الخميس 08/مايو/2025

ذكرى إعلان دولة فلسطين.. الهدف والغاية

د. أيمن أبو ناهية
في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1988م قبل خمسة وعشرين عاماً أعلن رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات من قصر الصنوبر في الجزائر وثيقة استقلال وقيام دولة فلسطين، بعد أن تراجعت منظمة التحرير عن كل مبادئها الوطنية السامية في الكفاح المسلح، واتباع الطرق السلمية خيارًا وحيدًا للتحرير، إذ أقر المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1974م برنامج النقاط العشر التي صاغها قيادات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي دعت فيها إلى إنشاء سلطة وطنية على أي قطعة محررة من أرض فلسطين، والعمل الفاعل لإنشاء دولة علمانية ديمقراطية ثنائية القومية.

منذ ذلك الحين دخلت منظمة التحرير في نفق التنازلات مرورًا باتفاقية (أوسلو)، وما تبعها من اتفاقيات عديدة أدت إلى تكتيفنا وإذلالنا أكثر فأكثر، وتحولت المنظمة بمجلسها الوطني من قوة وفتوة إلى ضعف وترهل وتهميش من سلطة فتح، التي تعد المقاول الوحيد للمفاوضات مع الاحتلال التي استغرقت عقدين متواصلين، ولم نلمس أي تقدم على غرار وثيقة الاستقلال، واليوم نسمع عن تقديم فريق المفاوضات الفلسطيني الاستقالة، بعد أن عرف أنه لا يستطيع إحراز تقدم في أي من القضايا الجزئية والكلية على حد سواء، لماذا؟؛ لأن ما بني على باطل هو باطل، فلا جدوى من مفاوضات لا يوجد لها أساسات وقواعد ترتكز عليها، حين قدمت القضايا الجزئية والثانوية على القضايا الرئيسة، وهي تمثل جوهر الصراع؛ ففرحنا وطبلنا وزمرنا لـ”غزة أريحا أولًا” و”غزة سنغافورة”، وتجاهلنا قضايا الاستيطان والقدس واللاجئين والحدود والأسرى.

الآن يعترف صائب عريقات بفشل المفاوضات ويقدم استقالته، ويا للأسف إن رئيس السلطة لا يزال مصممًا على مواصلة المفاوضات مع الاحتلال، الذي يواصل ليل نهار الاستيطان والتهويد والاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، ولو كانت لدى حكومة نتنياهو الرغبة الحقيقية في تحقيق السلام؛ فإن هذه الرغبة كان من المفروض أن تتجسد خلال المفاوضات السابقة، غير أن كل الشواهد الآن تدل على أن العكس من ذلك هو الذي حدث، ووصل الأمر إلى حد استقالة المفاوضين الفلسطينيين في المحادثات؛ لأن اليأس من حدوث أي تقدم قد وصل بهم إلى مداه ومنتهاه.

فهذا اليأس غير مقبول _دون شك_ من رجل يجيد القسمة والطرح ويكره الجمع، فعباس هو مهندس اتفاقية (أوسلو)، واستقالة المفاوضين تعني كشف فشله وفشل مشروعه من الأساس، لكن حاجة عباس للمفاوضات أصبحت أكثر تعثرًا ومخيبة للآمال بإعلان نتنياهو شروطه لاستئناف المفاوضات: “اعتراف الفلسطينيين بجعل دولتهم منزوعة السلاح، وترتيبات تضمن أمن (إسرائيل)، وخاصة الاعتراف بالطابع اليهودي أو يهودية الدولة؛ ليشكل ذلك ضمانة لعدم طرح مطالب أخرى في المستقبل، مثل: إعادة اللاجئين وتقسيم القدس”، ويعد هذا الشرط من أخطر سياسات (الترانسفير) على فلسطينيي الداخل.

فقد أصبحت مواقف سلطات الاحتلال واضحة للعيان من المفاوضات السلمية من مخططات استيطانية غير مسبوقة في حجمها، وتسامح مع اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم، كاشفة تناقضًا حقيقيًّا بين رفضها قرارات الشرعية الدولية عمليًّا من ناحية، ورغبتها في التظاهر شكليًّا بأنها مع عملية التسوية ومع المفاوضات، ولكن على نحو صوري يرتكز على التصريحات والبيانات الفارغة من المضمون والجوهر، من الناحية الأخرى، فأفعالهم والحقائق التي يخلقونها على أرض الواقع كلها تنبع من سياسة محددة هدفها تكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان، ما يؤدي إلى تهويد الأراضي المحتلة، وتفريغها من أهلها الفلسطينيين بشكل تدريجي وممنهج.

إعلان الدولة المستقلة يذكرنا بالمثل القائل: “سمعنا جرشًا ولم نرَ طحينًا”، والمفاوضات السلمية ليس لها هدف ولا غاية، فالغاية تبرر الوسيلة عندما يكون هناك هدف واضح ومحقق أو نصر مؤزر، أما الهدف منها فكان نابعًا من صميم الضعف وتقديم التنازلات، وصولًا إلى الاعتراف بالكيان العبري دون الاعتراف بحقنا في قيام الدولة الفلسطينية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات