الثلاثاء 13/مايو/2025

منابر وخطباء بين الواقع والمأمول

ممدوح بري
يؤلمنا حقاً اعتلاء منابر الجمعة من قبل خطباء ألفوا الرتابة الوظيفية، وعهدوا أنفسهم لخدمة الاستبداد السياسي ونشر ثقافة الطغيان أملاً براتب وإكرامية، فمنذ عقود وربما قرون خضعت رسالة المسجد لأهواء الحاكم المستبد ورغباته، ومنع الخطيب من التفوه بقضايا الشأن العام على اعتبار أنها من المحرمات وكبيرة الكبائر، وغالباً ما تقوقعت رسالة المسجد واختزلت في عرض قضايا لا تمس جوهر احتياجات الأمة (رغم أهميتها) على شاكلة الطهارة والنَفاس حتى تبلدت مسامع رواد المسجد ومريديه.

كثيراً ما أسهمت الرتابة الوظيفية والتبعية وخيانة الأمانة والعهد لدى بعض الأئمة والخطباء في نشر ثقافة سياسية مضحكة تدعم الاستبداد والظلم وتدعمه، حيث أضحى صعباً على كثيرٍ من الأئمة والخطباء توضيح وشرح حَدث سياسي مؤلم أصاب الأمة، ويكتفي بعضهم بكلمات مجتزئة مبهمة يتم تكرارها في كل جمعة ولا تمس الحقيقة بشيء غير أنها كلمات فرضها عليهم السادة أصحاب القرار. يصول ويجول – فضيلة شيخ الاستبداد – مظهراً حزنه وعويله على واقع أهلنا في ارض الشام والكنانة والسواد، جل كلماته توحي برفضه مجمل المطالب الشعبية، معتبراً إياها مؤامرة خارجية تستهدف الأمة، وكأن الأمة كانت في خير رغيد، وكأن حكامها أمناء لم يتآمروا على شعوبهم، وكأنهم لم يعقدوا معاهدات تحالف مع أعداء الأمة، رغم تلك الجرائم البشعة ما زال فضيلة الإمام الشيخ المبجل يعلن بتبجح فاضح أحقية حكم طغاةٍ استبدوا شعوبهم ونهبوا مقدرات الأمة وباعوها بثمن بخس.

فكرة استغلال الطغاة للمؤسسة الدينية في المشرق العربي قديمة منذ الأزل، وكثيراً ما استغل المعبد والكهنوت بأساليب خبيثة ووسائل إغراء يمتلكها الطغاة إما بالمال ومَنح الأراضيين والهبات والعطايا وأحياناً بالقوة والبطش وتدمير المعابد والهياكل.

شيدت المعابد في بلاد المشرق القديم وأنفقت لأجلها أموال طائلة سلبت من رقاب العبيد والعوام، حيث عاش رجال المعبد حياة رغيدة، ومنذ عهد الأسرة الفرعونية الأولى أضحى للمؤسسة الدينية تأثير ومكانة لدى الخاصة والعامة واتسع شأنها حين أسهمت في توجيه اتجاهات عوام الناس وأفكارهم، وربطتهم بتبعية مطلقة بالفراعنة مدعية بأنهم الآلهة وبيدهم وحدهم هطول الأمطار وانبعاث الزرع وحلول البركة، وأصبح لدى كهنوت المعبد حظوة وصوت مسموع يسايرهم الفرعون وتبجلهم الأسرة الحاكمة.

قاوم رجال المعبد ومؤسسة الكهنوت بكل قوة متاحة حركات الإصلاح ودعواتِ رفض فكرة تعدد الآلهة، ورفضوا المطالب الداعية لعدم خضوع المؤسسة الدينية لأشكال التبعية السياسية، وقتل وعذب وسجن كل من رفض الخضوع لكهان المعبد واتهم بالزندقة منذ عصر الفراعنة مروراً بمملكة داود وسليمان وما تخللها من فساد أعضاء المحفل الديني في القدس وما وقع على آل عمران من تجنٍ وظلم بسبب دعواتهم الإصلاحية مروراً بالعصر الحديث وموقف علماء الأزهر من حملة نابليون على مصر عام 1798م حيث تشعبوا بين متخاذل ومقاوم لنابليون وجيشه وبين مقلد ومجدد.

وأخيراً:

لم يختلف موقف الإمام الأكبر – شيخ العسكر – وبابا الكنيسة القبطية وحزب النور السلفي من ثورة 25 يناير 2011م في مصر عن تلك الرتابة الوظيفية والتبعية العمياء التي مارسها كهنوت المعبد لدى الفراعنة وأنظمة الاستبداد، ومنذ أقدم العصور البشرية زينوا الاستبداد وتآلفوا معه، عشقوا التبعية وحياة العبودية. تجمعهم الاستكانة والتقليد ورفض التجديد. اضفوا الشرعية على حكم الطغاة وخدروا رعاياهم بنصوص شرعية مجتزأة، تبادلوا الأدوار مقابل العيش الرغيد.

ختاماً:

رغم الرتابة الوظيفية ومسح الجوخ ما زال هناك علماء يحملون لواء الحق عاشوا وعذبوا وسجنوا وماتوا لأجله ومن اجله، نتذكر هنا سيرة سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبي ذر الغفاري واحمد بن حنبل والعز بن عبد السلام وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وعبد القادر الجزائري والشيخ المقراني وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي والإمام المهدي والسنوسي والألوسي والشوكاني والإمام حسن البنا والشيخ احمد ياسين وثورة طلاب الأزهر هذه الأيام ضد الطغيان وحكم الأقلية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات