عن الوحدة الوطنية؛ شعارا وشعورا

من يشغلون مواقع السلطة في الأوطان العربية يكاد التشابه في خطابهم الجماهيري يتطابق في أدقّ مفرداته، مثلما أنه يخلّف وقعاً مشابهاً لدى المستمع الذي يعي أن الكذب يغلّف كل ما يصله من شعارات ومطالبات.
غير أن الزيف يبلغ مداه حين تكون إجراءات تلك السلطات تؤدي فقط إلى تمزيق المجتمعات وطعنها في كرامتها ومحاولة إبادة وعيها وإلزامها بتبني روايات الرسميين ومنظومتهم في الرؤية والحكم على الأمور، ومن جهة أخرى حين يكون مطلوباً من ضحايا القمع أن يُسقطوا حقوقهم وأن يقرّوا (بعدالة) كل انتهاك صدر بحقّهم، وأن يكفوا عن الشكوى والاعتراض والغضب، وأن يُفسّر نضالهم لأجل حقوقهم أو غضبهم من انتهاكها بأنه جالب للفتنة ومهدد للوحدة الوطنية!
يتساوق كثيرون مع هذه النمطية المجحفة، ومنهم أكاديميون وكتاب وإعلاميون يُفترض أن يكون التزامهم بدورهم التنويري حاثّاً على رفض الانصياع لمنطق السلطة الحاكمة وما فيه من زيف وإجحاف واستغباء للناس. لكن مصالحهم أو خصوماتهم مع أصحاب المظلومية تأبى عليهم إلا التجنّد خلف الطرف القوي، ومباركة خطابه والنفخ فيه، والمساهمة في تعزيز حالة الضياع وميوعة الفهم، ومراكمة الأعداد التي تستسلم لمفردات التضليل البالية، وتغضّ الطرف عن مسببات الفتن وتهتك الوحدة، لتتفرغ لمحاكمة النتيجة والقدح في عناصرها، بتجريم ردّة فعلهم، أو على الأقل مساواتهم بأصحاب الفعل، والبقاء في دوامة النداءات المطلقة المطالبة بتجاوز الخلافات ورأب الصدع، دونما التفات لمسببات الأزمة أو عوامل إدامتها.
في كل التجارب الإنسانية، سَهُل التعامل مع الفتن الحقيقية المفتعلة من عناصر أو مجموعات غير مرتبطة بالسلطة الحاكمة، لكن الفتن الأصعب التي تحدث شرخاً عميق الغور في المجتمعات يصعب ردمه هي تلك التي تفتعلها الأنظمة أو السلطات، وتُغذيها وتزيّن لها، أو تحاول طمس آثارها مركّزة على ما هو مطلوب من الضحية وحسب، لأنها بهذا تريد للضحية أن تكون أنموذجاً يعلّم بقية الجمهور المذلّة والصَّغار والتنازل إكراماً لمفردات (كبرى) يتم حشدها والتلاعب بمدلولاتها كالاستقرار والأمان والتوافق والمصالحة المجتمعية ونحو ذلك، وهي مفردات تبدو خلّابة لجمهور المشتغلين بالإعلام وموجّهيه الذين يعيدون صياغتها في قوالب شتّى تعزّز فقط من مواقف الأنظمة، وتُصلّب قوام خطابها، وتسوّغ أيضاً كل ممارساتها القمعية. بل قد يصبح القمع وانتهاك الحقوق والحرمات، والحجر على الضحايا من مقوّمات ذلك الاستقرار الموهوم الذي ينادي به ممتهنو النفاق السياسي والفكري.
تراهن الأنظمة دائماً على عاطفية الجمهور واغتراره بالشعارات من جهة، وعلى قابلية الضحية للتسامح من جهة ثانية، خصوصاً حين تكون الضحية مستندة إلى بناء أخلاقي يُلزمها بنهج معارضة غير دموي. ولذلك نجد الأنظمة غير عابئة بتبعات ما تُقدم عليه من فعل ابتداءً مهما كانت وطأة إجرامه ثقيلة، لأنها ضمنت مسبقاً أن ردود الفعل لن تشابه إجراءاتها، وبالتالي لن تحمل تهديداً حقيقياً لها، ولأنها تعي أن استثمارها لاحقاً في خطاب استجلاب الأمن والاستقرار سيرغم شريحة مؤثرة من النخب الضالة على مساعدتها في إسكات الضحايا، بل وعدّ صراخها أو تألمها وتعبيرها عنه مدخلاً للفتنة ونافياً للاستقرار.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...