الأحد 11/مايو/2025

سما القدس

سما القدس

لا تضاهي فرحة المرأة لحظة ارتباطها بشريك حياتها فرحة أو تزيد عليها بكثير إلا لحظة تفجر أمومتها، حين يهل هذا المخلوق الصغير الجميل الذي ينسل من أعماق جسدها ليجلس بين ذراعيها متربعاً على عرش مشاعرها، يعد عقد الزواج أجمل العقود بين طرفين، حين تمنح المرأة كل ما تملك من مشاعر لرجل يسرقها من أهلها السرقة المشروعة والموثقة بموافقة كل الأطراف، لكن الأجمل حين تمنح المرأة أروع أحاسيسها ومشاعرها لضيف يمنحها الله من قدومه أرفع الأوسمة وسام أم مع مرتبة الشرف الأولى، هذه المرتبة التي ترتفع تحت أقدامها الجنة بأمر من رب العزة.
شاء الله أن يختبر «حلا»، حين انتظرت ثلاثاً من السنوات العجاف بانتظار رحمته بها ليبوئها منزلة مقدسة اسمها أم مع مرتبة الشرف الأولى. مرت «حلا» بشهور الحمل وهي تترقب لحظة ولادتها، وحين اقتربت من الشهر السابع، قررت أخذ إجازة من العمل، وأصرت عليها متحملة النتائج التي يمكن أن تترتب عليها هذه الإجازة، رغبة منها في أن تتوجه إلى مدينة القدس الشريفة، مسقط رأسها لتلد طفلها هناك.
سألتها لماذا هذا كله، بإمكانك الولادة هنا من دون أي عناء وتجنباً لوعثاء السفر والتعب، أو حتى تعرضك لولادة مبكرة لا تحمد عقباها. قالت لي عيناها: لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي، لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة. قالت: إن ولد طفلي في الخارج سيفقد بذلك حصوله على الهوية، سألتها: لِمَ؟ قالت: هكذا سيكون مكان الميلاد القدس، نعم، نحن من القدس الشريف، والمولود خارجها يفقد حقه في الهوية.
سافرت «حلا» وفي طريقها كانت تمسح يدها على رأس طفلها الغافي في بطنها، وهي تحصنه من عيون اليهود وقلوبهم: يا ليلة الإسراء يا درب من مروا إلى السماء. عيوننا إليك ترحل كل يوم.. وإنني أصلي، عند كل بوابة تطرقها كانت تردد: الغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان، الغضب الساطع آتٍ.. سأمر على الأحزان.. من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ، وكوجه الله الغامر آتٍ..آتٍ.. آت.
بعد ثلاثة أشهر بشرنا بخبر من القدس الشريف أن تحت سماء القدس ولدت «سما»، طفلة فلسطينية الهوية، قدسية المولد. ولدت «سما» تحت سماء القدس، وولد معها ألف طفل وطفلة، يصرخون: القدس لنا والبيت لنا، وينشدون: عيوننا إليك ترحل كل يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد، يَحبون في شوارعها، ويستصرخون الحق للوجهين اللذين يبكيان في المغارة.
يستصرخون الحق لأجل من تشردوا، لأجل أطفال بلا منازل، لأجل من دافع واستشهد في المداخل، ويستصرخون الحق حتى لا يستشهد السلام في وطن السلام، وحتى لا يسقط الحق على المداخل، وحتى لا تهوي مدينة القدس في براثن اليهود للأبد.
هكذا علمتنا سما حين أصرت على أن تولد تحت سماء القدس، هكذا علمتنا سما وكل الأطفال الذين ولدوا تحت سماء القدس وهم يطرقون معها بوابة الحياة وهي تصرخ: لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي. سأدق على الأبواب وسأفتحها الأبواب، وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية وستمحو يا نهر الأردن آثار القدم الهمجية.. وسيهزم وجه القوة.
ها أطفال القدس يرددون مع «سما»: البيت لنا والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس.. بأيدينا للقدس سلام آت.
ترى أين كل الذين يتاجرون باسم فلسطين وباسم القدس منذ النكبة وحتى الآن، ومنهم فلسطينيون عن «سما» التي ولدت تحت سماء القدس، وتؤكد بميلادها أن البيت للفلسطينيين، وأن بهاء القدس منهم، وأن السلام آت على أيديهم.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....