مبادرة عربية بديلة

يبدو أنهم في الكيان الصهيوني يدركون حقيقة أن الشعب الفلسطيني ليس في مقدوره أن يبقى مكتوف اليدين عاجزاً عن فعل شيء إلى أمد طويل، وهو يرى إفلاس ما كان يسمى ب»عملية السلام» وتهافت قادته في الحصول على أي شيء يسترون به إفلاسهم هذا، ولن يكون هذا الشعب استثناء عن أشقائه في دول أخرى عربية انتفضوا وثاروا ضد الفساد والاستبداد طلباً للحرية والعدالة واستقلال وسيادة الأوطان.
ويبدو أنهم في هذا الكيان باتوا على وعي بأنهم سيكونون طرفاً مباشراً في ثورة باتت وشيكة داخل الأراضي المحتلة، وأن القادة من الفلسطينيين سواء داخل الضفة أو غزة، لن يكونوا وحدهم من سيدفع الأثمان، لذلك أخذت المبادرات تتسارع الواحدة تلو الأخرى تحسباً لانفجار شعبي فلسطيني قادم، وتحسباً لفشل يبدو ظاهراً للعيان لمخطط بنيامين نتنياهو بدفع الرئيس الأمريكي وإدارته إلى إعطاء كل الأولوية للملف الإيراني على حساب الملف الفلسطيني، وتخوفاً من تداعيات انتكاسة محتملة في علاقة نتنياهو بالرئيس الأمريكي أوباما بعد الصدام في الرؤى والمواقف طوال الشهرين الماضيين حول الملف الإيراني.
أولى هذه المبادرات جاءت من جانب وزير الحرب إيهود باراك بهدف ظاهري مزعوم هو «كسر جمود المفاوضات مع الفلسطينيين» تقضي بانسحاب «إسرائيلي» سواء بتوافق مع السلطة الفلسطينية أو بمبادرة «إسرائيلية» أحادية من معظم أنحاء الضفة، على حد زعمه، مع ضم كل المستوطنات الرئيسة والإبقاء على وجود عسكري «إسرائيلي» في مناطق ذات أهمية استراتيجية للأمن »الإسرائيلي»، خاصة رؤوس الجبال المطلة على مطار اللد، وكذلك غور الأردن.
باراك شرح تفاصيل خطته أو مبادرته وقال إنها تعتمد على تفكيك ما أسماه ب«المستوطنات العشوائية»، وهي التي أقيمت في حينه من دون ترخيص حكومي (ولذلك تعد غير شرعية حسب القانون «الإسرائيلي») والإبقاء على التجمعات الاستيطانية الأساسية، وإعلان ضمها رسمياً إلى دولة الكيان الصهيوني مثل «غوش عتصيون» الواقعة بين بيت لحم والخليل، و«معاليه أدوميم» الواقعة جنوبي القدس، و«أريئيل» وتقع على مقربة من نابلس، وهي المستعمرات التي تضم نحو 90% من المستوطنين في الضفة الغربية، ما يعني أن 10% فقط من المستوطنين (نحو 40 ألفاً) هم من يمكن أن يبقوا في الضفة الغربية إذا قرروا ذلك وأصروا على البقاء في المستوطنات التي يقيمون فيها.
هذه المبادرة محاولة صهيونية للالتفاف على قرارات دولية تقضي بالانسحاب «الإسرائيلي» من الأراضي التي احتلت العام 1967، وإصرار على فرض الأمر الواقع الذي أنشأه «الإسرائيليون»، فهي أولاً لم تأت نهائياً على أي ذكر للقدس المحتلة والمستعمرات المحيطة بها، فهي، أي القدس والمستعمرات، خارج أي حديث «إسرائيلي» ضمن أي مشروع أو مبادرة للسلام، فهي عاصمة موحدة للدولة الصهيونية، وهي ثانياً تكريس لواقع الاحتلال، وضم لكل الأراضي الواقعة داخل السور العازل العنصري، واقتطاع لأغلب أراضي الضفة، وهي ثالثاً تترك بؤراً استيطانية في المستعمرات التي سميت بالعشوائية من دون انسحاب، حيث اقترح باراك في مبادرته على المستوطنين المقيمين فيها أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم في غضون خمس سنوات من توقيع الاتفاق على مبادرته سيكونون خلالها تحت حماية الجيش «الإسرائيلي» وبعدها سينسحب الجيش، وعليهم إما الرحيل إلى داخل الكيان وإما أن يصبحوا جزءاً من رعايا الدولة الفلسطينية، وهي رابعاً لم تأت على أي ذكر باقتراح لارتباط أرضيّ بين الضفة الغربية وقطاع غزة كان وما زال من أهم مطالب إقامة الدولة الفلسطينية.
مبادرة إيهود باراك هي إمعان في التضليل والتحايل والتسويف، وهي مؤشر مهم إلى استحالة الوصول مع مثل هؤلاء القادة «الإسرائيليين» إلى تسوية سلمية، وهي رسالة في الوقت ذاته إلى كل من أمعنوا في تسويق وهم السلام المخادع منذ التوقيع على اتفاق أوسلو العام 1993 الذي لم يستهدف غير انتزاع جذور الصمود والمقاومة عند الشعب الفلسطيني.
أما المبادرة الثانية فهي الإفك والضلال بعينه، ومحاولة شديدة الغباء للتذاكي على الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي، من خلال توهم شن هجوم استباقي لتفريغ أي مشروع جديد للتسوية من النص على حق العودة كحق من الحقوق غير القابلة للتصرف من حقوق الشعب الفلسطيني.
والمبادرة جاءت ضمن وثيقة صادرة عن مجلس الوزراء «الإسرائيلي» يقف وراءها هذه المرة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتنص على لزوم أن تكون مشكلة «اللاجئين اليهود» من الدول العربية، من الآن فصاعداً، قضية أساسية في المفاوضات عن الحل الدائم مع الفلسطينيين.
هذه المبادرة جرى الترويج دعائياً لها في حملة أخذت اسم «أنا لاجئ يهودي»، حرص داني أيالون نائب وزير الخارجية «الإسرائيلي» على شرح تفاصيلها وأهدافها في مقابلة تلفزيونية أوضح فيها أن الدولة الصهيونية ستطالب الدول العربية بالتعويضات المالية، لأنها قامت بعد الإعلان عن قيام دولة «إسرائيل» بمصادرة أملاك اليهود وطردهم من وطنهم إلى «إسرائيل» على حد زعمه.
كما أوضح أن حملة «أنا لاجئ يهودي» هدفها المركزي إيجاد صلة وثيقة بين من يسمون باللاجئين الفلسطينيين، مع اللاجئين اليهود الذين يصل عددهم حسب معلومات وزارته إلى أكثر من 800 ألف لاجئ يهودي، مشيراً إلى أن الخطوة «الإسرائيلية» المقبلة، في هذا السياق، ستكون التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بأن «اليهود العرب» يجب اعتبارهم لاجئين بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ومشدداً على أن «إسرائيل» ترفض رفضاً قاطعاً التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين من دون حل مشكلة اللاجئين اليهود.
هذه المبادرة، وكما أوضح أيالون، خطوة استباقية لوضع نهاية لحق العودة الفلسطيني، عبر صيغة مبادلة تنازل بتنازل، أي يتنازل العرب عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين مقابل تنازل «إسرائيل» عن حق عودة اللاجئين اليهود، وهنا يكمن الغباء «الإسرائيلي».
فنحن العرب في مقدورنا أن نقلب السحر على الساحر ونقول نحن نقبل »بالمقايضة» أو »المبادلة» ليس عن طريق «التخلي» بل عن طريق «التمكين»، أي أننا نقبل ونرحّب بأن يعود كل يهودي عربي غادر وطنه بعد تأسيس الكيان الصهيوني إلى هذا الوطن، بل ونحرص على أن يعود كل يهودي غير عربي ترك بلده وهاجر إلى فلسطين المحتلة قبل وبعد تأسيس الكيان الصهيوني، أن يعود هو الآخر إلى بلده من حيث أتى، في مقابل أن يعود كل اللاجئين الفلسطينيين في كافة أنحاء الدنيا إلى وطنهم فلسطين.
نتمنى طرح مبادرة عربية على الأمم المتحدة تؤيد مبادرة «أنا لاجئ يهودي»، تقول نحن العرب نتعاطف مع كل هؤلاء اللاجئين، ونطالب بأن يعود كل لاجئ يهودي، وأن يعود بالمثل كل لاجئ فلسطيني من حيث أتى، أن يعود كل إلى بلده الأصلي، الفلسطيني يعود إلى فلسطين، مقابل أن يعود اليهودي اليمني واليهودي العراقي واليهودي المصري واليهودي المغربي والليبي إلى اليمن والعراق ومصر والمغرب وليبيا، وأن يعود اليهودي الروسي إلى روسيا، واليهودي البولندي إلى بولندا، ويعود كل اللاجئين إلى بلادهم. بل نحن مع أن تتبنى الدول العربية دعوة تخصيص العام المقبل ليكون عام الأمم المتحدة من أجل عودة كل لاجئ من حيث أتى، عندها فقط ستعود فلسطين عربية وتنتهي إلى الأبد أسطورة «إسرائيل».
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...