آثار إسقاط حكم الإخوان المسلمين على الكيان الصهيوني

في 25 كانون الثاني 2011 خرج 7 ملايين مصري، معظمهم من الشباب، أبناء الطبقة الوسطى، المثقفين والمدنيين، إلى الشوارع وأسقطوا بمساعدة الجيش نظام الرئيس حسني مبارك. في 30 حزيران 2013 خرج 17 مليون مصري مرة أخرى إلى الشوارع مطالبين باستقالة الرئيس المنتخب، محمد مرسي. هذه المرة انضم الى الاحتجاج كبار رجالات النظام القديم، الحركة السلفية، وكذا طبقة الفقراء. بعد ثلاثة أيام، وبمساعدة الجيش، عزل مرسي، واعتقلت أغلبية قيادة “الإخوان المسلمين”.
في الحالتين أيد الجيش مطالب الشارع. فضلا عن ذلك، استخلص قادة الجيش المصري الدروس من ثورة 2011، وفي ثورة 2013 حرصوا على عدم تصدر الساحة بل الدفع الى الأمام بقيادة في الفترة الانتقالية تضم شخصيات مدنية، مقبولة لدى الجمهور.
عُيّن القاضي عدلي منصور رئيساً للفترة الانتقالية، وكلف مسؤولية إقامة حكومة انتقالية، تشكل لجنة تصوغ تعديلات على الدستور وإعداد مصر لانتخابات برلمانية ورئاسية في غضون ستة أشهر. في هذه الفترة الحساسة سيكون على الجيش وأجهزة الأمن أن تتصدى لقمع انتفاضة مؤيدي “الإخوان المسلمين”، والحفاظ على النظام والاستقرار، والتأكد من الأداء الناجع للحكومة الانتقالية.
منذ بداية الهزة في العالم العربي، شاهدت اسرائيل بقلق الميل الثوري، تغيير الحكم، والصراعات الداخلية التي نشأت في دول الشرق الأوسط. ومع ذلك، أظهرت حكومة اسرائيل حصانة وامتنعت عن وعي عن التدخل التصريحي في المجريات، بينما تستعد للتحديات الناشئة، بالقوة وبالفعل، في إطار أحداث “الربيع العربي”.
في السياق المصري المميز، حرصت إسرائيل على الاستمرارية، بل عززت العلاقات الخاصة مع الجيش المصري، والتي تشكل مدماكا مركزيا ومرساة في الحفاظ على علاقات السلام بين الدولتين.
امتنعت حكومة “الإخوان المسلمين” عن أي علاقة سياسية علنية مباشرة بين الدولتين، ولكنها لم تحاول المس بالعلاقات الرسمية. المصلحة التي توجه خطى الطرفين كانت ولا تزال منع أي تصعيد وتدهور عسكري ينطوي على خطر المواجهة العسكرية. على هذه الخلفية عمل الحكم المصري على الجسر بين اسرائيل و”حماس” والتوسط في بلورة تفاهمات وقف النار في ختام جولة القتال التي نشبت بين اسرائيل والمنظمة في تشرين الثاني 2012 (حملة “عمود السحاب”).
ثمة أهمية تشكل سابقة لحقيقة أن اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر بقي على قيد الحياة في النظام الإسلامي، الذي يرفض مبدئيا حق وجود دولة اسرائيل. من الجهة الأخرى، من المعقول الافتراض بانه في حالة ترسخ حكم “الإخوان المسلمين” وتعزز واعتمد أقل على المساعدة الاقتصادية الغربية، كان سيندلع العداء الأيديولوجي العميق من “الإخوان المسلمين” تجاه اسرائيل وهذا يقوض أساس المصالح الأمنية والسياسية المشتركة بين الدولتين.
وقلص اهتزاز حكم “الإخوان المسلمين” في مصر، في أعقاب الثورة التي وقعت في تموز 2013، بدعم وقيادة الجيش المصري، احتمال التحقق القريب لهذا السيناريو. ولكن حتى هكذا يبقى التحدي الأمني الكامن في منطقة سيناء ساري المفعول. فمصر تدخل في فترة انتقالية طويلة، ولا سيما إذا لم تستكمل الحكومة الانتقالية المهمات التي كلفت بها، وفي أثنائها ستركز على الشؤون الداخلية المتمثلة بالحفاظ على القانون، النظام، الاستقرار ومنع الانهيار الاقتصادي.
في هذا الإطار سيكون الحكم منشغلا في كبح جماح الاحتجاج الشعبي، قمع بؤر انتفاضة “الإخوان المسلمين”، وكذا في تعديل الدستور، وفي الاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية وتنفيذها. وستصرف هذه التحديات انتباه الحكم عما يجري في سيناء.
ولكن من المتوقع للعمليات المتعاظمة للجماعات الجهادية والسلفية في منطقة سيناء، والتي ستحاول تحدي الحكم في القاهرة، من خلال الضرب المباشر لممثليه، أو بشكل غير مباشر من خلال استفزاز اسرائيل، أن تضعضع الأمن في سيناء في ظل الانتقال الى الأراضي الإسرائيلية.
وكنتيجة محتملة للتصعيد في هذه الساحة سيلحق الضرر بالعلاقات الخاصة بين المؤسسات العسكرية المصرية والاسرائيلية. وتلوح إمكانية أن يكون هذا هو التهديد الأكثر أهمية في جبهة الجنوب في الأشهر القريبة القادمة.
تحديات وتوصيات
الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي هو الحفاظ على علاقات السلام مع مصر، بل تعميقها. ثمة مصلحة خاصة لإسرائيل في تثبيت حكم علماني، ليبرالي، مسؤول، يؤدي وظائفه بنجاعة في مصر كلها وفي منطقة سيناء. إسرائيل مطالبة بالعمل على عدة مستويات من أجل تحقيق هذه الأهداف.
إسرائيل مطالبة بان تعمق التعاون مع الجيش المصري ومواصلة السماح له باستخدام القوات في سيناء، بحجم يخرج عما يملى في إطار الملحق العسكري لاتفاق السلام، ضد الشبكات الجهادية وشبكات تهريب الوسائل القتالية الى قطاع غزة. وقد استجابت اسرائيل الى طلبات مصرية باستخدام قوات ووسائل تتجاوز قيود الملحق العسكري لاتفاق السلام، ويجب الاستمرار في ذلك.
شهدت مصر عملية متواصلة وسريعة لتضعضع الأمن الداخلي. ميليشيات مسلحة، لا تخضع لإمرة محافل الأمن، يمكن أن نجدها اليوم في كل حي. سيتسع حكم هذه الميليشيات في الشارع كلما استمر التدهور الاقتصادي في الدولة.
كما أنه من المتوقع تمرد الطبقات الفقيرة، ذات المدى الأوسع. وبالتالي فان اختبار قدرة الحكم والنجاعة السلطوية سيجد تعبيره في إحلال القانون والنظام، وكذا في تحسين الوضع الاقتصادي وخلق أماكن عمل. في ضوء ذلك، تحسن إسرائيل عملا إذا ما أيدت مواصلة المساعدة الأميركية الأمنية للجيش المصري، وتوسيع المساعدة المدنية لمصر من جانب الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية، والمبادرة الدولية لتطوير البنى التحتية، التي تحتاجها مصر كالهواء للتنفس.
ويمكن للمحافل الإقليمية، التي انطلاقا من تخوفها على حكمها صلت لفشل وسقوط حكم “الإخوان المسلمين” في مصر، وعلى رأسها الملكيات السنية – السعودية، الأردن وإمارات الخليج – أن تساعد في استقرار مصر ودعم تصدي الحكم للتحديات القاسية في الداخل، وبالأساس بوسائل اقتصادية. ولإسرائيل تأثير محدود في هذا المجال، ولكن يمكنها أن تحاول إقامة قنوات تنسيق سرية مع الملكيات.
فضلا عن ذلك، فان استئناف المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، حتى على نطاق جزئي، يمكنه هو أيضا أن يدفع الى الأمام بتنسيق إقليمي واسع – ليس فقط في المساعي لاستقرار مصر، بل وأيضا في المساعي لبلورة جبهة إقليمية ضد المحور الراديكالي، بقيادة إيران.
لقد كانت العلاقات مع الجيش المصري ولا تزال حيوية. غير أنه بالتوازي، لا يمكن لاسرائيل ان تتجاهل النفوذ المتعاظم لقوى مدنية في مصر – الشباب الليبرالي والعلماني، الذي أثر جدا على الإطاحة بالرئيسين مبارك ومرسي.
لاسرائيل قدرة تأثير محدودة على الساحة السياسية في مصر، ومع ذلك، فان عليها أن تحاول إقامة قنوات حوار مع الجهات التي تخوض الثورة في ظل الحرص على الامتناع عن استفزاز الجيش المصري. وهكذا يمكن لاسرائيل أن تحاول إسداء المشورة لتلك المحافل المدنية في مواضيع الاقتصاد والإدارة السليمة. ويمكن لهذه المحافل أن تستعين باسرائيل وبعلاقاتها لتشجيع الاستثمارات في مصر.
يبدو أن إحدى الجهات التي تضررت بشكل كبير من سقوط حكم “الإخوان المسلمين” في مصر هي “حماس”، التي فقدت سندها الأيديولوجي والسياسي الأساس. وكذلك، استمرارا لفقدان معقلها في دمشق، تضعضع علاقاتها مع “حزب الله”، القطيعة بينها وبين النظام في ايران، عقب توثيق العلاقات مع حكم “الاخوان المسلمين” في مصر، وإخراج القيادة السياسية للمنظمة من قطر.
ليس هذا فقط، بل إنها تعتبر في نظر الشباب المصريين، الذين قادوا الثورة، متعاونة مع الحكم الذي أُسقط، ومنفذة لأعمال العنف التي أضرت بالمجتمع والجيش المصري. وبالتوازي تعاني “حماس” من انتقاد متعاظم من جانب الشارع في قطاع غزة. فثمة مبادرات لتوقيع السكان في القطاع على عريضة ضد قيادة “حماس”، وفق النموذج المصري لحركة “تمرد”، لاقت استجابة واضحة.
فضلا عن ذلك، فان تصميم الجيش المصري للتضييق على خطى المنظمة وقدرتها على إحداث تصعيد أمني، يجد تعبيره ضمن أمور اخرى في المصاعب التي تواجه تهريب البضائع، ولا سيما المدعومة، من مصر الى القطاع. وسيجعل تقليص حجوم التهريب من الصعب على “حماس” الحفاظ على مستوى مداخيلها، وبالتالي ستجد صعوبة في احتواء الاحتجاج ضد حكمها. وهكذا ستثور مصاعب في وجه إدخال الوسائل القتالية الى القطاع، ولا سيما الصواريخ والمقذوفات الصاروخية المحسنة.
لا يزال من السابق لأوانه القول اذا كانت هذه المصاعب ستشجع في اوساط قيادة “حماس” الاستعداد للمضي قدما في المصالحة مع السلطة الفلسطينية، اي الاستعداد لتنفيذ المطالب التي طرحها الرئيس محمود عباس على المنظمة كشرط للانخراط في السلطة.
وبالمقابل، يحتمل انه في ضوء أزمتها، سواء في الساحة الإقليمية أو في الساحة الفلسطينية الداخلية، ان تعود “حماس” لتحاول تثبيت مكانتها على أساس قدرة إلحاق الضرر بإسرائيل التي تتمثل بدعم أعمال الإرهاب عبر وساطة سيناء، او المبادرة الى إحداث تؤدي الى التدهور، التصعيد، والمواجهة المباشرة مع إسرائيل.
في كل الأحوال، ترتفع الدافعية للقيام بالعمليات ضد اسرائيل، من جانب “حماس” ومن جانب محافل “الجهاد” من سيناء. وبالتالي، على اسرائيل أن تعزز قدرات الدفاع على طول حدودها مع القطاع ومع سيناء. فحرية عمل اسرائيل تجاه منطقة سيناء مقيدة بالرد الدفاعي في نطاقها.
ولهذا السبب، فإنها ستضطر الى الامتناع عن خرق السيادة المصرية ومبادئ الملحق العسكري لاتفاق السلام، حتى في سيناريوهات يمكنها فيها أن تدعي حقها في الدفاع عن النفس. كل هذا كي لا تكون متورطة في الشؤون الداخلية في مصر، وألا تصرف الانتباه باتجاه اسرائيل.
ومن أجل محاولة تلطيف حدة الدافعية للعنف في صفوف “حماس” وباقي الفصائل المتطرفة العاملة في القطاع، يمكن لإسرائيل أن تنتهج سياسة توسيع نشاط المعابر الى القطاع وأذون الصيد بل والتفاهمات في ما يتعلق بإنتاج الغاز الطبيعي.
وختاماً، ينبغي تقويم إسقاط “الإخوان المسلمين” في مصر في السياق الواسع للميول الإقليمية والهزة في الشرق الأوسط. حتى وقت قريب ساد الإحساس بان الإسلام السياسي هو “المنتصر الأكبر”، ولكن سقوط حكم “الإخوان المسلمين” في مصر، ومعه تبدد مفعول شعارات مثل “الإسلام هو الحل”، وكذا الدليل القاطع على أن الإسلام السياسي سيجد صعوبة، مثل كل حكم آخر، في التصدي للتحديات المعقدة من الداخل من الخارج، لكل هذا ستكون آثار بعيدة المدى على عموم عناصر “الإخوان المسلمين” في المنطقة.
في الأردن من المتوقع ان يتقلص نفوذ حركة المعارضة من “الإخوان المسلمين” وتحسين قدرة تصدر الأسرة الهاشمية للحركة. ويحتمل أن يميل ميزان القوى في المعارضة السورية، التي تقاتل ضد حكم الأسد، الى جانب القوى الليبرالية – العلمانية، على حساب المحافل الإسلامية.
وستكون الميول في هذه الاتجاهات مريحة لاسرائيل، وكان عليها أن تواصل مراقبة تطورها، الى جانب الاعتراف بقدرتها المحدودة في التأثير عليها، في ظل الحفاظ على مسافة عن بؤرة الاهتمام الإقليمي، سواء من جانب الأنظمة أم من جانب الجمهور.
وفضلاً عما قيل أعلاه، من المعقول الافتراض بان حركة الإخوان المسلمين لن تتخلى بسهولة عن الفرصة التاريخية التي تسنت لها للحكم في مصر، في ضوء وزنها ومكانتها في العالم العربي والإسلامي. وبالتالي من المتوقع صراع داخلي طويل في مصر.
والى ذلك لا يمكن أن نقول بحسم بان تأثير الشارع سيعبر عن نفسه أيضاً في نتائج الانتخابات للرئاسة والبرلمان. وعليه فان على اسرائيل أن تتصرف بتواضع، وتمتنع عن تصريحات ضارة، وان تبقي في يدها مجال المناورة، في مواجهة واقع سياسي متقلب في مصر.
معهد بحوث الأمن القومي، 6/8/2013
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...