الثلاثاء 13/مايو/2025

وهم الإلغاء ووهم الرصاص!

لمى خاطر
ماذا تراه يكون الرابط بين ادعاء قيادة السلطة في رام الله إلغاء جلسة التفاوض مع الاحتلال التي كانت مقررة في أريحا وبين خروج مسلّحين ملثمين في مخيم قلنديا خلال جنازة تشييع الشهداء الثلاثة الذين ارتقوا أمس خلال مواجهات مع قوات الاحتلال بعد اقتحامها المخيم؟!

هناك ما هو أكثر من الوهم بطبيعة الحال، فلا الإلغاء يسمن أو يغني من جوع الفلسطيني للثأر والانتقام، ولا الرصاص يكون رصاصاً مقاوما حين يطلق في الهواء، ويسكت عن صدر المحتل.

ثم يأتي تعليق خائب وخجول من قيادات السلطة السياسية والأمنية يقول إن جريمة الاحتلال هدفها تدمير جهود المفاوضات، مع دعوات للمجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ مسيرة السلام!

لم يعد الأمر خطاباً خشبياً دأبت هذه القيادات على ترديده منذ سنوات طويلة، إنها اليوم جادة في تعويلها على جني ثمار التفاوض، حتى لو كانت غضة أو مرة المذاق، المهم أن يُمدّ في عمر هذه السلطة بإرادة المجتمع الدولي، وأن يحال بينها وبين الانهيار، ثم أن يتحقق الحلم الشيطاني بالتخلّص من غزة وبالقضاء على قيادة المقاومة فيها، أو على الأقل بنفيها خارج حدود فلسطين، كونها متمردة على عصا الطاعة!

علّقت قيادة السلطة جلسة تفاوض واحدة مع الاحتلال، وعلّقت على الجريمة الصهيونية باكية على مشروع التفاوض لا على الدماء، وانطلقت عشرات الرصاصات من سلاح الملثمين المحسوبين على أجهزة الأمن، وبهذا انتهت القصة لدى قيادة السلطة، ولا بد من العمل على إنهاء تبعاتها الميدانية، ذلك أن شرارة مفاجئة يمكنها أن تخلط الأوراق، وأن تفسد طبخة التفاوض، وتعرقل خطوة التآمر التالية.

ولا مجال هنا (لدى الاحتلال والسلطة) للمغامرة بالتضحية بحالة الأمن المستتب في ساحة الضفة، والذي بتنا معه نشاهد المستوطنين في بعض المناطق يتسوقون من أسواق الفلسطينيين، ويسيرون معهم في شوارع واحدة بين المدن الفلسطينية.

ولهذا لا تملك إلا أن تتثاءب من القرف حين تسمع مسؤولاً يتحدث في محفل ما عن جهود (كنس الاحتلال) وبناء الدولة، فيما قيادته لا تعوّل إلا على عائدات التفاوض، ومكافآت حفظ أمن الاحتلال، من أجل بقاء ودوام واقعها الحالي، الذي لا يشبه الدولة ولا يشبه الاحتلال، ولا حتى الحكم الذاتي الذي طالما وصفه الفلسطينيون بالحل الخياني!

لم يكذب صائب عريقات حين سمّى كتابه البائس الشهير (الحياة مفاوضات)، فهو يتحدث عن حياته وحياة سلطته، حيث يُختزل المسار كلّه في التفاوض، وتضيق مساحة الاستثناءات بمرور الزمن، إلى أن نخلص لمرحلة جمود وبطالة على الصعيد النضالي، إلى درجة لا ينطلق فيها الرصاص إلا ليزعج مشيعي الشهداء، ويذكّرهم بالسطوة الأمنية، التي تلاحقهم حتى وهم يحملون النعوش، أما ترجمة الغضب فما عاد هناك متّسع لها، لا بالرصاص ولا حتى بالحجارة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات