وبين العالم ولا نية لديها لذلك، ومن الجهة الأخرى فإن الكيان المحتل وعلى جميع مكوناته وتكتلاته السياسية المختلفة وصف فوز حماس بالزلزال السياسي، وسارعت الرباعية الدولية لوضع شروطها الملزمة للتعامل مع “حماس”، فمكونات الاحتلال التي أجمعت على ضرورة تقويض سلطة حماس قد تقاطعت أهدافها مع أهداف فتح وكل أعداء الشعب الفلسطيني، وبعيداً عن الحصار وإغلاق المعابر وعدم السماح بإدخال المواد الأساسية الضرورية ومنع حركة المسافرين من وإلى غزة إلا من المتنفذين في حركة “فتح” وعدم السماح بدخول العملة الإسرائيلية، والتضييق والضغط على السكان، وجملة المراسيم الرئاسية التي اتخذت من قِبل سلطة فتح، ووضعت كعراقيل وعصي في دواليب العمل على طريق النجاح، كل ذلك جاء كخطوات رسمتها العقلية النازية الجديدة ووصلت الأمور بأن شنت حملة اعتقالات واسعة وشاملة يوم 29/6/2006 طالت وزراء وأعضاء مجلس تشريعي، ورؤساء وأعضاء مجالس محلية وبلدية منتخبين بالإضافة إلى العشرات من القادة والكوادر في حركة حماس، هذه الحملة توجت باختطاف رئيس الشرعية الفلسطينية ـ الدكتور عزيز دويك، ونائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور ناصر الدين الشاعر ولم يسلم أحد من الاختطاف والاعتقال ولو لمرة واحدة من النواب والوزراء، وقد اعتقل البعض منذ إعلان نتائج الانتحابات الأخيرة أكثر من ثلاث مرات، فقد اعتقل ستة وأربعون نائباً من أصل سبعة وأربعين نائباً ممن يُحسبون على حركة حماس في الضفة الغربية، كما واعتقل سبعة وزراء من وزراء الحكومة العاشرة، لذلك فإن هذه الاعتقالات لا يمكن وصفها بأقل من قرصنة إسرائيلية تستهدف النظام السياسي المحسوب على حركة حماس، وأن مجمل هذا الاستهداف للسلطتين التشريعية والتنفيذية يأتي في إطار تقويض النظام السياسي الجديد والمساعي المتواصلة لتوتير الأجواء في المنطقة وللالتفاف على خيار الشعب الفلسطيني على طريق إفشال الحكومة وإسقاطها وبالتالي استهداف القضية الوطنية برمتها.

لا شك أن ما قام به كيان الاحتلال الإسرائيلي يعد تجاوزاً خطيراً لكل الاتفاقات الدولية التي تضمن حصانة ممثلي الشعوب وسلامتهم ، ويُعد كذلك مساً خطيراً بالسيادة الفلسطينية، وتجاوزاً لكل الالتزامات التي وقعها الاحتلال مع منظمة التحرير الفلسطينية. فما يقوم به الاحتلال من عمليات اختطاف وإعتقال لا يتعدى كونه شكلاً من أشكال القرصنة والابتزاز السياسي الرخيص تتعمد سلطات الاحتلال الصهيوني ممارسته ضد الشعب الفلسطيني وممثليه البرلمانيين لكسر إرادة الشعب ومصادرة خياره وقراره التي عبر عنها في صناديق الاقتراع بطريقة حرة ونزيهة، كما أنها إمعان بالاستهتار بإرادة الشعب الفلسطيني، هذا إضافة إلى أنها تعتبر عدواناً على المؤسسات الشرعية الفلسطينية وعلى حقوق الإنسان وحصانة النواب والوزراء وعلى الشعب الفلسطيني بأكمله، ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن هذه الانتهاكات السافرة وعلى الدوام تتم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وبدلاً أن يُشكل هذا الاستهداف دافعاً لكل القوى الحية في الشعب الفلسطيني لتعزيز الوحدة الوطنية والالتفاف أكثر حول الحكومة ومواقفها الثابتة للحيلولة دون تمرير المخططات الصهيو ـ أمريكية في المنطقة، وبدلاً من أن يستدعي ذلك وقفة جادة ومسؤولة ومن كافة مكونات الطيف السياسي الفلسطيني للتمسك بالثوابت والمحافظة على الوحدة الوطنية وتعزيز كل عناصر القوة والتوافق الوطني داخل الساحة الفلسطينية وتجنيد الرأي العام العالمي لحماية الشرعية الفلسطينية ولإفشال المخططات الإسرائيلية التي لا تريد الحرية والاستقلال للفلسطينيين وإقامة كيانهم المستقل، رأينا التيار المتنفذ في حركة فتح يلعبُ دوراً فاعلاً لإفشال الحكومة وتقويض نظامها متنصلاً من مسؤولياته ومتغاضياً عن أن حماية الشرعية الفلسطينية مطلب ديني ووطني وأخلاقي.

واليوم ومع استمرار اختطاف واعتقال النواب والوزراء ومن خلال سياسة الباب الدوار فإن ذك يعد انتهاكاً لأبسط القيم والأعراف والقوانين الدولية ويأتي في سياق سياسة تصعيدية مبرمجة للحيلولة دون التئام المجلس التشريعي في نصابه المكتمل، بينما يفرض الاحتلال وأعوانه حصاراً صارما على غزة وشعبها ويُمنع ممثلو الشعب الفلسطيني من مغادرة قطاع غزة وهكذا تقع الشرعية الفلسطينية بين فكي كماشة التغييب القسري والمحاصرة.

ولكن كل ما تقدم لا يتناقض مع صرخات الحزن والألم إزاء التقصير الفاضح عند غالبية أعضاء التشريعي ومن كل الأطياف والألوان، والأمر ليس مقصوراً على نواب التغيير والإصلاح الذين غيروا الاسم في شهادة الميلاد فيما بينهم وصدروه إلى الشعب الفلسطيني من خلال وسائل الإعلام حيث أصبح ” النواب الإسلاميون، والجميع يظن أن النواب الأكارم قد شمروا عن ساعد الجد والاجتهاد، وأرادوا أن يخدموا الشعب الفلسطيني الذي انتخبهم آخذين بعين الاعتبار الواقع الجديد وفزاعة الاعتقال وهنا من الحكمة أن يتجنب النواب بُعبع الاعتقال، وان يقوموا بالمهام والصلاحيات الموكولة لهم وفق ما منحهم الدستور ذلك ووفق عقد الانتخابات الديني والوطني والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني، ولكن ما حصل أنه تمَّ تغيير الاسم في شهادة الميلاد من جهة، وهناك من ذهب في بيات شتوي أو بيات صيفي أو في البياتين معاً، ولا أحد يُنكر أن هناك من النواب من يحمل الهم ولكن بنسب متفاوتة وغالبيتهم في أسفل السفل من حيث القيام بالأمانة وبالواجبات والمهام ، وهذا ليس تقييماً شخصياً على الإطلاق.

كان بالإمكان أن يفكر النواب ويستشيروا ويسمعوا لمن يُقدم لهم النُصح والمشورة على مدار سنوات كيف يمكن أن نتغلب على الواقع المفروض علينا ونبقى على تماس مباشر مع أبناء شعبنا الفلسطيني، ويقيني أن النواب لن تنقصهم الخبرة ولا القدرة العقلية ولا الثقافة بأن تتفتق العقلية النيابية عن أساليب وآليات جديدة تحاول من خلالها انتزاع حقها في تمثيل شعبها، وأن تتلمس حاجات ومشاكل، ولكن من المؤسف أن نقول وبأعلى الصوت أن غالبية من يمثل الشعب الفلسطيني ـ وهنا أتحدث عن الضفة الغربية ـ بواد والشعب الفلسطيني بواد آخر حيث لا نجد من هؤلاء الذين وطنوا أنفسهم على القبول بالواقع المفروض ولم يحركوا ساكناً بالرغم من تغيير الاسم، وبما يكفله لهم الدستور لانتزاع حقهم في تمثيل الشعب الفلسطيني، أو على أقل ما يمكن الاحتجاج الفعلي من خلال الاعتصامات المستمرة وفضح الاستبداد المستشري في الساحة الفلسطينية، وهنا طُرحت التساؤلات التالية على سبيل المثال وليس الحصر، لماذا لم يقم النواب خيمة اعتصام واحدة في ساحات التشريعي وأمام المقاطعة في رام الله في محاولة لانتزاع التشريعي صلاحياته من قبل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات