الأربعاء 07/مايو/2025

حل الدولتين وحل الدولة الواحدة

حل الدولتين وحل الدولة الواحدة

لم تأخذ القضية الفلسطينية حقها ونصيبها من النقاش والتفاعل الحقيقي والجدي عبر أعمال الدورة الـ(67) للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام خلت، فقد غابت فلسطين عن خطابات وكلمات العديد من رؤساء الوفود الدولية الذين أشاروا إليها مروراً ودون توقف يذكر، ودون إعطاء مواقف واضحة تجاه الأزمات الكبرى التي مازالت تعصف بعملية التسوية منذ أن وصلت إلى الجدار المسدود بفعل الموقف الإسرائيلي وغياب المرجعيات الدولية الضاغطة على الدولة العبرية الصهيونية، إضافة لفقدان الموقف العربي الجدي الذي مازال موقفاً ارتجالياً، لهوفاً ولاهثاً وراء دور أميركي مفترض، فيما تضع الولايات المتحدة كل بيضها في سلة الإسناد الكامل للموقف الإسرائيلي والتغاضي عن سياسات الاحتلال بما في ذلك سياسات الاستيطان والتهويد التي نهبت وابتلعت الأجزاء الكبيرة من الأرض المحتلة عام 1967.
فلسطين وكلمة أبو مازن
لقد غابت فلسطين نسبياً عن أعمال الدورة الـ (67) للأمم المتحدة، ولم تجد لها مكاناً في النقاش والحوار كما يريد الفلسطينيون، بالرغم من الخطاب السياسي للرئيس محمود عباس، الذي قدم رؤية تاريخية موفقة، كما في إشاراته المحددة لفشل عملية التسوية في المنطقة على ضوء السياسات الإسرائيلية خصوصاً بالنسبة لمسألة وقف عمليات التهويد والاستيطان الزاحف فوق عموم الأرض المحتلة عام 1967 وفي منطقة القدس وداخل حدودها الإدارية وأحيائها العربية المسيحية والإسلامية.
فكلمة الرئيس محمود عباس، كلمة مؤثرة، وقد حملت توصيفاً جيداً ومؤثراً لمعاناة الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان الصهيوني على أنقاض كيانه الوطني والقومي عام 1948، وسرد بشكل واضح مسلسل عملية التسوية التي انتهت إلى الجدار المسدود.
كلمة الرئيس عباس، وإن لاقت ترحيباً فلسطينياً عاماً، من جميع القوى والفصائل الفلسطينية، إلا أنها ووجهت بملاحظات ذات بعد سياسي من قبل بعض القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي رأت بأن الكلمة (الخطاب) كانت جيدة، إلا أنها تضمنت في جوانب منها نفس مفردات الخطاب السياسي التقليدي الذي يتبناه الرئيس محمود عباس وتتبناه معه منظمة التحرير الفلسطينية والمقصود هنا مسألة حل الدولتين التي لا توافقها حركة حماس، وترى فيها تفريطاً، خاصة بالنسبة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة تحت عنوان حل متفق عليه إضافة للاعتراف الفلسطيني بالدولة العبرية الصهيونية.
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تعتبر الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، فقد نوهت بضرورة الاستفادة من موقف الرئيس محمود عباس الذي أشار لفشل عملية التسوية وخيار المفاوضات، لتنطلق في ذلك نحو تقديم موقف آخر عنوانه العودة لـ خيارات فلسطينية جديدة بعيدة عن طاولة المفاوضات التي أضحت خياراً يتيماً تجرى تحته كل سياسات “إسرائيل” الجائرة تجاه الفلسطينيين.
وأغلب التقدير بأن الجانب المتعلق بشأن الطلب إلى الجمعية العامة لاعتماد فلسطين دولة غير كاملة العضوية في كلمة الرئيس محمود عباس، كان له وظيفة إعلامية وسياسية، أكثر منه وظيفة ذات بعد استراتيجي، فالجانب السياسي والإعلامي من الطلب الفلسطيني الرسمي يتحدد كما تشير مصادر السلطة الفلسطينية ذاتها في رام الله بـ رفض الانصياع للضغوط التي تقودها الولايات المتحدة لثني الفلسطينيين عن السير باتجاه عضوية المنظمة الدولية، أو إدخالها إلى مسار الحل.
فواشنطن مازالت ترى وستبقى كذلك بأن مسار الحلول السياسية في الشرق الأوسط يقع تحت سقف مساعيها ودورها الدولي الأساسي في هذا الميدان، وأن تشكيلة ما يسمى بـ «اللجنة الرباعية الدولية» ليست أكثر من واجهة لا دور لها في مسار الحل أو في رعاية أي عملية تفاوضية بين الدولة العبرية الصهيونية والفلسطينيين وحتى أي طرف عربي والمقصود سوريا ولبنان في هذا المجال.
وعليه، إن خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة وبأي محتوى كان لم يكن يعني “إسرائيل” التي لا تريد أصلاً إشراك أي طرف دولي مؤثر في المسار السياسي لعملية التسوية في المنطقة، وتتوافق تماماً في هذا المسعى مع الطرف الأميركي من خلال حصر العملية برمتها تحت الرعاية الأميركية دون غيرها، واستبعاد اللجنة الرباعية الدولية والأمم المتحدة، وبالتالي الاستفراد بالطرف الفلسطيني ووضعه تحت مطرقة الضغط الإسرائيلي اليومي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وعلى أرضية السندان الأميركي.
إن كلمة الرئيس محمود عباس قوبلت باستهتار واستفزاز إسرائيلي رغم الخطوط العريضة السلامية الحمائمية التي أضافها الرئيس محمود عباس في كلمته ومنها تأكيده بأن الشعب الفلسطيني سيعتمد المقاومة الشعبية السلمية الحضارية لتصفية الاحتلال العنصري الإسرائيلي وبناء دولته المستقلة الحرة.
لقد بانت فجاجة الموقف الإسرائيلي عبر مفردات خطاب نتانياهو الذي عبر عن إصراره وباسم ائتلافه الحكومي على مواصلة سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وبخاصة حول مدينة القدس ولم يترك مجالاً على الإطلاق لإنجاح فكرة حل الدولتين إذ لا يمكن الحديث عن قيام دولة فلسطين في ظل ابتلاع الاستيطان لمعظم أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967.
كما بانت فجاجة الموقف الإسرائيلي من خلال تركيز نتانياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على الموضوع الإيراني وملف القنبلة النووية الإيرانية في الوقت الذي تملك فيه “إسرائيل” ترسانة مرعبة من القنابل النووية المخبأة في أكثر من مكان على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، وعلى الأخص في منطقة تل نوف القريبة من مدينة الرملة حيث تتواجد الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية. فنتانياهو أراد من خلال الإشارة على إيران وملفها النووي تقديم كلمة خداع للعالم لإظهار “إسرائيل” وكأنها دولة محبة للسلام.
سقوط حل الدولتين
انطلاقاً من الوارد أعلاه، إن مسار الأحداث في المنطقة لا يبشر بالخير على الإطلاق بالنسبة لعملية التسوية على المسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي. فحل الدولتين أصبح عملياً في خبر كان في ظل الهجمة الاستيطانية التهويدية الشرسة. وفكرة حل الدولتين تقف على مفترق طرق في إطار الفرصة الأخيرة لإنقاذ عملية السلام، وهو ما كان قد أشار إليه الوزير الإسرائيلي يوسي بيلين الذي شغل مقعداً في البرلمان الإسرائيلي ممثلاً لحزب العمل وحركة ميريتس اليسارية الصهيونية، وكان من صناع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي اعتبر بأن إعلان أوسلو أصبح وسيلة أتاحت للطرفين إحباط حل الدولتين، مشيراً وحسب زعمه وباعتباره من صناع اتفاق أوسلو أن اتفاقية أوسلو كانت نصراً عظيماً لمعسكري السلام في الجانبين، وقد تم إحباطها من جانب أعدائها الذين لا يريدون تعزيز حل الدولتين. فيوسي بيلين يقر الآن بأن حل الدولتين قتلته سياسة الاستيطان الإسرائيلية الذي يتوسع في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأنه يجب التفكير في حلول أحدها هو حل الدولة الواحدة، على الرغم من المشاكل التي لا نهاية لها والكامنة فيه. وفي المسار ذاته، فان أحمد قريع، وهو رئيس وزراء فلسطيني سابق والذي كان واحداً من المفاوضين الرئيسيين في عملية صناعة اتفاق أوسلو، اعتبر بدوره أن حل الدولتين أصبح ميتاً، وأن خيار الدولة الواحدة الديمقراطية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين يجب التفكير به حالياً.
وبعيداً عن جدية أو عدم جدية أقوال كل من يوسي بيلين وأحمد قريع، إلا أنهما يعكسان في حقيقة الأمر وجهة نظر باتت محط جدل ونقاش حتى داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين التاريخية وداخل صفوف قطاعات متزايدة من الأنتلجنسيا اليهودية، وبات يتبناها أيضاً الكثير من المراقبين لعملية التسوية المتوقفة في المنطقة والغارقة في أوحال التعقيدات الهائلة، مع انغلاق نافذة الفرصة لإقامة الدولة الفلسطينية كما يرى البعض، أو قرب انغلاقها.
لقد بدأ الحديث عن حل الدولة الواحدة التي يحلو للبعض بتسميتها الدولة الموحدة ثنائية القومية في السنوات الأخيرة، من قبل بعض المثقفين الفلسطينيين واليهود داخل المناطق المحتلة عام 1948، ومن قبل بعض المثقفين الفلسطينيين في الشتات في سوريا والولايات المتحدة بشكل رئيسي. منطلقين من أن الوقائع على الأرض باتت تحفر أخاديدها، وأن الغالبية الساحقة من سكان الدولة العبرية من اليهود باتوا من مواليد فلسطين وبالتالي لم يعد أمامهم من موطن سوى مكانهم الراهن، الذي يفرض عليهم وعلى الفلسطينيين البحث عن حل عادل يتمثل بدولة موحدة لشعبين (بالرغم من التحفظ على كلمة شعبين، حيث لا تنطبق على اليهود في فلسطين كلمة شعب وإلا فنحن نخالف منطق الأشياء).
وبالطبع، فان حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على أرض فلسطين هو البديل من وجهة نظر البعض الذين مازالوا يُشكلون إلى الآن حضوراً محدوداً داخل “إسرائيل” منطلقين من أن حل الدولة الواحدة سيفرض نفسه تلقائياً مع مرور الزمن على أرض الواقع وهو في جوهره من وجهة نظرهم حل دولة ثنائية القومية، رعاياها متساوون، وستلغى عندها هوية الدولة اليهودية. فهناك تأييد، وان يكن مازال محدوداً، لفكرة الدولة الواحدة في أوساط إسرائيلية على أساس أن ذلك هو الفرصة الوحيدة لحل سياسي حقيقي في الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك على حساب ما يسمونه بالوطن اليهودي. أخيراً، وكما هو ملاحظ بالنسبة لحل الدولتين، فان الحل يكاد يبدو مستحيلاً بالشروط الأميركية والإسرائيلية، إذ لا تريد كل منهما إعطاء الفلسطينيين القدس، ولا الرجوع لحدود العام 1967 ولا تفكيك المستعمرات، بل هم يريدون دولة اسمية للشعب الفلسطيني بدل الحقوق، وليس دولة بحقوق (أكثر من حكم ذاتي بقليل وأقل من دولة بكثير) مع شطب حق العودة الذي يشكل لباب القضية الفلسطينية وعنوانها الأساس.
صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد بقصف الاحتلال مركبة بصيدا جنوب لبنان

شهيد بقصف الاحتلال مركبة بصيدا جنوب لبنان

المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني، صباح اليوم الأربعاء، في قصف طائرات الاحتلال الحربية، مركبة في مدنية صيدا جنوب لبنان. وأفادت الوكالة...