الانتخابات الأمريكية.. هل ندعو بفوز أوباما؟

في صغري صليت ذات مرة صلاة الفجر وراء أحد الأئمة “في فلسطين” فسمعته يدعو: اللهم انصر حزب العمل على الليكود!! يقصد الحزبين الصهيونيين المعروفين.. اليوم تذكرت هذا وأنا أرى على نفس الشاكلة مع الانتخابات الأمريكية كيف يجتهد محللون وينشط كتاب في رسم وتوقع مستقبل قضايانا الداخلية على ضوء نتائج تلك الانتخابات ولسان حالهم الدعاء بفوز أوباما على رومني!!
البعض ربما يبررون هذا الغرق في الشأن الانتخابي الأمريكي بأن قضايانا هي حصيلة صراع تاريخي مع الغرب؛ لأمريكا فيه دور وأثر وهي لاعب أساس فيه، وبأن لقضايانا بعداً محلياً يتداخل فيه القومي والعالمي.. فكيف إذا تزامنت هذه “الانتخابات الأمريكية” مع الثورات العربية وصار الموقف من هذه الثورات ومن دعمها أو عدم دعمها جزءاً من الدعاية الانتخابية للمرشحيْن؟!
وفي ضوء هذا الاهتمام غير العادي بقضية يفترض أنها تهم غيرنا، وأنها تبعد عن مضاربنا ومرابعنا، ويفترض أن لدينا ما يكفي من الهموم داخل بلادنا تكفي لأن ننشغل بها.. فإن القضية – في نظري – تدخل في باب “انحراف المفاهيم” واختراق الذاكرة الثقافية للأمة ما يقتضي ضرورة إعادة تقويم دور أمريكا الإستراتيجي من قضايانا لنبني تحليلاتنا على الحقائق وعلى السياقات الكبيرة لها لا على التوهمات والخطابات والإنشائيات.. وأرى ضرورة التذكير والتأكيد على جملة الحقائق الآتية:
الحقيقة ومن حيث المبدأ أن الشعب الأمريكي والناخب الأمريكي لا يهمه الشأن الخارجي – غير الأمريكي – لا العربي البعيد ولا “البنمي” القريب بالطبع إلا بقدر ما يؤثر على ميزان الدخل القومي والضرائب والبطالة والمعالجات اليومية الداخلية.. وبالتالي فقضايانا تصبح ثانوية بالنسبة له وليست في موضع اهتمام أو متابعة.. ولست أبالغ إن قلت إن نسبة كبيرة من الأمريكان لا يفرقون بين (أريبيان وكريبيان)..
قد يقال ولكن المرشحين الأمريكان كما هي العادة في كل انتخابات يتحدثون عن اهتمامات وقناعات بخصوص الصهيونية وعن وعود كبيرة لرعاية الكيان ما يجعل منطقتنا جزءاً من معادلة التنافس.. وأقول: هذا صحيح ولكن لا بد من فهمه من ناحيتين؛ الأولى أنه خطاب موجه لا لكل الشعب الأمريكي ولكن لفئة منه هي اللوبي الصهيوني وذلك لا يغير أصل فكرة أن الشعب الأمريكي لا يهتم بقضايانا، وثانياً: أن المتنافسين على الرئاسة الأمريكية يتنافسون على هذه الأصوات وأنهم مهما كان اتجاههم الشخصي الثقافي والعقدي فهم خاضعون لمعادلة التملق والنفاق.. وبالتالي فما قيمة أن يكون الرئيس من هذا الحزب أو من سواه؛ وما قيمة اهتمامنا “الانتظاري الجامد” لفوز فلان أو فلان من المرشحين؟ بالأخص إذا كنا لا نتحمل مسؤولياتنا في الضغط على صانع القرار الأمريكي لموازنة ضغط اللوبي الصهيوني؟
حقيقة أيضاً أن أكثر من 85 مليون أمريكي ينتسبون إلى الكنيسة الأنجليكانية التي ترى بالعين اليهودية والتي تقوم ثقافتها على التكامل والتوارث العقدي والرسالي معها.. وهذا يؤكد مرة أخرى انتفاء وجود فارق حقيقي بين الجمهوريين والديمقراطيين على صعيد الصراع الإستراتيجي في منطقتنا.. وإذا كنا نعترف ولا نختلف على وقاحة تبني الجمهوريين للمواقف الصهيونية؛ فلا يجوز أن ننسى أن أوباما وهو الذكرى الأقرب والخطاب الأكثر قبولاً في أسماعنا ومشاعرنا.. هو الذي منح باراك رسالة الضمانات قبل عامين وتعهد فيها أن يشتمل الحل النهائي على (دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبدون مرتفعات ومعابر ومقسمة لكنتونات تربطها ممرات ضيقة وجسور معلقة، وأن يقتطع الاحتلال من أطراف الضفة الغربية مناطق يتراوح عرضها ما بين 10 و12 كم عرضي تبقى له وتسمى “عازلة”).
وحقيقة يجب أن يتذكرها كل الطامعين في موقف أمريكي متمايز عن الصهيوني في يوم من الأيام أن السياسة الأمريكية لا تفكر بطريقة الصداقات والمجاملات ولا هي مغرمة إلى هذا الحد بفعل الخيرات؛ ولكنه منطق الصراع الدائم والقوة المستبدة.. هذه هي ثقافة أمريكا وهي أيضاً كل الثقافة الغربية؛ ودع عنك ما يقال إنشائياً ومجاملة وإعلامياً من الحرص على السلام فالصراع عندهم من أجل الوجود، والوجود عندهم من أجل الصراع، وأولئك أجدادهم القدماء – حتى مع وجود الرسالات السماوية بينهم – كانوا يتوهمون صراعاً كونياً ينخرط فيه آلهة الخير وآلهة شر التي يتوهمون.. وتلك هما الحربان العامتان الأخيرتان في مطلع وأواسط القرن الماضي اللتان أكلتا الأخضر واليابس وقتلتا عشرات الملايين وشردتا وشوهتا أضعافهم وما ذلك إلا نموذج وحلقة من هذه الثقافة الصراعية لديهم.. وعليه فواهم من يتمنى فوز مرشح على آخر وأن ذلك سيعني انفراجاً في قضية من قضايانا أو إنصافاً في مظلمة من مظالمنا..
قد يرد علينا بأن أوروبا متوحدة في السوق والعملة النقدية وحلف الناتو وأن أمريكا اتحاد.. والحقيقة أن ذلك كله وعشرة أضعافه لا يغير صورة السلوك التاريخي ولا نصوص ومتون الفلسفة الغربية الصراعية ولكنه الاستثناء الذي له مبرراته وله أيضاً معترضاته ومهدداته التي ليس الموضع للبحث في بيانها وتفصيلها..
وحقيقة أن أمريكا اليوم قد تبدلت أمورها وتنكر الزمان لها، وليس صحيحاً أننا يجب أن نخافها وأن نخضع لها ونركع أمامها ونتجرع إهاناتها.. ربما كانت كذلك قبل أن يورطها “الأحمق” بوش في مستنقع العراق ومستنزف أفغانستان وقبل الأزمة المالية التي تعتصر خاصرتيها وتضيّق أنفاسها، وربما كان ذلك قبل أن تخسر هي وحليفاتها الحرب على حزب الله وحماس وطالبان والصومال والعراق.
حقيقة أيضاً: أننا لسنا بين ثنائية إما أن نشن حرباً على أمريكا – والغرب – أو أن نكون بين يديها كالميت بين يدي مغسله! ولكن للعمل والمواجهة مساحات كبيرة وكثيرة من خلال الشعوب والمؤسسات الأهلية والبرلمانات والضغوط والمقايضات.. كل ذلك ممكن.. وكله يجب أن يفضي لضرورة عقلية وفريضة شرعية هي أن نصبح فاعلين ومؤثرين وأن لا نبقى مجرد منتظرين ما تشرق به شمس اليوم التالي وما تجيء به الأحداث..
آخر القول: ما يجب أن نقوم نحن به لا يجوز أن ننتظره من غيرنا، وليس أي مرشح للرئاسة الأمريكية يستحق بعينه أن ندعو الله أن ينصره لينصرنا أياً كان حزبه ومهما كانت قناعاته.. ومن لم يكفه قرن كامل من الزمان والتجارب لفهم ذلك فلن يفهم أن مواقفنا هي التي تأتي بحقوقنا من أمريكا ومن سواها وهي الكفيلة بتغيير سياساتها الجافية ومواقفها الجائرة..
محلل اقتصادي فلسطيني
[email protected]
صحيفة الشرق القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...