انصياع السلطة للضغوط يضيع فرصة ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة

ما بين ازدواجية معايير المؤسسات الدولية من جهة والحسابات السياسة والخاصة لقادة سلطة رام الله التي تؤثر على المفاوضات والغنائم الشخصية المترتبة عليها على محاولة تحقيق العدالة من ناحية أخرى، تضيع فرصة ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة عبر المحكمة الجنائية الدولية.
الحقوقيان الفلسطينيان البارزان راجي الصوراني، وشعوان جبارين، وضعا أيديهما على الجرح عبر نداء مشترك أطلقاه لمطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتدخل قضائي واضح وعاجل من أجل الفلسطينيين الذين يتواصل تهميشهم.
تلاعب سياسي
وتظهر الوقائع التي تناولها كل من الصوراني وهو المدير العام للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وجبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، كيف أثرت الحسابات السياسية على عدم تفعيل دور هذه المنظمة القضائية الدولية في تحمل مسئولياتها، بشراكة ومسئولية مباشرة للسلطة في رام الله.
فقبل أكثر من ثلاث سنوات، وتحديداً في يوم 22 كانون ثان/ يناير 2009 -فور انتهاء الحرب على غزة- أودعت حكومة فلسطين إعلاناً لدى أمين سجل المحكمة الجنائية الدولية تقبل فيه بولاية المحكمة “بهدف تحديد هوية وملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم والمتواطئين فيها على أرض فلسطين منذ تاريخ 1 يوليو 2002”.
ويمنح الإعلان المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية للتحقيق في كافة الجرائم المشتبه في ارتكابها، بصرف النظر عن جنسية مرتكبيها، في الأرض الفلسطينية.
ولأن هكذا قرار كان من شأنه لو جرى استكماله تفعيل دور المحكمة في ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة على جرائمهم بحق المواطنين الفلسطينيين في غزة والضفة، تسارعت الضغوط على سلطة رام الله كي لا تكمل المطلوب منها لتضيع فرصة تحقيق المساءلة في المحكمة الجنائية الدولية.
استجابة السلطة للضغوط
ويرصد الصوراني وجبارين كيف كانت سبل تفعيل دور المحكمة بما يمثله من إمكانية تطبيق القانون للمرة الأولى بشكل متكافئ ونزيه على كافة الأطراف، “عرضة للتلاعب السياسي”.
فقد حاولت أوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص منع أي تدخل محتمل للمحكمة الجنائية الدولية. ففي سياق محاولة السلطة الحصول على العضوية في الأمم المتحدة، أشارت صحيفة الغارديان إلى أن المملكة المتحدة اشترطت دعمها للقرار بشأن دولة فلسطين بأن تمتنع “عن التقدم بطلب عضوية في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، واللتين يمكن استخدامهما لتوجيه اتهامات بشأن جرائم حرب أو رفع دعاوى قانونية أخرى ضد “إسرائيل”.
وأقر رئيس السلطة محمود عباس إلى ضغط مماثل من قبل الولايات المتحدة: “سمعت من الأمريكيين… قالوا: “إذا حصلتم على دولتكم فإنكم ستتوجهون إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ إننا لا نريدكم أن تتوجهوا إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
ولاحقاً أقر عباس بتجميد الذهاب للمنظمات الدولية استجابة للضغوط الأمريكية والصهيونية لتمهيد الطريق نحو استئناف المفاوضات، وقال إن الذهاب لمنظمات الأمم المتحدة تم تجميده بناء على اتفاق ينص على إطلاق سراح الأسرى القدامى وعددهم 104، مقابل تأجيل الذهاب للمنظمات الدولية مدة 9 أشهر”.
أوكامبو .. قرار غير بريء
إلا أن الحقوقيين الصوراني وجبارين شددا على أنه “من غير المقبول على الإطلاق ترك ملايين المدنيين خارج نطاق العدالة الدولية بسبب الضغوطات السياسية الممارسة على الحكومة، خاصة إذا كانت في وضع ضعيف للغاية كحكومة تحت الاحتلال ولا تستطيع تبني مواقف جريئة بدون مساندة المجتمع الدولي”.
الحسابات السياسية لدى سلطة رام الله، لم تكن وحدها العائق أمام تطبيق العدالة الدولية، فازدواجية المعايير لدى القائمين على هذه المؤسسات تعرقل قيامها بمسئولياتها.
وفي هذا الصدد، أشار الحقوقيان إلى القرار الذي أصدره لويس مورينو-أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بتاريخ 3 إبريل 2012، وبعد تأخر جاوز الثلاث سنوات، وكان مثار انتقادات شديدة، يرفض فيه قبول الولاية على فلسطين على أساس أن مكتب المدعي العام لم يكن يتمتع بصلاحية اتخاذ قرار حول ما إذا كانت فلسطين دولة وبالتالي يمكنها القبول بولاية المحكمة.
وأضافا “كان هنالك ادعاء بأن هذا القرار في يد الأمم المتحدة، مع أن البيان تجاهل حقيقة أن فلسطين قبلت كدولة عضو في منظمة اليونسكو في شهر أكتوبر 2011، أي قبل قرار المدعي العام.
وبتاريخ 29 نوفمبر 2012، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة غير عضو بصفة مراقب، ما يزيل إمكانية التشكيك حول ما إذا كانت فلسطين دولة فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية”.
وبحسب الصوراني وجبارين، فإن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى الرغم من قدرته على فتح تحقيق على أساس الإعلان الفلسطيني الذي أودع في عام 2009 ولا يزال ساري المفعول، ينتظر أن تصادق فلسطين (سلطة رام الله) على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وأن تصبح عضواً كاملاً، ما يشير مجدداً إلى أن الحسابات السياسية واستجابة السلطة للضغوط الخارجية تعيق فرص تحقيق العدالة وملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة.
وفيما تطالب كل من مؤسسة الحق والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سلطة رام الله بالتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمعاهدات الدولية الأخرى، تشددان في نفس الوقت على أن موقف المحكمة الجنائية الدولية الحالي غير مقبول.
هل تضيع العدالة؟
وترى المنظمتان الحقوقيتان أن السماح للدول بالتهرب من المساءلة لأنها غيرت رأيها بعد إطلاق ولاية المحكمة، سواء من خلال رفض التصديق لاحقاً على النظام الأساسي أو “سحب” الإحالة الأولية، يعتبر مناقضاً لأهداف وغايات المحكمة الجنائية الدولية. “لا يمكن أخذ العدالة كرهينة بهذه الطريقة”.
ورأتا أنه “من غير المقبول على الإطلاق ترك ملايين المدنيين خارج نطاق العدالة الدولية بسبب الضغوطات السياسية الممارسة على الحكومة، خاصة إذا كانت في وضع ضعيف للغاية كحكومة تحت الاحتلال ولا تستطيع تبني مواقف جرئية بدون مساندة المجتمع الدولي”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...