الجمعة 09/مايو/2025

رئيس وزراء إسرائيل واستغلال الانتخابات الأميركية

رئيس وزراء إسرائيل واستغلال الانتخابات الأميركية

هناك علاقة طردية بين اقتراب يوم الحسم الانتخابي الرئاسي في واشنطن، وبين تكثيف ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على المرشحين الديمقراطي والجمهوري، بهدف انتزاع قرار أميركي صريح بأولوية استخدام البديل العسكري للتعامل مع المشروع النووي الإيراني.
في هذا الإطار، استنفد نتنياهو كل أسلحته تقريباً دون أن يحقق مراده. فكل ما تم ابتزازه لم يتعد التعهد الأميركي التقليدي العام بالالتزام بحماية أمن “إسرائيل”، وعدم السماح لطهران بحيازة السلاح النووي. وليس هذا ما يريده الرجل؛ الذي لا يتصور مرور موسم الانتخابات الأميركية قبل أن يضع واشنطن على إحدى السكتين: أن تتبنى هي بذاتها خيار الحرب. وتكون “إسرائيل” شريكاً عضوياً إقليمياً لها، أو أن تكون (واشنطن) ظهيراً قوياً لمبادرة إسرائيلية إلى هذا الخيار. لكن باراك أوباما بالذات، وبدرجة أقل منافسه ميت رومني، لا يودان الوقوع في ما وقع فيه سلفهما بوش الابن، حين شن حربين على أفغانستان والعراق تحت التحريض الصهيوني الإسرائيلي، انتهتا إلى حصاد مرير مادياً ومعنوياً.
استنادا إلى السوابق، يفترض أن يكون الساسة الأميركيون في أضعف حالاتهم أمام المطالب الإسرائيلية أثناء المنافسات الانتخابية، لكن مفارقة المنافسة الراهنة، أن مصدر قوة نتنياهو يكاد يكون هو ذاته مصدر عجزه. فاللوبي الصهيوني عموماً واليهود الأميركيون خاصة، وهما ذراع “إسرائيل” في أحشاء السياسة الأميركية، لا يؤثرون التعجيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
ترقى هذه المفارقة إلى مستوى التفرد التاريخي، إذا علمنا أن معظم القوى الغربية النافذة؛ شركاء التحالف الغربي متعدد الأبعاد، لا يناصرون بدورهم نتنياهو ولا يشاطرونه التوجه. ولعل أم المفارقات بين يدي هذه القضية أن كبار أركان الجيش الإسرائيلي وجنرالاته، الذين في أيديهم عقدة إدارة الحرب على أرض الواقع، يعارضون سياسة رئيس وزرائهم الحربجية؛ تدعمهم في ذلك أغلبية واسعة من الرأي العام الداخلي.
والملاحظ أن القلة القليلة من المتحزبين لنتنياهو وبطانته، يجزمون بأنه لا مجال لحرب على إيران في غياب مشاركة أميركية كاملة فيها كحد أقصى، أو رضى أميركي غير ملتبس عنها كحد أدنى. نتنياهو وشياطين الإنس من حوله، يدركون جيداً هذه الحقيقة، وهم يعلمون أيضا أن الإدارة الأميركية توشك، في معمعة الانتخابات، أن تكون مغلولة عن اتخاذ قرار بخطورة الحرب على دولة بحجم إيران..
إلا أن نتنياهو يعاود بين الحين والآخر الاستئساد على “معلمه” الأميركي، آملاً في زحزحته عن موقفه الحذر العقلاني. وبين آخر أدواته على طريق هذا الأمل، محاولة استفزاز الرئيس أوباما بالقول إنه “لا يحق له منع إسرائيل من مهاجمة إيران”.
تقديرنا أن المحجمين، على ضفتي الأطلسي، عن إطلاق الحرب على إيران، لا يفعلون ذلك عن عطف على الأخيرة لقاء نفور تجاه “إسرائيل” أو تفريط في سلامتها. الأرجح أنهم يقرؤون حيثيات الرد الإيراني المتوقع، بعمق وحساسية على نحو أعمق مما يفعل نتنياهو نفسه.
إنهم يفهمون أن النظام الإيراني يقارب قضية تدمير مشروعه النووي كمسألة حياة أو موت بالنسبة له، وعليه فإن هذا النظام لن ينظر لفعلة من هذا القبيل على أنها حدث عرضي قابل للطي والنسيان ولاستئناف الوجود والسطوة.. على غرار ما حدث للنظامين العراقي والسوري بعد ضرب مشروعيهما النوويين.
الغرب يرى أن الحاكمين في طهران يرهنون مشروعيتهم وريح نظامهم بصيانة مشروعهم النووي، لذا فإن ردهم لن يكون محض جعجعة كلامية مغموسة بالحديث المكرور، عن مواقف القانون الدولي والأمم المتحدة والإدانات من هذا الطرف أو ذاك..
وإنما سيكون رد من يدافع عن وجوده وكرامته إلى الرمق الأخير، متوسلاً بكل طاقته من القوة العسكرية، التي يزعم أنه يملك منها الكثير والموجع. ولا ريب أن رداً كهذا سيطال القواعد الأميركية، ولن يستثني “إسرائيل” بقضها وقضيضها.
وطبقاً لهذا التصور، يذهب بعض الاستراتيجيين الغربيين إلى أن الأهداف الأميركية المرشحة للرد الإيراني، تبقى أكثر مرونة وقابلية للتحريك واتخاذ الاحتياطات في البر والبحر، قياساً ب”إسرائيل” التي تمثل هدفاً ثابتاً كبيراً يسهل النيل منه؛ في موضع أقرب إلى “الرهينة”.
“إسرائيل” بهذا المعنى، تبدو سبباً جوهرياً للاحتقان الأميركي (الغربي عامة) ضد المشروع النووي الإيراني، وهي في الوقت عينه تمثل أحد أهم كوابح تفريغ هذا الاحتقان بعمل عسكري. والظاهر أن نتنياهو، المستهتر، لا يفهم هذا الموقف العصيب.
[email protected]
صحيفة البيان الإماراتية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات