الأحد 07/يوليو/2024

الذين سلكوا سبيل الغيّ في تحليل المشهد المصري!

الذين سلكوا سبيل الغيّ في تحليل المشهد المصري!
لا يحتاج المشهد المصري قدرة فائقة، ولا أدوات استثنائية في التحليل، لتفسيره، وإنما يحتاج الموضوعية، بمعناها الذي يقصد الأحداث والوقائع كما هي، وليس للمحلل إلا وصفها دون انتقاء ولا اختزال ولا اجتزاء ولا إغفال، وليس ضروريًا أن يكون في هذه الحالة متحررًا من مشاعره ورغباته المسبقة، ومن ثم قد تكون نتائجه مؤذية لتلك المشاعر ومخيبة لتلك الرغبات، بيد أنه لا يستطيع إلا الإعلان عن تلك النتائج، رغم معاناته الشخصية إزاءها. والموضوعية بهذا المعنى ممكنة، وإن كانت شاقة ومرهقة.

وبهذا، فإن الكاره للإخوان، أو للإسلاميين عمومًا، أو المختلف معهم في تصورهم لطبيعة الإسلام، من حيث علاقته بالسياسة، وموقعه في صياغة المجال الاجتماعي، أو حتى إن كان كافرًا بالإسلام نفسه كدين، إذا كان موضوعيًا بالمعنى الذي سبق بيانه، لن يكون عاجزًا عن فهم المشهد المصري، والوصول إلى نتيجة واحدة، مفادها، أن ما يجري عملية إسقاط وإفشال للرئيس المنتخب من طرف فرقاء لم يجتمعوا إلا لهذه الغاية، على ما بينهم من تباين، لأسباب مختلفة، باختلاف وتعدد هؤلاء الفرقاء فيما سمي تجاوزًا (معارضة)، وباختلاف وتعدد الأطراف التي تمولهم وتدعمهم.

ولن يكون الكاره لـ(الإخوان) أو المختلف معهم مرتاحًا لإعلان هذه النتيجة التي تنصف الإخوان، لكنه إن كان ذا مروءة وإنصاف، لن يجد بدًا من تحديد موقفه وفق النتيجة التي وصل إليها، فينحاز للمظلوم الذي يكرهه أو يختلف معه! أو على الأقل يقر بمظلوميته والاعتداء عليه.

ذلك لأن المشهد المصري مكشوف، خاصة في الأحداث الأخيرة، إلى درجة يصبح فيها إدراكه وفهمه، متماهيًا مع سلامة المروءة والإدراك العقلي، فمن لا يصل إلى هذه النتيجة، فإنما لديه مشكلة في عقله، أو في مروءته، أو في كليهما، أو في أحسن الأحوال، يعاني من جهل مفرط بالأحداث كما هي، لعجز بالغ في القدرة على الوصول إلى تلك الأحداث، وتتبع مصادر المعلومات المتنوعة والمتباينة.

فمحاولة إقناع من يعاني من مشكلة في الإدراك العقلي أو في أخلاقه وضميره، أو يفشل في تنويع المصادر والبحث عن الحقيقة، تصير ضربًا من ضروب العبث والعدمية، وهو ما يدعو المرء أحيانًا للكف عن الحديث في هذا المشهد، لكن لا ينبغي أن يكون هذا الخراب العقلي والأخلاقي الذي ينطبع به قطاع في المجتمع العربي، مانعًا من اتخاذ موقف والانحياز لمظلومية صاحب الحق المعتدى عليه، أو من محاولة بيان حقيقة الصورة للرأي العام الذي تسطو عليه آلة إعلامية جبارة، في حجمها واتساعها وقدراتها، أو في جرأتها على الكذب والتضليل.

ولا ينبغي أن تذهب النفس حسرات، على من ارتكس في حمأة الحقد والكراهية، أو طَمَس الكبر بصيرته، أو كان الكذب والضلال وسوء الطوية خلقه اللازم، فرفض الحق، أو عمي عن رؤيته، وقد قال الله تعالى في مثل هؤلاء: “إن الله لا يهدي القوم الظالمين”، “سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً”، “إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب”، “كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب”.. وهذه الآيات، إجابة كافية للعقول الحائرة في فهم مكابرة هؤلاء، وفجورهم، وجلدهم، في الكذب ومعاندة الحقيقة، أو عجزهم عن إدراكها.

فليس غريبًا، أن يزعم عربيٌ، أن ما يجري ثورة على نظام كامب ديفد لتحرير مصر من التبعية لأمريكا والكيان الصهيوني! فمن كان معرضًا عن سبيل الرشد سالكًا طريق الغي، لن يتورع عن جعل محمد البرادعي، ومايكل منير، وعمرو حمزاوي، وعمرو موسى، وفلول كامب ديفد، وإعلام رجال أعمال مبارك، ثوارًا على كامب ديفد والتبعية لأمريكا والكيان الصهيوني! وسوف يكون ما يلي خطوات ثورية، ودلائل على الدفق الشعبي الهائل للتحرر من عمالة الإخوان لأمريكا والكيان الصهيوني: (تصريحات البرادعي التي تستدعي التدخل الأجنبي، وتحرض على الداخل المصري، وتثير الحساسيات الغربية بالتحريض على ابن الوطن من بوابة الهولوكوست، وتصريحات عماد جاد عن اجتماعهم بالسفيرة الأمريكية وتعهدهم لها بزيادة الحشد لإثبات الجدارة في استحقاق الدعم الأمريكي، وتصريحات محمد أبو حامد عن وعد دولة أجنبية بدعمهم إن استطاعوا إثبات حجمهم بحشد كبير ومستمر في الشارع، أو زيارة مياكل منير للكيان الصهيوني والتحريض ضد الإخوان والرئيس المنتخب والإشادة بـ “الثورة” عليه من داخل الجامعة العبرية، والتحريض على حماس والشعب الفلسطيني وأهل غزة وكتائب القسام بنفس خطاب مبارك وإقحامهم في المشهد المصري كما فعل نظام مبارك أثناء ثورة 25 يناير… الخ)!!!

نعم؛ كل ذلك وأكثر، دلائل على ثورة وطنية قومية نضالية ضد عمالة الإخوان لأمريكا والكيان الصهيوني! وإلا فما هي الدلائل على أن ما يجري ثورة وطنية لتحرير مصر من التبعية؟! حسنًا؛ ولأن دعي القومية والنضال ضد الاستعمار، عاجز عن إثبات طهرية ووطنية وكفاحية “الثورة” التي يشكل العملاء صراحة، وفلول مبارك بلا مواربة، عمودها الفقري، سوف يشير إلى بعض الشخصيات القومية التي تشكل ركنًا في “ثورة” إسقاط الرئيس المنتخب، ويستقوي بمن يسمون -على نحو رومانسي ساذج يستبطن الطهورية المطلقة- “الشباب الثوري”، دون أن يشرح لنا كيف لا يجرح في وطنيتهم وصدقهم وطهوريتهم، التحالف مع العملاء والفلول ودول (الرجعية العربية) في سياق إسقاط رئيس مصر، وإحراق البلد، وإطالة كبوتها؟!

لن يشرح لنا صاحبنا، لماذا تدعم دول الخليج قاطبة –عدا قطر- “الثورة” على الرئيس المنتخب، وتسخر له كل إمكاناتها الإعلامية، بينما يعلن بعضها العداء للإخوان وتجربتهم بشكل جلي لا يجدي التأويل معه! إلا إذا صارت (مشيخيات النفط الرجعية)، تقدمية وثورية، وطليعة للأمة العربية في تحررها من الإمبريالية والرأسمالية العالمية!

حسنًا، سوف يستخف الصديق “القومي المناضل” بكل ذلك، ويتذكر قطر وتركيا! فالعلاقة بهما الحجة البالغة التي لا راد لها على العمالة لأمريكا! وطبعًا، فإن صديقنا “القومي المناضل” قد نسي –وبصورة لم تعد مذهلة- علاقة قطر وتركيا السابقة بكل من حزب الله وسوريا!

وآخر –مثلًا- وهو يسمي “الثورة النبيلة” على “استبداد الإخوان وطغيانهم”، (ثورة سلمية)، بينما مقراتهم تحرق، وشبابهم يقتل، ورئيسهم يلقى على مقر حكمه قنابل المولوتوف، والفتيات “الثوريات” في ميدان التحرير يمارس معهن زملاؤهن في “الثورة”، فعلًا ثوريًا فريدًا من الاغتصاب والتحرش الجماعي، فإنه لن يرى، من ذلك كله، إلا سحل بلطجي كان يرمي المولوتوف عند قصر الرئاسة، ناسبًا فعل الشرطة الشنيع التي سحلته إلى الإخوان، وهي الشرطة نفسها التي سكتت طويلًا على حرق مقرات الإخوان، والاعتداء على القصر الرئاسي، وأفرجت عن البلطجية في عدة حوادث استهدفت الإخوان وأبناءهم!

والحقيقة أن الأمثلة على عمى البصيرة هذا الذي أركس الله فيه أمثال هؤلاء من المرتابين الكذابين الذين ارتضوا سبيل الغي كثيرة، بيد أن ما ذكر يكفي لإدانة كل من يدافع عن جريمة إحراق مصر وتخريبها، ومنع استقرارها، ولا يقل عن هذا جريمة، من يستحضر أخطاء الإخوان، التي لا تزيد عن كونها أخطاء تحتملها الممارسة السياسية، ويوجبها أحيانًا ضيق الخيارات، وليست أبدًا من نوع الكبائر والخطايا التي تقترفها ما يسمى زورًا وبهتانًا (معارضة).

ووجود الإخوان في الحكم لا يحملهم أبدًا مسؤولية ما يجري، وهذه الحجة، متهافتة، وساقطة، في حساب العقل السليم، ولا ينبغي التساوق معها وترديدها، وكأنها مسلمة أخلاقية وسياسية، مع أنها في الحالة المصرية، تقفز عن حقائق، منها: جهاز الدولة المعادي للحاكم الجديد (تمامًا كما حصل في الحالة الفلسطينية حينما كان جسم السلطة معاديًا للفائز في الانتخابات)، والدولة المحطمة التي ورثها هذا الحاكم، وعملية الإشغال والإفشال الواسعة وغير المتورعة عن أي وسيلة لإسقاط هذا الحاكم، والحملة الإعلامية المتوحشة التي تسطو على الوعي المصري، والدفع الإقليمي والدولي المخابراتي والمالي والسياسي والإعلامي لإفشال تجربة الإخوان في مصر… الخ.

إذن، لماذا لا يرى البعض الأمور كما هي؟! أو يراها، ولكنه يمعن في تزييفها؟! والحديث هنا عن العربي غير المصري!

لأنه ببساطة كاره للإسلاميين والإخوان، لأسباب أيديولوجية دوغمائية، كالماركسيين، وبقاياهم في صيغ مختلفة، ممن لا يزالون مهيمنين على المجال الثقافي العربي، وهؤلاء يمكنك الاستماع لهم، والتعاطي معهم، حتى إذا وصلوا إلى الإسلام والإسلاميين تجردوا من كل العلمية التي يزعمونها مما يجعل الاستماع لهم عبث ومضيعة للوقت وخديعة للنفس، أو لأسباب سياسية، وغالبًا في المناكفات السياسية العربية يغيب المنطق تمامًا، ومن ثم نشاهد انقلابات مذهلة تفتقر للتفسير المنطقي، فمنافسو أو خصوم الإخوان في أي بلد عربي، يدعمون خصوم الإخوان في مصر بصرف النظر عن الحقائق والملابسات، حتى لو كان في ذلك خراب مصر ودوام عثرتها، وبعد الثورة السورية، أعاد القوميون العرب، ومستحثات اليسار، والتشيع السياسي، تقييم الثورات العربية السابقة على الثورة السورية بأثر رجعي من بعد أن أيدوها سابقًا، فصارت كلها عميلة، ومدبرة أمريكيًا.. وهكذا..

وطالما الحديث عن النخبة الثقافية العربية، فالإشارة ضرورية إلى أن هذه النخبة بتنوعاتها المختلفة، يقتضي الانتساب إليها، اتخاذ موقف نقدي من الإسلاميين، فمن لم يكن يعاني من عقدة كراهية مؤسسة على أسباب أيديولوجية أو سياسية، فإنه مضطر لتكلف نقدي، وهذا ملاحظ حتى في الإسلاميين الذين يلتحقون بهذه النخبة، فإنهم يدركون بإحساس مضمر اشتراطات “التجنس” في هذا الوسط، فيتأثرون به أكثر مما يؤثرون فيه، أما من فتح له الوسط أبوابه لاستغلال ثارات شخصية تعبر عن نفسها بمنتهى الفجور المقصود في الحديث النبوي (إذا خاصم فجر)، فحكاية أخرى، لأن الوعي النظيف لن يصدق أن أحدًا اكتشف فجأة أن الإخوان ماسونيين وعبدة شيطان بعد أن قضى فيهم شطر عمره يقرأ المأثورات ويتلو القرآن، دون أن يسجد للشيطان مرة أو يتعمد في مذبح ماسوني!

تفسير ذلك فقط قوله تعالى: “وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً”، والموعظة البالغة لمن يأسى لهذا العمى والضلال، أيضًا قوله تعالى: “واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات