السلطة الفلسطينية والملف الأمني

في الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال الصهيوني المداهمة والاعتقال وتعذيب الأسرى، كما يواصل التشريد والتهويد والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية بوتيرة متصاعدة في بناء المستعمرات الصهيونية، ولا يقيم وزناً للقانون الدولي، أو حتى الاتفاقيات التي أبرمها مع القيادة الفلسطينية، تظل السلطة الفلسطينية ملتزمة التزاماً تاماً بهذه الاتفاقيات، وتحقق للكيان الصهيوني غايته منها، وأهمها الأمن، وقد أبدى الكيان ارتياحه لإمساك السلطة الفلسطينية بالملف الأمني، فقد أزاحت عنه عبئاً ثقيلاً، وجعلت احتلاله غير مكلف كما قال أبو مازن، ذلك أن السلطة الفلسطينية، تتولى المسؤولية الأمنية في الضفة الغربية إضافة إلى المسؤولية الإدارية والمدنية بها، وكل هذا مريح للاحتلال الذي يواصل نهجه في زيادة الحواجز ومواصلة المداهمة والاعتقال وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجونه.
إن الكيان الصهيوني الذي يضع الأمن في أولى أولوياته ومساندة الولايات المتحدة له في ذلك إلى الحد الذي اعتبر فيه أوباما أن أمن الكيان الصهيوني مقدس، تسهم السلطة الفلسطينية من خلال إمساكها بالملف الأمني في الضفة الغربية، في تحقيق الهدف الصهيوني في وقت لا يكترث فيه هذا الكيان لأمن الفلسطينيين، بل يدمر أمنهم وحياتهم بسياسته الممنهجة في المداهمة والاعتقال والتعذيب.
هذا الوضع الذي تبدو فيه الضحية حارساً أميناً لجلادها لا يستقيم مع المنطق والعدل والقانون، حتى المجتمع الدولي الذي يتحدث باسم الشرعية الدولية، لا يمثل ضغطاً على الكيان الصهيوني لوقف ممارساته المنافية للقانون الدولي والمناقضة للشرعية الدولية، ذلك أن المجتمع الدولي محكوم بثقل القوى الأكثر نفوذاً وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تناصر الكيان الصهيوني إلى أبعد الحدود وتمده بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً، ولا تدين ممارساته التعسفية في المداهمة والاعتقال والتعذيب والتشريد والتهويد والاستيطان، ولا تلزمه بالالتزام بمقتضيات القانون الدولي، أو حتى باستحقاقات الاتفاقات التي أبرمها مع القيادة الفلسطينية، في الوقت الذي تلزم الطرف الفلسطيني بالتنسيق الأمني، وتشارك في الوفاء به.
إن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي قررت تقييم العلاقة مع الكيان الصهيوني في ضوء انسداد الآفاق في عملية السلام واستمرار الاستيطان، وأشارت إلى أنه قد يتم التخلي عن استحقاقات أوسلو وما انبثق عنها وما بعدها من اتفاقيات، بما في ذلك التنسيق الأمني، لم يتمثل ذلك في فعل ملموس على أرض الواقع، وما زال الأمر يراوح مكانه.
إن تفعيل هذا التوجه أمر ضروري تقتضيه المصلحة الوطنية، فالتخلي عن الملف الأمني يمثل صفعة قوية للكيان الصهيوني الذي استمرأ العبث بالأمن الفلسطيني، والحقوق الفلسطينية، وجعل مهمة الأمن في الضفة الغربية في يد السلطة الفلسطينية التي تتولاها نيابة عنه لتريحه من أعبائها وتحقق هدفه المحوري المتمثل في الأمن. ربما يقابل الكيان الصهيوني ذلك بإجراءات معينة متمثلة في بعض أوراق الضغط التي يملكها وخصوصاً مستحقات الضرائب، وربما تستخدم الولايات المتحدة ما لديها من أوراق ضغط على السلطة الفلسطينية متمثلة في العون المالي، ولكن السلطة الفلسطينية إذا استمرت في الرضوخ للضغوط فإنها ستستمر في أداء مهامها الأمنية خدمة للاحتلال، وستبقى أسيرة هذه الضغوط حتى في البنود الرئيسية في القضية الفلسطينية المتمثلة في القدس والحدود وحق العودة.
إن ما توجهت إليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هو توجه صائب، ولكنه يظل حبراً على ورق إن لم يتمثل في فعل على صعيد الواقع، ولعل ما أعقب التصريح بهذا التوجه من ممارسات من قبل السلطة الفلسطينية، يعطي الانطباع بأن التصريح في واد والممارسة السياسية في واد آخر.
إمساك السلطة الفلسطينية بالملف الأمني الذي أبدى الكيان الصهيوني ارتياحه له هو أمر غير مريح لكل فلسطيني يعبث الاحتلال بأمنه كما يعبث بحقه وأرضه. وإذا كان الكيان الصهيوني غير ملتزم باستحقاقات أوسلو وما انبثق عنها وما بعدها من اتفاقيات، ولم يوف بما عليه من التزامات، فكيف يصر الطرف الفلسطيني على الوفاء بالتزاماته؟ وبديهي أن إخلال الكيان الصهيوني بالاتفاقية وما انبثق عنها وما بعدها، يعطي الحق للسلطة الفلسطينية أن تتخلى عن التزاماتها، إذ لا يمكن أن يظل الطرف الفلسطيني هو الملتزم ويظل الكيان الصهيوني غير ملتزم في وضع يحقق للكيان الصهيوني كل أهدافه، ولا يحقق للطرف الفلسطيني أي هدف.
إن واجب السلطة الفلسطينية أن يكون أداؤها السياسي متكافئاً مع القضية، وأن يكون محققاً لنتائج إيجابية على الصعيد الوطني، لا أن تصب النتائج الإيجابية كلها في مصلحة الكيان الصهيوني، ولا يحصد الطرف الفلسطيني إلا السلبيات، ومن أهم هذه السلبيات إمساك السلطة الفلسطينية بالملف الأمني وتحقيق غاية الاحتلال الصهيوني منه، في وقت يعيث فيه الاحتلال فساداً في الأرض الفلسطينية، وينتهك الأمن الفلسطيني والحق الفلسطيني، ويعلن صراحة أنه مرتاح لإمساك السلطة الفلسطينية بالملف الأمني.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...