الإثنين 12/مايو/2025

مرسي وكامب ديفيد والدولة الفلسطينية

مرسي وكامب ديفيد والدولة الفلسطينية

رَبْطُ الرئيس المصري محمد مرسي بين احترام اتفاقات كامب ديفيد وقيام الدولة الفلسطينية، يعيد الاعتبار لاستعادة دور مصر المركزي في قلب النظام الإقليمي العربي. فالهدف ليس عدم جدوى خيار الحرب لإنهاء الصراع العربي «الإسرائيلي»، وليس كما يعتقد البعض تحقيق انسحاب للقوات «الإسرائيلية» من سيناء، ومن ثم كان ثمن هذا الانسحاب التوقيع على الاتفاقية وخروج مصر من معادلة الصراع العربي  «الإسرائيلي».
هذا تفسير خاطئ تم تطبيقه على مدار السنوات الأربع والثلاثين الماضية، ما يفسر استمرار الصراع من ناحية، ومن ثم فشل اتفاق كامب ديفيد. الهدف الرئيس من التوقيع كما يحدده الرئيس المصري هو التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، وهنا يأتي هذا الربط بين استمرار احترام الاتفاقية وبين قيام الدولة الفلسطينية. ويتوافق هذا مع أحد أهم أولويات وثوابت السياسة المصرية على مدار تاريخها، وهو تأكيد الدور الإقليمي لمصر. وهنا السؤال: أيّ منهما له الأولوية، الاستمرار في احترام الاتفاق؟ أم استعادة الدور المصري المحوري في المنظومة العربية، ومن ثم في بقية الدوائر الأخرى وصولاً إلى الدور المؤثر في المنظومة الدولية كلها؟ فاستعادة الدور المصري مكوّن أساس من مكونات الأمن القومي المصري، وغياب هذا الدور سيعرض أمن مصر للتهديد والخطر، وسيحوّلها إلى دولة تابعة فاقدة للقدرة والتأثير في محيطها العربي.
فأولوية علاقة مصر ليست مع «إسرائيل»، بل مع الدول العربية، بمعنى أن الأفضلية للعلاقات العربية وليس للعلاقة مع «إسرائيل»، وهذا يعني أن الأولوية في المفاضلة للالتزامات العربية السياسية والأمنية والعسكرية، وفي قلب هذه الالتزامات تقع القضية الفلسطينية، وتسوية الصراع العربي «الإسرائيلي» وقيام الدولة الفلسطينية. وهذا الربط أو التفسير الجديد لا يتعارض مع الاتفاق، لأن الأساس فيه تحقيق السلام والتسوية الشاملة حتى يحقق الهدف منه، وهذا يتوافق أيضاً مع أحد ثوابت ومبادئ السياسة المصرية وهو دعم السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي تماشياً مع أهداف الأمم المتحدة ومبادئها، وبالتالي على «إسرائيل» أن تختار ومعها الولايات المتحدة، بين السلام الشامل في المنطقة، وبين العودة إلى حالة عدم الأمن والفوضى وخيارات الحرب.
وفي هذا الربط رسالة إلى الولايات المتحدة التي تفرض نفسها راعية رئيسة للسلام، بأنها إذا كانت حريصة على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وعلى محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد، فلا بد من التحول في الدور الأمريكي نحو الالتزام بقيام الدولة الفلسطينية التي يعدّ قيامها أحد مكونات الأمن القومي العربي، والأمن المصري، لأنه بقيام هذه الدولة يختفي خيار الحرب. هذه الرؤية السياسية الجديدة تعكس فهماً عميقاً للدور المصري، وللتطورات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية. وإذا ما عدنا إلى الاتفاق ذاته وقراءته قراءة قانونية سياسية جديدة، يتضح لنا أهمية هذا الربط الذي يعني وبشكل واضح، أن عدم قيام الدولة الفلسطينية يُعَدّ شرطاً فاسخاً لاتفاق كامب ديفيد، فلا يوجد اتفاق يحول دون قيام الدول بدورها واستحقاقاتها الإقليمية والدولية، ولا يوجد اتفاق يتعارض مع الرؤية الأمنية لأي دولة ومصالحها الحيوية، والسؤال: كيف يمكن لمصر أن تقوم بكل التزاماتها العربية والدولية؟ وكيف يمكن لها أن تستعيد مقومات دورها المركزي، وهي دولة غير قادرة حتى على مد سيادتها إلى سيناء هذا الجزء الكبير والحيوي لأمن مصر؟ مصر ليست مجرد دولة عادية، واستعادة الدور المصري كما هو مصلحة مصرية أولى، هو أيضاً مصلحة عربية، ومصلحة دولية عندما تقوم بدورها في عملية بناء سلام حقيقي، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون التحرر من كل القيود التي تتضمنها اتفاقية كامب ديفيد، وهذا لا يتم إلا من خلال قيام الدولة الفلسطينية، عندها تنتفي كثير من القيود التي تفرضها الاتفاقية، وتظهر الحاجة والمصلحة المشتركة لجميع الدول بما فيها «إسرائيل» في قيام علاقات طبيعية متبادلة في ظل خيارات السلام وليس خيارات الحرب. صار من الثابت أنه لا سلام من دون مصر القوية، وسيبقى اتفاق كامب ديفيد كما اتفاقات أوسلو بلا معنى، ولا مغزى، ولا قيمة من دون قيام الدولة الفلسطينية والتسوية العادلة لقضية الشعب الفلسطيني.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات