الخميس 08/مايو/2025

لو أن الفتى حجل!!!

لو أن الفتى حجل!!!

استوقفني خبر قد يكون أقرب إلى المهتمين بمجلة الناشونال جيوغرافي، أو علم الأحياء هو عبور نصف مليون طائر سماء فلسطين هذا الموسم من الهجرة. ولم تكن تلك الطيور تحمل جوازات سفر أو بطاقات ملونة، ولم تستوقفها الحواجز الإسرائيلية كي تموت منها الحوامل وهي تحتضن فراخاً فقست للتو من بيضها، ولم يمت أحدها بالسكتة القلبية أو بالضغط أو بنوبة سكر لأن التجول ممنوع في الفضاء، لقد عبرت كلها ولم تفتش “إسرائيل” ما تحمله تحت آباطها أو ما تطلقه من أصوات، وقد يقول الواقعيون جداً والأقرب إلى الزواحف في واقعيتهم أن تلك الطيور عبرت من الفضاء، وهم كعادتهم ينسون أو يتناسون ما قاله ذلك الفلاح الفلسطيني العجوز والطاعن في فلسطينيته عندما طلب منه أن يبيع دونماً واحداً من أرضه، فقد قال إن مساحة هذا الدونم ليست ألف متر مربع أو حتى مليوناً، إنها تمتد من الأرض إلى أعلى نقطة في السماء، فمن يملك هذا الدونم يملك ما فوقه من هواء وما في جوفه حتى آخر نقطة في باطن الأرض.
إن هناك أساليب عديدة لاصطياد أسراب الطيور المهاجرة، نذكر منها للمثال فقط طائر السّمان الذي تنصب له الشباك وهي مغطاة بالعشب على السواحل فيهبط عليها ليستريح من عناء الهجرة الشاقة ثم يكتشف بعد فوات الأوان أن ما سقط عليه ليس سهولاً مغطاة بالعشب، بل كمائن وأغرب ما في هذا الصيد الذي عبر عنه نجيب محفوظ رمزياً وسياسياً في روايته السّمان والخريف أن الطعم الذي يُصطاد منه هو تعبه ولا شيء آخر.
إنه خبر علمي يخص الناشونال جيوغرافي أو راصدي هجرات الطيور، لكن الفلسطيني عندما يقرأه يتساقط من عينيه الدمع، لأن الله خلقه إنساناً وليس طائراً، فالطائر لا يعاقب على غنائه حتى لو كان مقاومة، لأنه غير مفهوم ولا تفرض عليه الإقامة الجبرية في أعشاشه كما فرضت على شعراء وناشطين في فلسطين، لهذا فإن ما قاله شاعرنا العربي تميم بن مقبل وهو ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر، يغيره ملايين اللاجئين إلى ما أطيب العيش لو أن الفتى حجل، فالحجل طائر يحب الأعالي، لكن نقطة ضعفه التي يصطاد منها ليست تعب خواصره وأجنحته كما هو الحال بالنسبة للسّمان، إنه شغفه بالألوان الحادة والفاقعة فما أن يراها حتى ينقض عليها ثم يكتشف أيضاً بعد فوات الأوان أنها كمين أو فخ!
نعرف أن “إسرائيل” عاقبت البطيخ ذات انتفاضة لأنه يحمل ألوان العلم، ثم عاقبت الدجاج لأن المحاصرين في ساعات منع التجول حولوه إلى دجاج زاجل يحمل رسائلهم من بيت إلى بيت عبر أسطح المنازل، وهي الآن تعاقب المرأة الفلسطينية لأن معدل إنجابها أضعاف معدل إنجاب اليهودية وآخر ما نشر هو ضيق إسرائيلي بإرضاع الأمهات الفلسطينيات وبنسبة تزيد عن ثمانين بالمئة لأطفالهن من صدورهن. ذلك لأن الحليب كله قابل للغش إلا هذا الحليب الذي يفرزه الدّم وأحياناً يضخه الدمع.
نصف مليون طائر عبرت البحر والبر بسلام ومنها ما استراح في الخليل ومنها ما باض على قمة الكرمل في الجليل، فما أطيب العيش لو أن الفتى حجل وليس حجراً!
صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام تصاعدت أعمال المقاومة بالضفة الغربية المحتلة، خلال الـ 24 ساعة الماضية، ورصد مركز معلومات فلسطين "معطى"، تنفيذ...