الثلاثاء 13/مايو/2025

المقاومة بين المكاسب الصلبة والهشة

وائل المصري
لعل قرار جيش الاحتلال تقليص مسافة الصيد البحري إلى النصف بعد أن كانت ستة أميال تنفيذا لاتفاق الهدنة التي تلت معركة “حجارة السجيل” هو الذي يدفعنا كمتابعين للتساؤل عن ماهية المكاسب التي انتزعتها المقاومة من دولة الاحتلال _التي لم تعط تلك التنازلات إلا رغما عنها_ بعد أن استطاعت المقاومة قلب نظرية الردع الإسرائيلية وإيجاد نظرية خاصة بها مكنتها من نقل المعركة إلى ارض العدو وإيجاد حالة من توازن الرعب وتحقيق الردع المطلوب.

ففي علم السياسة يتم التفريق بين مصطلحين الأول هو “المكاسب الصلبة” وهي التي يمكن الدفاع عنها والحفاظ عليها، والمصطلح الآخر هو “المكاسب الهشة” وهي تلك المكاسب التي يعطيها الخصم للفاعل السياسي نتيجة ضغوط معينة لكنه في نفس الوقت يكون قادر على استرداد تلك المكاسب التي تنازل عنها في أي وقت.

الملاحظ انه ومنذ توقيع اتفاق أوسلو فإن اغلب ما أعطته دولة الاحتلال للفلسطينيين يندرج تحت بند “المكاسب الهشة”، فعلى سبيل المثال تم الاتفاق على تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج) على أن يتم نقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية وفق جدول زمني محدد باستثناء بعض القضايا التي تم ترحيل النقاش فيها إلى ما أسموه “مفاوضات الحل النهائي”، غير أن دولة الاحتلال لم تلتزم بالبنود المتفق عليها ولم تعطِ السلطة إلا جزءا بسيط مما هو متفق عليه، ثم جاءت انتفاضة الأقصى لتسحب دولة الكيان الإسرائيلي المزيد من الصلاحيات الأمنية من يد السلطة وتتوسع بشراهة في بناء المستوطنات.

بيد أن واقع الحال بالنسبة لظروف المقاومة تختلف بشكل كبير عن ظروف السلطة التي انتهجت سبيل المفاوضات وحده غير مدعوما بوسائل أخرى، فدولة الاحتلال لا تلجأ لإعطاء أي تنازلات إلا بسبب الضغط أيا كان نوعه سواء سياسيا أو عسكريا، فكانت أولى المكاسب الصلبة التي حققتها المقاومة الفلسطينية هي إرغامها جيش الاحتلال على تفكيك المستوطنات الموجودة في غزة وإعادة انتشار آلياته خارج حدود القطاع، ورغم إبقاء دولة الاحتلال لحالة الحصار البري والبحري والجوي على غزة، إلا أن تحرير القطاع من المستوطنات يعد احد أهم انجازات المقاومة ومكاسبها الصلبة حيث تستطيع المقاومة أن تحافظ عليه أو على الأقل أن تصعب بشكل كبير جدا من إمكانية إعادة احتلاله مرة أخرى.

لكن مع ذلك فإن العديد من الانجازات التي حققتها المقاومة في إطار تفاهمات أي هدنة مع الاحتلال كانت تدخل ضمن ما تستطيع الأخيرة سحبها واستردادها مرة أخرى، ومثال قرار “الجيش الإسرائيلي” بتقليص مسافة الصيد أخيرا دليل على ذلك.

هناك مشكلة يجب أن تتداركها المقاومة بغزة، وهي تكمن في قيام دولة الاحتلال بالتلاعب باتفاقات التهدئة التي يتم توقيعها أعقاب أي مواجهة، فالفصائل بغزة يقع على عاتقها الرد على خروقات الاحتلال بالقدر الذي يجب أن تحافظ فيه على استقرار الأوضاع بغزة وضمان الهدوء لسكان القطاع كما يسعى الاحتلال لضمان هدوء مواطني دولته من خلال التهدئة.

فإذا كانت أي تهدئة تقوم على مبدأ التبادلية بحيث أن الفصائل تلتزم بها ما التزمت دولة الاحتلال هي الأخرى بها، فإن الخرق الصهيوني لأيٍ من بنودها يحتم على المقاومة أن تتخذ الإجراءات اللازمة سواء كانت سياسية بالتواصل مع الدولة الوسيط في إبرام التهدئة أو القيام بعمل عسكري _بغض النظر عن قوته_ يجعل الاحتلال يدرك أن الالتزام بالهدنة لن يكون أحادي الجانب.

فالسلاح في يد المقاوم من ضمن وظائفه هو سلاح تحريك يقوم بالضغط على العدو في حال تنكب عن بنود التهدئة أو اخل بها أو حتى لتقوية موقف المقاومة حال كانت هناك مفاوضات لإبرام هدنة جديدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات