مواجهة إسرائيل عواقب حقيقية لاحتلالها المستمر

هناك اسباب وجيهة جدا للتشكك في ان مسيرة السلام متجددة ستفضي الى اتفاق على دولتين، او حتى تحقق كثيرا من القدم. كانت تصريحات كيري حافلة بعد اليقين بشأن موعد محدد لبدء المحادثات، وجدول الاعمال الذي ستدور حوله. بل انه لم يكن مجديا ان اعضاء الحكومة الإسرائيلية سارعوا لتجديد قسم الولاء للمشروع الاستيطاني، او ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيجلس الى طاولة المفاوضات من دون اي المتطلبات المسبقة التي اوجزها كأساس لاي عملية (تفاوض) ذات معنى.
لا بد ان يُنظر بحذر ايضاً الى المشهد السياسي الداخلي لكل طرف رئيسي في عملية السلام. فهناك الكثير من اعضاء الحكومة الإسرائيلية الذين يفضلون ضم الاراضي الفلسطينية على اقامة دولتين، ويظل الفلسطينيون منقسمين سياسياً وضعفاء، فيما تنهمك الدول العربية الكبيرة في تحقيق الاستقرار داخل حدودها، ويظل الاميركيون مترددين سياسيا. غير ان الحذر المعقول، بل حتى التشاؤم، لا ينبغي ان يترجما الى انهزامية تنذر بالتحول الى نبؤة تحقق ذاتها.
تستحق ادارة الرئيس باراك اوباما الثناء كونها ادركت منذ بواكيرها مدى أهمية القضية الفلسطينية الإسرائيلية بالنسبة الى المنطقة، وكيف يُنظر الى اميركا هناك. بل انه حتى في خضم التقلبات الواسعة من سوريا الى مصر، تظل هذه القضية محتفظة بمكانتها الاثيرة ويحوم طائر القطرس الكبير حول رقبة واشنطن. كما يستحق كيري التقدير لما قام به من جهد شخصي برفع ذلك الالتزام الى مستويات جديدة، فقد زار المنطقة ست مرات منذ توليه منصبه وزيرا للخارجية.
هناك مغنم في التغلب على الطريق المسدود لمحادثات لا نهاية لها تدور حول المحادثات وتبادل اللوم قبل التفاوض، وان كان هذا قد يخالف ما يقوله المشككون. وعدا عن انهاء مشهد بنيامين نتنياهو الشاذ في القيام بدور “المتودد المرفوض للتواصل مع الفلسطينيين”، نورد في ما يلي خمسة اشياء في مصلحة هذه المحاولة الحديثة لانعاش مسيرة السلام:
وساطة كيري
يبدو ان وزير الخارجية تخلى عن الفكرة التافهة القائلة بان اميركا لا يمكن ان تكون راغبة في صفقة اكثر من رغبة الاطراف المعنية انفسهم. طبعا انها تستطيع ذلك: فاتفاق مستدام فلسطيني إسرائيلي يصب في مصلحة الامن القومي الاميركي، وهو ما شهد به صراحة كل قادة القيادة المركزية الاميركية منذ هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).
هناك تيارات قوية في السياسة الإسرائيلية وبين ابناء شعبها وافراد الحكومة تعتقد ان بامكان إسرائيل ان تسابق الزمن في موضوع خيار الدولتين – وهناك اتجاه مقارن على الجانب الفلسطيني. وعلى ضوء ذلك، وعلى اساس القلق الاميركي تجاه بدائل الدولتين، فان الامر يظل بين يدي الولايات التحدة لتقف وبيدها ساعة توقيت وتحقن المسيرة بالاستعجال.
لا ريب في ان انغماس كيري وتصميمه في هذا الجهد مهم بحد ذاته – ويجب ان يظل كذلك، حتى وان تم تعيين مبعوثين اضافيين. ولا يمكن اغفال أي طرف لدور وزير الخارجية في الاهتمام بالقضية، خاصة وان اوباما بذل ما يكفي للكشف عن تأييده – عندما اتصل بنتنياهو يوم الجمعة الماضي في خضم المحادثات.
قد تبدو الدبلوماسية المكوكية التي مارسها كيري منهجا قديما، لكنها وصلت بنا الى هذا الحد. وقد يصرخ المتسرعون مطالبين بالدبلوماسية الرقمية، لكن المحادثات وجها لوجه اكثر التصاقا بهذا الصراع. ولا بد لكيري ان يواصل مسيرته: فالنجاح يتطلب جهدا مرسوما على مدى الـ42 شهرا المتبقية من ولاية اوباما الثانية، بما يسمح من الوقت لاجراء تغيير سياسي يصب نقطة بعد اخرى على الموالين.
السياسات الصهيونية
بعد الفوز في انتخابات كانون الثاني (يناير) 2013 اخذ نتنياهو في تشكيل ائتلاف يضم غالبية معارضة لقيام دولتين. بل انه حتى وان عمد الى التعامل بطريقة أرييل شارون مع حزبه بشأن الحلول المتعلقة بالاراضي – وهو لم يظهر حتى الان اي ميل للقيام بذلك – فان من غير الواضح ما اذا كان بضعة افراد من حزبه سيقفون الى جانبه، او ان الوسط السياسي الإسرائيلي سوف يذعن لقيادته.
على ان هذا لا يعني ضياع كل شيء. اذ يظل هناك احتمال قوي بان اغلبية ضمن الكنيست الحالي تدعم حل الدولتين – تضم حزب يش عتيد الذي يرأسه يائير لابيد (19 مقعدا)، الاحزاب الدينية (18 مقعدا) العمل (1) هتنوعاه وترأسه تسيبي ليفني (6 مقاعد)، ميريتز (6 مقاعد)، كاديما (مقعدان) بما مجموعه 66. والكثير من الاحزاب العربية الفلسطينية ستدعم ذلك. وانطلاق “نتنياهو واصدقاؤه” الى مركز الوسط سيعزز تلك الغالبية – ولكن بامكانها ان توجد بدونهم.
والخلاصة هي كما يلي: اذا حانت ساعة المصادقة على حل الدولتين، فلا تفترض ان السياسة الداخلية الإسرائيلية ستعمد تلقائيا الى تخريبها. ولكن لا تتوقع من نتنياهو او النظام السياسي الإسرائيلي ان يعمل طواعية لخلق تلك اللحظة.
التركيز على الارض
تعتمد المفاوضات من هذا النوع دوما على درجة من الابداع والتصور، لكنها تحتاج الى مَراسٍ لا يمكن اغفالها. وإحدى هذه المراسي هي فكرة ان خطوط 1967 تكون اساس الحدود بين إسرائيل وفلسطين في حل الدولتين. ومن حسن الحظ ان كيري يدرك هذه الحقيقة ويعي انه لا يجوز للقضايا الاخرى ان تزاحم البعد الارضي.
لن يكون سهلا التركيز على الاراضي. وفي حال البدء بالمحادثات، فان من المتوقع ان يعمد نتنياهو الى وضع العراقيل امام بحث صادق للقضية بمحاولة تغيير الموضوع. واي تفسير مهما كان متهاوناً لموقف نتنياهو بشأن الارض لن يحقق ما تدعو اليه الحاجة لدولة فلسطينية قابلة للحياة ومقبولة سياسيا، ولا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي لموقفه غير المعقول ذي الحد الاقصى في مطالبه ان يكون مكشوفا سواء خارج إسرائيل او داخلها (حيث قد لا تقف السياسات فعلا الى جانبه).
ومطامح نتنياهو الاقليمية – التي تتصور القدس الموسعة ورفض إسرائيل الانسحاب من المستوطنات او غور الاردن – لا تترك بكل بساطة مجالا لدولة فلسطينية. فهو لم يوافق على حدود 1967 كاساس للمحادثات، ولم تعترف اي من حكوماته الثلاث قط بحل الدولتين كسياسة رسمية. والشيء ذاته ينطبق على حزبه الـ”ليكود”.
لا بد لكيري ان يعثر على طريقة للالتفاف على مواقف نتنياهو التعطيلية. واحد الخيارات هو وضع قضايا اخرى على مسارات متوازية، وهي خطوة يبدو ان وزير الخارجية بصدد اتخاذها فعلاً. ومع ان التحسينات الاقتصادية ذات اهمية واضحة، فانها لا يمكن ان تحل محل ازالة الاحتلال ويجب ان تبقى موضوع مفاوضات آخر منفصل يرأسه الآن ممثل الرباعية توني بلير. ولا يمكن السماح ايضاً للأمن بان يخرج قضية الاراضي عن سكتها – وهنا اوكل كيري الى الجنرال جون الين قيادة ماهو في الاغلب مسار ثنائي اميركي-إسرائيلي لمعالجة الامور الأمنية.
وضع كيري ايضاً بنية دعم اقليمية في مكانها، اذ ساعد في احياء مبادرة السلام العربية باجتماعه مرتين مع ممثلي دول عربية. وقد اعطى هذا العمل ثماره فعلاً، اذ اكدت المجموعة العربية فكرة السماح بمبادلات اراض عبر حدود 1967. ويجب ان يواصل وزير الخارجية تجنب المقاربة الفاشلة التي حاول اتباعها المبعوث السابق جورج ميتشل الذي ضغط على العرب لاتخاذ خطوات تدريجية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل ضمان انهاء الاحتلال.
كل هذا يمثل بداية ذكية من جانب كيري. والمجال الوحيد الذي يبدو ان نتنياهو ينجح فيه بصرف الاهتمام عن جهود الولايات المتحدة هو الاندفاع نحو وضع مسألة الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل يهودية في المقدمة. وقد يبدو هذا معقولاً – ولكنه مطلب باطل في غياب استعداد إسرائيلي للالتفات الى التاريخ الفلسطيني ورواياته والى التمييز البنيوي الحالي الذي يواجهه الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل نفسها.
ان جهد كيري سينجح او يفشل بناءً على قدرته على جر نتنياهو الى لحظة حقيقة بشأن موضوع الاراضي. ولا ينبغي السماح لاقتراح اتفاقات انتقالية غير مساعدة بخصوص الحدود بالالهاء عن ذلك: فاذا ووجه رئيس اللوزراء بخيار، فان من الارجح ان يكشف كقائل لـ”لا” – ولكن الجمهور الإسرائيلي قد يقول نعم بالرغم منه.
موقع “فورين بوليسي”، 23/8/2013
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حراس الأقصى يحبطون ذبح “قربانًا تلموديًا” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حراس المسجد الأقصى المبارك، اليوم الاثنين، إدخال مستوطنين "قربانا حيا" إلى باحاته، عبر باب الغوانمة....

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...