الخميس 08/مايو/2025

الانقسام الفلسطيني يعمق الأزمات الاجتماعية

الانقسام الفلسطيني يعمق الأزمات الاجتماعية

الأزمات الاجتماعية التي يعانيها الفلسطينيون في الضفة الفلسطينية كما في قطاع غزة ، هي في الأساس وليدة الوضع السياسي، والخروج من هذه الأزمات سيبقى رهناً بتغيير الوضع السياسي، وما دام الباب مغلقاً أمام الوصول مع العدو الإسرائيلي إلى تسوية، تقود إلى قيام دولة مستقلة، وتفسح في المجال لبناء اقتصاد وطني، فإن هذه الأزمات ستبقى قائمة وتزداد تعقيداً.
إلا أن هذا، على صحته، ودقته، لا يلغي أن الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني يلعب دوراً في تعميق الأزمات الاجتماعية، خصوصاً وأنه هو نفسه عنوان لأزمة سياسية تلعب دوراً في تزخيم مفاعيل وتداعيات الأزمات الأخرى، سياسة كانت أم اقتصادية.
يوفر الانقسام الفلسطيني للجانب الإسرائيلي ذريعة لفرض حصاره الظالم على قطاع غزة، والتحكم بمعبر كرم أبو سالم، الذي يشكل الطريق الرئيسي لاستيراد حاجات القطاع على اختلاف أنواعها،كما يوفر للجانب الإسرائيلي ذريعة لاتهام القطاع بأنه بؤرة للإرهاب، في ظل حكومة حماس، وبالتالي تبرير الحملة العدوانية، التي تطال بعض المؤسسات والورش، مما يلحق أضراراً فادحة في الاقتصاد الهش للقطاع المحاصر.
كذلك يلعب الانقسام دوراً في قطاع غزة، ويبرر لحكومة حماس فيه أن تجهض أي تحركات مطلبية، سواء بما يتعلق بالكهرباء، أو البطالة، أو غيرها، بذريعة أن الطرف الآخر، أي فتح، هو من يقف وراءها، وأن هدفها الحقيقي ليس تحقيق المطالب المرفوعة بل التشهير بحماس وحكومتها، وبما يخدم فياض وحكومته.
ما نشهده في القطاع نشهد له مثيلاً في الضفة، حيث تحاول حكومة فياض أن تعلق تقصيراتها على مشجب الانقسام، من خلال القول إن أكثر من 50 % من موازنتها يذهب إلى قطاع غزة، لدفع مرتبات موظفين مدنيين وعسكريين، ولدفع بدل بطالة لآلاف العمال العاطلين عن العمل، متهمة حركة حماس بأنها لا توفر للقطاع الحد الأدنى من احتياجاته، وأن خدماتها توزع على أساس فئوي، يميز بين من هم مؤيدون لحماس ومن يعارضونها، وأنها – أي حكومة فياض – تدفع فاتورة وقود محطة كهرباء القطاع بينما تستفرد الحركة الإسلامية بجباية الرسوم من الأهالي، وتصادرها لصندوقها، وقد ذهب البعض إلى حد المطالبة بوقف الدفع لقطاع غزة، وترك الأمور فيه تتفاعل وتنفجر في وجه حكومة هنية، وليس خافياً أن هذه الدعوة لم يكن همها إعفاء حكومة فياض من مسؤولياتها نحو القطاع، بقدر ما كان همها تفجير الأوضاع الاجتماعية في وجه حماس، في ظل الانقسام القائم.
إن تداعيات الانقسام القائم في الساحة الفلسطينية لم تقف عند حدودها السياسية، أي إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، والاستيطان، وفي أعين الرأي العام والقوى الشقيقة عربياً ودولياً وإسلامياً، بل تعدتها إلى المس المباشر بالحياة اليومية للفلسطينيين، في القطاع، كما في الضفة، ولم يعد خافيا على أحد أن نفوذ التيار الانقسامي – وبنسب غير متساوية بالطبع – ما زال قوياً وباستطاعته أن يعرقل تنفيذ اتفاقات المصالحة، وأنه بات يملك من الخبرة، في هذا المجال، ما يمكنه من أن يُغرق الساحة الفلسطينية، في التفاصيل والجزئيات، وأن يُغيّب القضايا الجوهرية.
سيبقى الانقسام عامل إضعاف للحركة الوطنية الفلسطينية، وعامل استنزاف للطاقة الجماهيرية، ومع استمرار تفاقم حالة الانقسام، وتزايد تداعياتها تعقيداً، يدرك الفلسطينيون على نحو متزايد بأن أدوات العمل الحالية وآلياته لم تعد تجدي نفعاً لمعالجة الأزمات المتراكمة، السياسية والاقتصادية، وباتوا يفكرون خارج المألوف بحثا عن حلول استراتيجية، خارج نطاق معاهدة أوسلو، والسلطة الفلسطينية، وبعيدا عن حل الدولتين الذي بات شبه مستحيل، وعيونهم تراقب الإرهاصات والمناقشات التي تدور في أوساط الحركة الفلسطينية في مناطق 48 والتحضيرات لعقد مؤتمر وطني لها والوثائق التي سيقرها المؤتمر.
صحيفة الوطن القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات