الإثنين 08/يوليو/2024

مخاطر الانقلاب في مصر على القضية الفلسطينية (تحليل)

مخاطر الانقلاب في مصر على القضية الفلسطينية (تحليل)


ترتبط فلسطين ومصر بروابط جغرافية واجتماعية وسياسية واضحة، وتتحكم بهذه العلاقة وقائع تاريخية وعوامل اقتصادية، وغالباً ما تكون متأثرة بالمصالح المشتركة أحياناً والمتناقضة أحياناً أخرى، وهذه العلاقة محكومة بعوامل أمنية معقدة، مرتبطة بالمدى الحيوي لكل من الجانبين، والأوضاع الإقليمية والدولية.

وازدادت هذه الروابط تعقيداً مع الاحتلال الصهيوني الذي فرض وجوده وقائع مرتبطة بظروف الصراع، ونتائج الحروب في المنطقة.

والمتغيرات التي أفرزتها عملية التسوية واتفاقية السلام المتبادلة بين القاهرة و”تل أبيب”، والتي قيّدت جمهورية مصر العربية بقيود أثّرت على موقعها ودورها الإقليمي وفي معادلة الصراع، وانعكس ذلك بطبيعة الحال على القضية الفلسطينية وعلى حياة الفلسطينيين وخياراتهم السياسية.

تاريخياً.. احتفظت مصر بعلاقة قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولعبت المخابرات المصرية دوراً في التأثير بالقرار الفلسطيني ورسم التوجهات السياسية لقيادة المنظمة، من خلال علاقاتها برئيس منظمة التحرير الراحل ياسر عرفات وحركة فتح، واستمرت هذه العلاقة بشكلها الواضح حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 حين اضطرت منظمة التحرير لمجاراة القرار الرسمي العربي بالابتعاد عن مصر.

ساهم الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير من بيروت، وصراع المنظمة مع دمشق، في إعادة تقاربها مع القاهرة. وساهم التوجّه السياسي للقاهرة القائم على إطلاق حوار فلسطيني صهيوني برعاية أمريكية في توجّه منظمة التحرير إلى الجلوس مع “الإسرائيليين” عام 1991، في مؤتمر مدريد، ثم في فتح قناة تفاوض سرية أثمرت اتفاق أوسلو عام 1993.

ولا يخفى الدور الذي لعبه الرئيس المصري السابق حسني مبارك في وصول الفلسطينيين و”الإسرائيليين” إلى اتفاق طابا عام 1995.

فنظام الرئيس المصري أنور السادات أنتج اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، ونظام الرئيس حسني مبارك أوجد اتفاقيتي أوسلو 1993 وطابا 1995. غير أن علاقة الفلسطينيين مع النظام المصري تأزمت بعد عام 2006، حين فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات، إذ شجّعت القاهرة على رفض نتائج الانتخابات، وعملت مع السلطة الفلسطينية على منع حركة حماس من الحكم ومن الإدارة، وساهمت في فرض حصار اقتصادي قوي على قطاع غزة، وشجّعت جهاز الأمن الوقائي بقيادة محمد دحلان على ضرب حماس، وضغطت سياسياً ودبلوماسياً على حكومة إسماعيل هنية، ودعمت كل محاولة لاستئصال حكم حماس في غزة بعدما حسمت حماس عسكرياً في القطاع عام 2007، وعطّلت القاهرة أي مصالحة فلسطينية داخلية، حتى المصالحة التي رعاها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، إذ لم تكن القيادة المصرية مقتنعة بالمصالحة بين فتح وحماس، وهي كانت مع اتفاق مصالحة يميل لمصلحة محمود عباس ويعيد الأوضاع في غزة إلى ما كانت عليه قبل هجوم حماس على فتح وأجهزتها الأمنية.

ودعم نظام مبارك حرباً صهيونية على قطاع غزة عام 2008-2009، وأصرّ على تلبية شروط حكومة إيهود أولمرت، ثم مارس نظام مبارك ضغوطاً على حماس لتسليم الجندي الصهيوني جلعاد شاليت الذي أسرته حماس عام 2006، بدون ثمن كبير أو صفقة ذات قيمة كما كانت تطالب حماس، وهو ما نجحت فيه الحركة لاحقاً بعد سقوط نظام مبارك.

بقيت العلاقة بين حماس والنظام المصري على هذا الشكل حتى سقط حسني مبارك في فبراير/شباط 2011، ووصل محمد مرسي إلى الرئاسة.

لا يخفى على المتابعين حجم العلاقة بين حماس وحركة الإخوان المسلمين، وتوقعت جهات كثيرة أن تستفيد حماس من وصول الإخوان إلى السلطة في مصر، غير أن الحقيقة هي عكس ذلك. فحركة حماس لم تحصد نتائج مهمة من وصول مرسي للسلطة، إذ لم تستطع حماس افتتاح مراكز لها في القاهرة باستثناء مكتب للدكتور موسى أبو مرزوق. وبقيت المعابر بين قطاع غزة ومصر على حالها باستثناء تعديلات طفيفة في الحركة، ومنعت السلطات المصرية أكثر من مرة إدخال مواد مهمة إلى غزة مثل النفط.

وتعرضت حركة حماس أثناء وجود مرسي في السلطة إلى هجمة سياسية إعلامية داخل مصر، مصدرها أجهزة أمنية ووسائل إعلامية محسوبة على نظام مبارك.

السيناريوهات القادمة

لكن مع عودة الجيش المصري للإمساك بالسلطة في مصر، وضربه المعارضة بهذا العنف، والإفراج عن الرئيس حسني مبارك، فإن علاقة مصر بالقضية الفلسطينية ستأخذ في المستقبل الاحتمالات الثلاثة التالية:

الأول: تجميد العلاقة:

وهذا يعني أن السلطة المصرية لن تهتم بالقضية الفلسطينية من حيث التسوية مع الاحتلال والمصالحة الفلسطينية والعلاقة مع حماس وقطاع غزة. وهذا احتمال ضعيف للغاية بسبب دور مصر وموقعها، وعلاقة الجيش المصري والسلطة الجديدة بالأمريكيين ودول الاعتدال العربي.

الاحتمال الثاني: تحسين العلاقة مع حماس وفتح وكل القوى الفلسطينية والتعامل بالمساواة مع الجميع، وهذا احتمال ضعيف أيضاً، نظراً للممارسة التي حكمت تصرفات السلطة الجديدة ووضوح ارتباطاتها وعلاقتها بالخارج وب”الإسرائيليين”، وانكشاف علاقة السلطة الحاكمة في مصر اليوم مع قطاع غزة على حجم ما تخبّئ جماعة السيسي للفلسطينيين، حيث جرى إغلاق المعابر، وتدمير مئات الأنفاق، واتهام حماس بالتدخل في الشأن الداخلي المصري، ومحاكمة مرسي وقادة الإخوان على خلفية علاقتهم بحماس، واتهام حماس بالتورط في قتال الجيش المصري في سيناء.

الاحتمال الثالث: الضرر الذي يحقله الانقلاب في مصر بالقضية الفلسطينية:

إن الانقلاب الذي وقع في مصر لا تشمل أهدافه مصر وحدها، فالانقلاب –كما يبدو من وقائعه وأطرافه والقائمين عليه- هو مشروع يبدأ بضرب الحركة الإسلامية في مصر، وسوف يصل إلى غزة وباقي دول العالم العربي، وهو نتاج توافق أمريكي صهيوني أوروبي، تدعمه دول عربية متمولة، ويحمل أهدافاً سياسية خطرة، برز من أولى نتائجه إطلاق المفاوضات الفلسطينية الصهيونية مجدداً.

إن أهم المخاطر التي يمكن رصدها لنتائج الانقلاب في مصر على القضية الفلسطينية هي في ما يلي:

1-  دعم حلّ سياسي نهائي ناتج عن المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ضعيفة على جزء من حدود عام 1967، ويتم فيه التخلّي عن كلّ الثوابت الفلسطينية وأهمها حق العودة.

2-  استهداف مشروع المقاومة في فلسطين كمقدمة من أجل إضعافه أو ضربه بشكل نهائي، من خلال تشديد الحصار على غزة، ودعم مجموعات تخريبية داخل القطاع، وفرض حصار سياسي على حماس، ودعم أعمال عدوانية صهيونية ضدّ غزة، أو عمليات اعتقال وملاحقة ضدّ المقاومين في الضفة الغربية.

3-  احتمال قيام الجيش المصري بأعمال عسكرية ضدّ قطاع غزة، مثل عمليات قصف أو اغتيال أو تخريب، تحت ذريعة ملاحقة مسلّحين فارّين من سيناء.

4-  احتمال تغطية سياسية ودبلوماسية وإعلامية مصرية لعدوان صهيوني محتمل على قطاع غزة.

5-  إن الاستمرار في حكم مصر بأسلوب عسكري وقمع الحريات وملاحقة المعارضين وضرب القوى الإسلامية في مصر، هو طعنة للمشروع الفلسطيني المقاوم في فلسطين، نظراً للترابط القوي ولقدرة هذه المجموعات على مساندة مشروع المقاومة في فلسطين.

6-  إن قدرة النظام المصري الجديد على دعم سلطة عباس سياسياً وأمنياً هو مؤشر قوي على إمكانية تعويم هذه السلطة بنهجها وسياستها ومشروعها المتوافق مع الاحتلال، والذي يلحق أكبر الضرر بالقضية الفلسطينية.

7-  كذلك فإن دور مصر العربي والإقليمي من شأنه أن يؤدي إلى توافر غطاء عربي رسمي لأي تنازل فلسطيني أو عربي لمصلحة الاحتلال الصهيوني، خاصة في ظل الضعف والانقسام داخل العالم العربي.

المصدر: بيسان للخدمة الإخبارية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات